الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضاقت بي نفسي بسبب الوسواس، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتيت إليكم لكي أجد إفادتي -إن شاء الله-؛ لأني -والله أعلم- أعاني من وسواس قهري، فقد ضاقت بي نفسي بسببه، ولم أعد أجد الراحة، فإنني أجد كلاما في قلبي، وأعرض عنه، وأحيانا قد أخوض معه، وقد أكفر شخصا بلساني أو بقلبي بسببه، أو أحلل وأحرم، وبعد أن أتكلم أو أتذكر أن هذا الشيء حصل؛ أحاول أن أشرح لنفسي، وأخيرا أتوصل أني مخطئ بسبب الوسوسة، فقد قرأت مقالة لشيخ، وقلت: لماذا يحلل ويحرم؟ ليس بهواه، ولا أدري هل قلتها بلساني أو قلبي؟ وربما قد كفرته، ولكن لا أعرف هل بلساني أو قلبي!

وعندما تحصل معي كثيرا قد أفعل شيئا يؤول بي إلى الكفر، وكل هذا بسبب الوسواس، فوالله تعبت، وضاقت بي الحياة، وعندما أريد قول الشهادة أكررها؛ لأني أقول: إنني أخطأت في نطقها، فأكررها مرارا وتكرارا!، ولأني أعاني من ثقل في نطق بعض الحروف، وفي نطق السين أيضا؛ فأكررها، ونفس الشيء في الأذكار الصباح أو المساء، ففي بعض الأذكار قد أعيد الكلمة لأكثر من (8) دقائق؛ لكي آتي بنطق قريب، مع أني أعلم أني أعاني من ثقل في النطق، ولا شيء علي إن شاء الله، وأقول: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ومع ذلك أعيد الكلمة، وأعيد التشهد، فأرجوكم لا تحيلوني لفتاوى أو استشارات أخرى، وأنا أعلم أنه ربما يكون صعباً عليكم، ولكن أرجوكم أن تفعلوا ذلك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فردا على استشارتك أقول:

1- المؤمن مبتلى في حياته كلها في السراء والضراء، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} وتقدير الله دائما فيه الخير والرحمة للعبد، وقد ابتلى الله أنبياءه وعباده الصالحين؛ فهذا نبي الله أيوب ابتلي بلاء شديدا في جسده، وفقد أهله وولده وماله، فصبر واحتسب الأجر، فقال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وتدبر معي قوله: {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فلم يناد أيوب ربه قائلا فاشفني، وعافني، وأذهب عني ما أجد. والمعنى: أنت يا رب أعلم بما ينفعني، وأنت أرحم الراحمين، فإن كان الشفاء خيرا لي ورحمة بي فأنزله، وإن كان البلاء خيرا لي فأنت أرحم بي، وأعلم مني، فاستجاب الله دعاءه، وكشف عنه ضره، قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ} والمؤمن يتقلب بين أجرين: أجر الصبر، وأجر الشكر، قال -عليه الصلاة والسلام-: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن).

2- الوسواس من كيد الشيطان، وكيد الشيطان ضعيف جدا، قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} ولذلك يلجأ إلى الوسوسة، ويستطيع الإنسان الخروج من هذه الوسوسة بالعزيمة القوية، وعصيان تلك الوساوس والخواطر؛ فالشيطان لا يقوى على مواجهة الأقوياء، وأنت -إن شاء الله- عندك من الصفات ما يؤهلك للخروج من هذا المأزق بدليل ما عندك من الإرادة للخروج من حالتك، ومن أنفع العلاجات للوسواس عدم الاسترسال مع تلك الخواطر، وعدم مناقشتها؛ لأن النقاش يوصلك إلى تشعبات لا نهاية لها، ولكن بمجرد ما تأتي الوساوس والخواطر استعذ بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

3- ما سمعته من ذلك الشيخ من تحليل وتحريم إنما كان بموجب ما حكم الله به ورسوله، فالعالم لا يحلل ولا يحرم من ذات نفسه؛ لأن المحلل والمحرم هو الله تعالى، والعالم يحكم بموجب ذلك، وما نطقت به من تكفيره -وأنت لا تدري هل بلسانك أم بقلبك- هذا من الوسوسة، ولا حكم لها، فالأحكام إنما تبنى على الواقع واليقين، لا على الشك، ثم إن الموسوس غير مؤاخذ بتلك الوساوس؛ لأنه مغلوب على نفسه.

4- عليك بكثرة الاستغفار لما تتفوه به، ولا تيأس من رحمة الله، فالله يغفر الذنوب جميعا حتى لو صدر منك عمل فيه كفر وشرك، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

5- في حال إتيانك بالأذكار عود نفسك وجاهدها ألا تكرر الكلمة أكثر من مرة، فأنت جزما نطقت بها على الوجه الصحيح، وهكذا الأعمال، لكن الشيطان هو الذي يشكك ويوسوس لك أنك ما نطقتها نطقا صحيحا، فلو أنك عصيته لتركك، ولكن حينما تضعف وتصغي لوساوسه يعيدك لتكرر اللفظ مرات عديدة، وكل مرة يرفع لك في العدد، فاستعذ بالله، واتخذ الشيطان عدوا، كما أمرك ربك: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

6- لا بد من زيارة طبيب نفساني؛ فالعقاقير الطبية نافعة بإذن الله تعالى.

7- حافظ على أذكار الصباح والمساء، والطعام والشراب، والنوم، والدخول والخروج من المنزل، والمسجد، وأذكار الدخول والخروج من الحمام، فكل ذلك يقيك من الشيطان الرجيم.

8- العمل بوصية نبينا -عليه الصلاة والسلام- حيث قال: (مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مِائةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ).

9- قراءةُ المعوذتين؛ فإنَّ لهما تأثيرًا عَجِيبًا في الاستعاذةِ باللهِ من شَرِّ الشيطان ودَفْعِه، والتحصُّنِ منه، ولهذا قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِمَا) وقد كان عليه الصلاة والسلام يَتَعَوَّذُ بهما كلَّ ليلةٍ عندَ النومِ، وأَمَرَ عُقبةَ أن يَقرأَ بهما دُبُرَ كلِّ صلاةٍ، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَرَأَهُمَا مَعَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثًا حِينَ يُمْسِي وَثَلَاثًا حِينَ يُصْبِحُ كَفَتْهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ).

10- قراءة آية الكرسي عند النوم، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ولا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ).

11- داوم على قراءة سورة البقرة، فإن لم تسطع فليكن عبر جهاز التسجيل؛ فإنها حرز ومانع للشيطان من دخول منزلك، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَإنَّ الْبَيْتَ الذي تُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ).

12- إن لم تستطع قراءة السورة كاملة فليس أقل من قراءة الآيتين الأخيرتين منها؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) وفي حديث آخر: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَلَ مَنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبَهَا شَيْطَانٌ).

13- المداومة على الذكر، فهو من أنفع ما يتحصن به من الشيطان، ففي حديث رواه الترمذي: إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات فذكر منها: (وأَمَرَكُم أن تَذْكُروا اللهَ؛ فإنَّ مَثَلَ ذلك كمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العدُوُّ في أَثَرِه سِراعًا حتى أَتَى على حِصْنٍ حَصينٍ فأَحْرَزَ نفسَه منه، كذلك العَبْدُ لا يَحْرُزُ نفسَه من الشيطانِ إلا بذِكْرِ اللهِ).

14- ادع الله دعاء المضطرين، وانكسر بين يدي الله، وكن موقنا بالإجابة، قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.

أسأل الله تعالى أن يشفيك، وأن يرد كيد الشيطان في نحره، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • تركيا انا

    بارك الله فيك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً