الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطيبي حسن الأخلاق والدين إلا أنني أشك في شحّه وبخله، ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا لإجابتكم على استشاراتنا.

أنا فتاة تربيت في العالم العربي، وانتقلت حديثا إلى إحدى دول الغرب مع أهلي. وخلال دراستي في الجامعة خفت على نفسي أن أفتتن -خاصة وأنني قد لاحظت نقصا وتدهورا في إيمانياتي- فصارحت أهلي بحاجتي إلى الزواج.

والحمد لله كان يتقدم لي الكثير، ولكن أهلي كانوا يعارضون زواجي قبل إتمام دراستي الجامعية، وبعد مصارحتي لهم لانوا وقرروا فتح المجال. وكنت أدعو الله كثيرا أن يعفني بحلاله عن حرامه، والحمد لله لم أنتظر طويلا حتى أني خُطبت سريعا وتم كتب كتابي (عقد القِران).

في خلال بضعة أيام أكون قد أتممت الشهر الثالث من عقد القران، ولكنني –بصراحة- أشعر بعدم ارتياح، وأصبحت تساورني الكثير من الشكوك التي بتّ بسببها لا أنام أياما.

زوجي أو خطيبي -ولله الحمد- أخلاقه رفيعة جدا، ودينه وورعه متوسط نوعاً ما، إلا أنه يخشى الله ويتقيه، لا يجيد العربية جيدا إلا سماعا، وبعض الكلام، تخرج من كلية العلوم وتربى في الغرب، مستواه المادي ليس قويا، وأنا رضيت؛ لأنني كنت بحاجة للزواج، وامتثالا لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا جاءكم ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض...) ومراعاة لعمره الصغير، فأنا في العشرين من عمري، وهو في الرابعة والعشرين من عمره.

وتم الاتفاق على أن يتم الزواج بعد سنة وبضعة أشهر من تاريخ عقد القران؛ حتى يستطيع تحمل تكاليف الزواج، إلا أنني بت أشك كثيرا في شحّه وبخله. وهذا أمر يضايقني جدا، وأنا أعلم أنني لا أطيق البخل أو شح زوجي علي مطلقا، ولو حدث أن تزوجنا وبان شحّه وظهر؛ فإنني لن أستطيع أن أصبر وسأطلب الطلاق فورا!، لذلك أنا خائفة، وأفكر أنني لو أقوم بفك عقد القران قبل أن يتم الزواج خير من أن أطلب الطلاق بعد الزواج، وأشعر أنه لا يجوز أن أتخذ قرارا بناء على شكوك لا بينة.

أنا في حيرة من أمري كثيرا، ولكنني أشك في بخله وهذه الصفة لا أطيقها، والمشكلة أيضا أن أهلي يشعرون بأنني أستحق من هو أفضل منه، ويتضايقون أن ابنتهم أخذت من هو دون مستواها العلمي والديني (أنا أدرس الهندسة، وهو تخرج من كلية العلوم) وأن وضعه المادي غير جيد.

لذلك بتّ أشعر أنني ربما قد استعجلت في قراري للزواج ، وأحيانا أشعر أنه مدخل من مداخل الشيطان؛ للتفريق بين المرء وزوجه. وأحيانا كثيرة أخاف أنني قد أشعر بالظلم لنفسي إن تزوجته وأنا أفضل منه، وإلا أنني أخاف أن أظلمه لو فككت عقد القران.

حقيقية أنا في حيرة شديدة من أمري، ولا أعرف من أستشير سواكم، فأشيروا علي -جزاكم الله خيرا- ما هو التصرف الصحيح في حالتي شرعاً، ومن وجهة نظركم؟

أعتذر بشدة على الإطالة، وسامحوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ Eman حفظها الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابنتنا- الحريصة على العفاف والحلال في موقعك، ونشكر الثقة في الموقع، وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يقدر لك الخير وأن يصلح الأحوال، وأن يلهمك السداد والرشاد، ويحقق في طاعته الآمال.

نحن لا نؤيد فكرة الاستعجال بفك الارتباط مع شاب حسن الأخلاق، وعنده الدين والورع؛ لأجل الظن بأنه بخيل، ونذكرك بأن المهم هو الانطباع الأول والارتياح والانشراح بعد الدين والأخلاق، فإذا كنت قد قبلت شخصيته في البداية، ورضيت به عن قناعة؛ فلا تبدلي قناعاتك، واعلمي أن الشيطان لا يريد لنا الزواج ولا الحلال، واعلمي أن الواقعية مطلوبة، والكمال محال، ولن تجد المرأة رجل بلا عيوب، ولن يفوز الرجل بامرأة بلا نقائص، ولا تقفي كثيرا عند رأي أهلك؛ لأنك صاحبة القرار، ولأن التلاقي بالأرواح، وهي جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

وأرجو أن تعلمي أن فكرة اتهام الخطيب بالبخل أو اتهام الخطيبة بالطمع من الأفكار التي تسيطر على كثير من الشباب والفتيات وأسرهم، وربما قال أهل الشاب بلسان الحال أو المقال: حافظ على أموالك. وربما قال أهل الفتاة بلسان الحال أو المقال: لماذا لا يصرف عليك؟ وأين الهدايا؟ نخشى أن يكون بخيلا، وو...، والحقيقة أن الحكم على هذه الأمور ليس سهلا؛ للاعتبارات والمفاهيم التي ذكرناها، ولاختلاف الناس والأسر في عاداتهم وتقاليدهم.

ومن هنا فنحن ننصحك بالتريث، ثم بحشد ما في الشاب من إيجابيات، ثم تأملي ما يظهر لك أنه نقص، وتذكري أنه من البشر -وكلنا كذلك- والنقص يطاردنا، ولكن -طوبى لمن تنغمر سيئاته في بحور حسناته- وكفى المرء نبلا أن تعد معايبه.

أما مسألة الفرق في التخصص العلمي، فالمهم في الرجل ليس الشهادات، ولكن المهم هو التفاعل والشهود الحضاري، والمشاركة المجتمعية والحيوية، والقدرة على تحمل المسؤولية، ولن تغني أرفع الشهادات إذا كان الشاب معاقا اجتماعيا؛ لا يخالط، ولا يشارك، ولا يقدم ولا يؤخر، ومن لا يضيف شيئا كان عالة وزائدا على الدنيا، فتأملي تلك الأبعاد، وتوجهي إلى رب العباد، واهرعي إلى صلاة الاستخارة؛ فإن فيها طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، والطاعة لرب العباد، والزوج الصالح، والنجباء من الأولاد.

سعدنا بتواصلك، ونشرف بمتابعة موضوعك، ونسأل الله أن يقدر لك الخير ويسعدك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً