الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرضت لخبر مزعج فأصابني التوتر والوساوس وأعراض أخرى، ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا شاب عمري 27 عاما، وقبل عام 2012 كنت طبيعيا؛ أعيش حياتي كأي إنسان آخر، ولا أعاني من شيء، وفي عام 2012 تعرضت لخبر مزعج جدا أصابني بالتوتر، وعليه جاءتني حالة انهيار عصبي، ودخلت وقتها المستشفى على إثرها، وبعد الفحوص تبين أن الحالة فقط توتر وضيق وانزعاجات.

بعد هذه الحالة أصبح لدي نقطة تحول في حياتي، وبدأت حالات الخوف والذعر تنتابني من أي شيء، وخاصة الأمراض، وأصبحت الأوهام والوساوس ترافقني دائما، فذهبت إلى طبيب نفسي، وأعطاني بعض الأدوية لأتغلب على هذه الحالات، وتحسنت قليلا، ولكن أصبح لدي رهبة داخلية لا تفارقني معظم الأوقات، والآن حالتي هي كالتالي: دائما أتوهم بأن مرضا خطيرا سوف يصيبني، فأسرع إلى المستشفى؛ لإجراء الفحوصات، فيكون كل شيء سليما.

تصيبني بين فترة وأخرى رجفة، وتسرع في دقات القلب، وتعب، فأتخيل أنها أعراض جلطات قلبية؛ فأسرع إلى المستشفى، ولا أطمئن إلا إذا قاموا بالفحوصات، ولدي خوف داخلي من المجهول، من الموت، مع أن الموت حق، ولكنني دائما أفكر بأنه قريب، ووقتها أتوتر وأتوهم، وتسيطر علي المخاوف، وأصبحت في حالة تفكير سلبي دائم، والمصيبة أنني أعرف أن ما يصيبني هو أفكار سلبية فقط لا غير، وأحاول أن أتجاهلها، ولكنني لا أنجح بذلك.

عانيت من تشنج القولون أيضا، والمشكلة الرئيسية الآن أنني بحالة تفكير دائم، فمثلا أصبحت أخاف أن أخرج من البيت؛ لأنني أعتقد بأنني سوف أصاب بجلطة مفاجئة، وأخاف قيادة السيارة لمسافات بعيدة، وأتخيل بأن شيئا ما سوف يصيبني وأنا أقود، ولقد فكرت بأن أسكن قريبا من إحدى المستشفيات؛ لكي إذا أصابني شيء أسرع بالوصول إلى المستشفى.

أخاف أن أغلق باب الحمام خلفي؛ لكي لا أصاب بشيء داخله!، وعندما يصيبني ألم بسيط بالرأس أتخيل أنه بداية مرض ما، وعندما يصيبني أي ألم في الصدر -وممكن أن يكون تشنجا عاديا- أعتقد بأنه مرض في القلب، وعندما تصيبني أي وخزة في ظهري، في يدي، في قدمي؛ أخاف وأذهب إلى مواقع النت؛ لأكتب الأعراض، وكما قلت أعرف بأن ذلك وهم، ولكنني لا أستطيع نزع هذه الأفكار من عقلي الباطن، دائما هناك أفكار سلبية في عقلي الباطن لا أستطيع انتزاعها.

عندما يخبرني أحد بأنه يحتاجني بموضوع؛ أتوتر وأخاف، وأنا صفاتي: لدي قدر كبير من التسامح، وطيبة القلب، ومساعدة الناس، وأبكي بسرعة على أي موقف. وأريد أن أتخلص من الخوف بشكل نهائي، وأن أطرد الأفكار السلبية التي تسيطر على عقلي الباطن، وأريد أن أعيش حياة طبيعية خالية من القلق والخوف والتوتر، وأريد أن أتخلص من كل شيء سلبي، وقد قرأت الرقى، وأقرأ القرآن، ولا أترك الصلاة، ولكن دون فائدة!

أريد دواء قوي يجعلني أواجه هذه الأعراض ولا أفكر فيها، وبنفس الوقت أكره أن أدمن الأدوية وأن يكون لها أعراض جانبية مزعجة ومضاعفات.

أجيبوني عن حالتي جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

رسالتك واضحة ومفهومة جدًّا، فالذي يُهيمن عليك هو قلق المخاوف، والذي أتصوره أنه ربما يكون لك بعض الاستعداد للقلق، أي أن التركيبة النفسية والسلوكية لشخصك الكريم في الأصل تحمل هذه السمات، وحين تأتي أي أحداث أو ظروف حياتية تكون أنت طرفًا فيها يحدث لك القلق والتوتر، فأنت مثلاً حين تعرَّضتَ للخبر المزعج بدأتْ لديك المخاوف والوسوسة بصورة جليَّةٍ جدًّا، والإنسان سلوكيًا هو نتاج تفاعل بين ما يُسمى بالأسباب المُهيئة -أي التركيبات والحوافز النفسية الداخلية- مُضافًا إليها العوامل المرسِّبة، وهي التغيرات البيئية والأحداث الحياتية التي يتعرض لها الإنسان.

أيها الفاضل الكريم: لا أريدك أن تعتبر حالتك حالة مرضية، بالرغم من تخوفك، بالرغم من هواجسك، بالرغم من معاناتك، بالرغم من أنك لديك النية أن تنتقل وتسكن بالقرب من المستشفى حتى تكون قريبًا من الإسعاف، أريدك أن تعتبر الحالة بسيطة، وأريدك أن تنطلق في الحياة، وأن تُحسن إدارة وقتك، وأن تتجاهل هذه الأعراض تمامًا.

التجاهل علاج، لكن التجاهل يتطلب الشكيمة والعزيمة والصبر والإصرار، هذه الأربعة مطلوبة لكي يتغلب الإنسان على هواجسه وعلى مخاوفه، وفي ذات الوقت لا بد أن تكون هنالك أنشطة أخرى، أنشطة مخالفة مثل: ممارسة الرياضة، الإكثار من التواصل الاجتماعي، الحرص على تطوير المهارات، إن كان في جانب العمل أو التطور الأكاديمي، هذا كله مطلوب ومطلوب جدًّا ولا شك في ذلك.

كما أنه -يا أخِي- ممارسة الرياضة تعطي الإنسان مشاعر إيجابية جدًّا، فاحرص عليها، والنوم الليلي المبكر مطلوب، والتمارين الاسترخائية وجد أنها مفيدة جدًّا كأحد مسارات العلاج السلوكي، فاحرص عليها -أخِي الكريم- يمكن أن يُدرِّبك عليها أحد المختصين، أو يمكنك أن تستعين بأحد المواقع على الإنترنت، أو ترجع لاستشارة إسلام ويب والتي هي تحت رقم (2136015).

أخِي الكريم: ليس من الضروري أن يتخلص الإنسان من قلقه بالكلية أو من خوفه، فالقلق مطلوب كطاقة نفسية إيجابية، الذي لا يقلق لا ينجح، الذي لا يخاف لا يحمي نفسه، الذي لا يوسوس لا ينضبط، الذي لا يهتم لا شك لا يكون يقظًا ولا متحوطًا، فهذه كلها طاقات نفسية مطلوبة، لكن يجب أن نكبح جماحها إذا اشتدَّتْ ونحولها من السلبية إلى الإيجابية.

هذا -يا أخِي الكريم- هي المبادئ الأساسية التي يجب أن نعتمد عليها.

أريدك أيضًا أن تقرأ بعض الكتب المفيدة، ومنها كتاب ديل كارنيجي (كيفية التخلص من القلق) واسم الكتاب على وجه التحديد (كيف تتخلص من القلق وتبدأ حياتك)، كتاب الشيخ عائض القرني (لا تحزن) أيضًا من الكتب المهمة والمفيدة، وفيه الكثير من الإرشادات السلوكية الرفيعة جدًّا وفي صياغ إسلامي، فحاول أن تقرأ هذين الكتابين وتُطبق ما بهما، أعتقد أن ذلك سوف يكون مفيدًا جدًّا بالنسبة لك.

أيها الفاضل الكريم: احذر تمامًا من التردد على الأطباء، هذا لا يعني أننا نريد أن نحرمك من التأكد من صحتك، لا، القصد هو أن تذهب إلى طبيبٍ واحدٍ في فترات متباعدة من أجل الفحص الدوري، يعني مثلاً: مرة كل ثلاثة إلى أربعة أشهرٍ، هذا وجد من أفضل الطرق التي تُقلل كثيرًا من المخاوف المرضية، فاجعل هذا هو نهجك، وإن شاء الله تعالى تجد أن مخاوفك وتوتراتك ووساوسك حول الأمراض قد قلَّتْ تمامًا إلى أن تذهب وتنتهي بالكلية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً