الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تشوُّهُ وجهي جعل حياتي جحيمًا لا يطاق!

السؤال

السلام عليكم ورحة الله وبركاته

ابتُليت منذ صغري بعدة أمراض أدت إلى تشوه دائم في وجهي، فصار قبيحًا مشوهًا، وهذه ليست المشكلة في حد ذاتها، ولكن المشكلة هي ما يترتب على ذلك من آثار نفسية واجتماعية.

منذ ذلك الوقت -أكثر من 15 عامًا- وأنا أتوارى عن الأنظار، وأتجنب الاختلاط بالناس، وأشعر بقليل من الراحة مع العزلة، فأصبحت دائم الجلوس في غرفتي، ولا أخرج إلا للصلاة أو عند الضرورة، فقط أذهب للجامعة؛ لأني كلما همَمْت بالخروج أنظر إلى المرآة فيصيبني غم عظيم، فأتراجع؛ لذلك يفوتني الكثير من المحاضرات والدروس، فضلًا عن الاكتئاب الذي يزيد الطين بلة، ويصدني عن المذاكرة.

كما أنني لا يوجد لديّ أية هواية، ولا أخرج مع عائلتي أو أصدقائي، وأتهرب من أي مواقف فيها تصوير، ولا أجرؤ على وضع صورتي على مواقع التواصل كما يفعل أقراني.

كلما فكرت في المستقبل أَزدادُ همًا على هم، فأنا لم أحظَ في حياتي بأية تجربة عاطفية مثل زملائي، وأتساءل من ستتزوجني على هيئتي هذه؟! فزميلاتي في الجامعة يتجنبن حتى النظر إليّ، فكيف بالزواج؟! حتى الأطفال يخافون مني، وكأني وحشٌ آتٍ من كوكب آخر!

مستواي الدراسي سيئ للغاية، ولا يوجد أمل في الحصول على وظيفة جيدة، وهذه مشكلة أخرى فاقَمَتْ من معاناتي.

عائلتي ممزقة، ووالدي منقطع عنا، وأمي المريضة تعمل ليل نهار لكي تنفق عليّ وعلى أخواتي، وحزنها على حالي هو أكثر ما يحزنني.

أعلم أن كل هذه المصائب ابتلاءات من الله –تعالى-، وأنا راضٍ بما قسم لي، وأنظر دائمًا إلى من هو أسوأ مني حالًا، فأشكر ربي كثيرًا، ولكن ليس بإمكاني تجنُّب الحزن الذي يلازمني ولا يفارقني.

أرجو منكم التكرم بالمشورة عليّ، هل يمكن أن يزول هذا البلاء يومًا ما مع كثرة الدعاء؟ وهل دعائي بزواله فيه جزع؟ وهل الحزن والهم سخط على قدر الله -عز وجل-؟ وهل يجوز لي تمني الموت والدعاء بذلك؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرًا لك على الكتابة إلينا بما في نفسك من الألم، وعلى أن فضفضت إلينا بما تعاني منه، أعانك الله وخفف عنك.

لا شك أن الأمر -وكما ذكرت في رسالتك-؛ أن الإنسان وبالرغم من تسليمه بقضاء الله، إلا أنه قد لا يستطيع صرف الحزن عن نفسه من شدة معاناته.

لله في خلقة شؤون، فكم هناك من الناس السعداء في الحياة، مع أن الله لم يؤتِهم المظهر الذي يريدونه، وكثير منهم في علاقة زوجية سعيدة، وفي أسرة متحابة. وإذا شئت فاذهب وَزُرْ أحد المشافي، كمستشفى السرطانات ومستشفى الجراحة لترى كثيرًا من الناس، وبالرغم من شكلهم وطبيعة جسمهم ووجههم، إلا أنهم واثقون من أنفسهم، بالرغم من وجود شيء من الحزن، كما أنهم في علاقة زوجية وأسرية سعيدة.

إن الفتاة التي ستتزوجك لن تتزوجك لمجرد شكلك أو مظهر وجهك، وإنما تريد أن تتزوج الشاب والإنسان الذي وراء هذا الوجه، فالوجه يتغيّر مع السنين، والإنسان يبقى؛ بشخصيته ودفئه وعواطفه وأفكاره ورعايته ومحبته.

من الآن وحتى تلتقي بفتاة الأحلام، هناك أمور كثيرة يمكنك القيام بها للرفع من معنوياتك، ولتقبُّل نفسك؛ فتقبُّل النفس يعتبَر من أولى الخطوات، فكيف يتقبلني الناس إذا كنت أنا لا أتقبل ذاتي؟!

لا شك أن التكيف مع ندبات الوجه وجراحاته يأخذ بعض الوقت، والذي يمتد لسنوات، فعليك بالصبر ومجاهدة النفس على التكيّف.

قد تستغرب، إلا أنه مما يفيد عندما تقابل أحدًا أن تبادره بالتعليق على شكل وجهك قبل أن يقول شيئًا أو أن يبدو على وجهه مما يشير لموقفٍ عنده، فيمكنك مثلًا عندما تلتقي بشخص جديد أن تقول له فور لقائك به: "نعم، ستقول في نفسك ما هذا الوجه؟ إلا أنه الوجه الذي أعطاني إياه الله رب العالمين، ولا أعترض على عطائه"! ويمكنك أن تقول هذا مع ابتسامة خفيفة على وجهك، فيرى الناظر جمال روحك قبل أن يلاحظ شكل وجهك.

إن تجنب لقاء الناس خجلًا من شكل الوجه، واعتزالهم لا يغير الحال، ولا يحسن مشاعرك المحزنة أو السلبية، بل على العكس ستجد حزنك ومشاعرك السلبية عن نفسك والناس والحياة تزداد، فالحل هو في إقبالك على الناس وبشيء من الثقة بالنفس، وأنا متأكد من وجود الكثير من الخصال الحميدة عندك، فلا تحرم الناس منها، واجعلهم يتعرفون على نفسك وشخصيتك، وليس فقط شكل وجهك.

صحيح، لن يكون الأمر سهلًا في البداية، إلا أن الأمر سيتحسّن مع مرور الوقت.

أخيرًا، وبعد أن ذكرت كل هذا، لا بد لي من الإشارة إلى أن الجراحة التجميلية -إن صحت التسمية- قد تطورت كثيرًا في السنوات الأخيرة، فليس هناك من مانع طبيعي أو شرعي من استشارة جراح خبير في العلاج التجميلي، فقد أفْتَت المجامع الفقهية في هذا.

وفقك الله، وألهمك صواب الرأي والقول والعمل، وأراح بالك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية أبو مرثد

    وفقك الله اخي السائل ورزقك الرضى والقبول ،فمن رضيّ الله عنه وأحبه ،أحبه الناس بصرف النظر عن شكله ،و والله هناك من حاله أسوأ منك كثيراً ويشهد الله انهم محبوبون بدرجة يستغربها الناظر إليهم فإذا غابوا يفقدوا واذا حضروا يستبشر بهم ،وعلى النقيض هناك من هم وجهاء الخلقة والحالة الاجتماعية لكن ليس لهم قبول عند الناس ،والواقع على ذلك يشهد.
    وفقك الله.
    شكرا....

  • الإمارات سمر

    اتمنى انك ما توقفي حياتك عشان الشكل الخارجي... انتي جميله في جوهرك .. فالشكل الخارجي يتغير بمرور السنين وكم من جميله فقدت جمالها واتلاشت عند الشيخوخه ... الحمدلله على كل حال . وانا اؤكد لك اذا رايتي نفسك جميله و اقتنعتي فسوف يراك الاخرون كذلك و سينعكس عليك. انا بالنسبه للارتباط فالزواج قسمه و نصيب ...لاتستعجلي ففارس احلامك ات في الطريق

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً