الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يسيء إلى أمي ولا يطيع كلامها، فكيف نتصرف معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر القائمين على هذا الموقع، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتهم.

مشكلتي:
أخي عاق لأمي؛ لا يسمع كلامها، ويجرحها، ويبتعد عنها بالأيام والشهور، ولا يتصل عليها كثيرا، ولا يأتي إليها للزيارة، تزوج من غير رضى والدتي، وبدون علمها، وهذه الفتاة التي تزوجها لا تناسبه، وليست من عاداته وتقاليده، ولهذا كانت الصدمة قوية على أمي؛ حيث إنها بعد علمها زاد بها القهر لفعلته، وكانت تتمنى له الأفضل، لكن لم يبال أبدا بها، وإذا نصحته قال: هذه أمي، وأعلم ببرها أكثر منك. ويبرر دائما أن أفعاله صحيحة بنظره، ويشهد الله أنه يؤذيها ببعده عنها، وأفعاله، وعدم اهتمامه، وقد دعت عليه بأن لا يوفق بزواجه هذا، وأن يقطع الله نسله من هذه الأرض!، وهو يسمع ويضحك، ويقول: لم أفعل حراما في يوم من الأيام.

وقد طلبت منه أن يكفلها بالاسم فقط؛ لاستخراج قرض؛ لأنها لا تستطيع بسبب ديونها الكثيرة، حيث قال: استخرت الله ولم أرتح. فترجته كثيرا، ولكن بدون جدوى، وزاد بها الألم والقهر، وبكت كثيرا منه، ورحمتها كثيرا، وقمت بكفالتها واستخراج قرض؛ لإرضائها.

أنا أحب أمي كثيرا، وأخي يقهرني بأفعاله تجاه أمي، ماذا أفعل؟ أفيدوني، هل هو عاق لأمي؟ هل ما يفعله صحيح؟

فأنا لا أملك إلا الدعاء له أن يهديه الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وجد حفظها الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: العقوق معصية وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا يقع في المعاصي إلا ضعيف الإيمان؛ لأن ضعيف الإيمان أو فاقد الإيمان لا يحس بلفح المعصية، فإن استطعتم تقوية إيمانه من خلال العبادات، فذلك هو العلاج النافع والناجع.

ثانياً: للصديق دور كبير في هذا الانحراف (فالمرء على دين خليله)، فلعله ترك له الحبل على الغارب حتى حدث له ما حدث.

ثالثاً: ليس صحيحا قطع العلاقة مع زوجته تحت أي مبرر، بل يجب التواصل والتعامل معها على أنها أمر واقع، والعمل على إصلاحها -إن كان عندها مخالفات- ومن خلالها تستطيعون النفوذ إلى أخيك وإصلاحه، بحيث تطلبون منها أن تذكره بالله تعالى، وأن العقوق سيعود عليه في كبره، وتطلب منه على الدوام أن يبر بأمه، ويأخذ رضاها؛ فبره بأمه سبب من أسباب طول العمر، وسعة الرزق، كما جاء في الحديث: (من أراد أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه).

رابعاً: اطلبوا من أخيك جلسة ودية عائلية مع زوجته في بيتكم، وتكون أمك موجودة فيها، بحيث لا تذكروا له زوجته، ولا عصيانه لأمه لا من قريب ولا من بعيد، بل تتجاذبون فيها أطراف الحديث، وقوموا بواجب الضيافة، وعند الانتهاء من الجلسة اطلبوا جلسة أخرى، وادعوهم لتناول الغداء أو العشاء معكم في البيت، والغرض من هذا هو كسر الحاجز، وتغيير الأجواء؛ لأنه يشعر الآن بأنه مكروه ومنبوذ، ولعل تعامل أخيك يتغير من خلال هذه الجلسات، كما أقترح أن تقبلوا دعوته إن دعاكم إلى منزله.

خامساً: قوله: (هذه أمي وأعلم ببرها أكثر منك وتبريره بأن أفعاله صحيحه) هذه مغالطة منه، ولو كان صادقا لما كانت أفعاله تخالف قوله، بل هو يغالط نفسه، ويكذب عليها، وأنا على يقين أن نفسه غير راضية عن أفعاله، لكنه مكابر، وسيأتي الوقت الذي يتغير فيه بإذن الله.

سادساً: الإنسان يمر بمراحل متعددة، ويحدث له تغير في سلوكياته وأخلاقياته، ولن يبقى أخوك على ما هو عليه؛ فلا تكثروا عليه الكلام حول بره بأمه؛ لأن ذلك يُحدث عنده عنادا، ويرى أنه من خلال عناده يظهر شخصيته، ويخوض مغامرات مثيرة في نظره، فقد أثبتت الدراسات أن أكثر الشباب الذين يحذرون من فعل شيء ما -كترك تعاطي الدخان مثلا- أن تلك التحذيرات لا تؤثر فيهم، بل تزيدهم إصرارا على تعاطيه.

سابعاً: أشعر بمرارة ما تجد أمك من عقوق ولدها، ولكني أنصحها بأن لا تدعو عليه، بل تدعو له بأن يصلحه الله، فهل سيبرد قلبها لو لم يوفقه الله أم سيزداد قلبها ألما؟ لا شك أن قلبها سيتألم أكثر؛ لأنه قلب الأم.

ثامناً: عليكم بالدعاء في حال السجود، وفي أوقات الإجابة أن يصلحه الله ويهديه، وكونوا على يقين بأن الله سيستجيب دعوة أمك، ولو بعد حين.

تاسعاً: احذروا أن يكون البنك الذي تقترضون منه يتعامل بالربا، بمعنى يعطيكم مبلغا ويأخذ عليه فوائد، فإن كان كذلك؛ فأخشى أن يكون ما أصاب والدتك من عقوق ولدها بسبب التعامل بالربا، ويكون امتناع الولد من كفالتها صحيحا من الناحية الشرعية، لكن كان الواجب عليه أن يوفر لها ما تحتاجه بطريقة شرعية.

أسأل الله أن يصلح أخاك، ويعيده إلى رشده؛ إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً