الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بعدم التركيز والنسيان، ما هذه الحالة؟ وهل لها علاقة بالاكتئاب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في البداية أحب أن أعرفكم باختصار بنفسي: أنا شاب لدي 25 عاما، وأنا مؤمن بالله وقدره، و-الحمد لله- لدي مرض زيادة مناعة، وهو مرض (بهجت) أصبت به منذ حوالي 8 سنوات، وما زلت أتعالج منه؛ لأنه -كما هو معروف لدى حضراتكم- مرض لا علاج له.

مشكلتي باختصار: أني بسبب ظروف شخصية انتقلت مع عائلتي من العيش من محافظة لأخرى داخل مصر، ولم يكن لدي أصدقاء في المحافظة الجديدة، فأصابني نوع من الرهاب الاجتماعي والعزلة، وعدم الخروج من المنزل، وفي بداية الأمر كان بسيطا، ولكن منذ شهرين أصبت بتعب شديد لم أعرف في البداية سببه، وبدأ بانسداد في الأذن من الشمع، وبدأت تصيبني بعض الوساوس بسبب ذلك، فذهبت لطبيب الأذن، وقام بتنظيفها، ثم بعد ذلك وجدت نفسي أدخل في حالة حزن شديدة وعدم مبالاة، وأحيانا عدم توازن، وعند بحثي وجدت أن أعراضي تتمثل في بداية اكتئاب، فذهبت لأحد الأطباء الذين يتابعون معي مرض (بهجت) وهو طبيب أوعية دموية ومخ وأعصاب شهير، فعند دخولي له قال لي بالنص: أنت غير راض عن حياتك، ووصف لي أحد الأدوية الشهيرة لتقليل التوتر والقلق والوساوس الواقع بهما.

الأعراض –باختصار- التي تحدث لي:
1- توتر وقلق شديد.

2- ألم في الجزء الأيسر من الرأس والخلفي (قمت بعمل أشعة مقطعية بناء على أمر الطبيب للتأكد فكانت النتيجة سليمة).

3- وساوس خاصة بالموت والخوف من الجلوس وحيدا.

4- حزن أحيانا، وملل، وزهق بدون سبب محدد أحيانا.

5- عدم التركيز والنسيان بعض الأحيان.

هذه الأعراض كاملة التي كنت أشعر بها، وللأمانة أنا رفضت استخدام العلاج الذي وصفه لي، وقررت أن أعالج نفسي بدون أي أدوية، -والحمد لله- حالتي الآن أفضل، فلا وجود لتوتر ولا قلق تقريبا، والوساوس انتهت -والحمد لله- حتى وجع الرأس أصبح أقل، ويحدث نادرا في حالات التوتر فقط تقريبا، ولكن المشكلة أني أحس بعدم التركيز والنسيان أحيانا، وأني مختلف عما كنت عليه، بمعني أحس أني أرى الأشياء بشكل مختلف عما سبق، وهذه الحالة معي منذ بداية التعب حتى الآن.

في البداية اعتقدت أنها اضطراب الآنية، لكن أعتقد أني أخطأت في الظنِّ بهذا، وأن ما أجده هو نوع من عدم التركيز، فأفيدوني وفقكم الله، ما هذه الحالة؟ وهل هي تابعة للاكتئاب وستذهب مع الوقت؟ وهل يجب أن آخذ العلاج أم أن العلاج السلوكي والاجتماعي يكفي؟ خصوصا أني تحسنت عليهما.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرًا جزيلاً على رسالتك الوافية، وشرحك الواضح لما كنت تعانيه، والحمد لله تعالى وفضله زالت كل الأعراض عنك -كما ذكرتَ- وبعضها أمراض عضوية، وبعضها أعراض للقلق النفسي والاكتئاب -كما ذكرتَ أنتَ- والحمدُ لله معظمها اختفتْ وبقيتْ مُشكلة عدم التركيز والنسيان.

السبب الرئيسي لعدم التركيز هو انشغال الذهن بالتفكير بشيء ما، شيءٌ ما يشغل ذهنك وبالك، ويمكن أن يكون هذا الشيء توترا أو قلقا أو حمل همٍّ أو حُزنٍا أو شيئا من هذا القبيل، ولذلك يمنعك من التركيز في الأشياء الحياتية ومشاكل الحياة اليومية، وعندما لا تُركز فإنك لا تنتبه للأشياء من حولك، وعدم التركيز وعدم الانتباه يُعرِّضان الشخص إلى أنه لا يُسجِّل ما يُمرَّرُ من حوله من أحداث، وهذه إحدى مراحل الذاكرة، فإذا أردت أن تتذكر يجب أن تُسجل المعلومات ثم تختزنها ثم تسترجعها.

إذا كانت هناك صعوبة في تسجيل المعلومات والأشياء من حولك فإذًا هي لا تُختزم في المخ، وإذًا لا يمكن استرجاعها، فالنسيان مربوط بعدم التركيز، وعدم التركيز مربوط بمشاكل الانتباه، ومشاكل الانتباه مربوطة بانشغال الشخص بتفكيرٍ أو ضيقٍ أو كدرٍ أو ضجرٍ أو همٍّ لا يجعله ينتبه لمن حوله، أي ذهنه غير صاف.

لا أدري ما هو مدى المشاكل التي تتعرض لها من عدم التركيز والنسيان، إما في عملك أو في حياتك اليومية، لأن درجة عدم التركيز والنسيان وتأثيرها على حياتك العامة أو الخاصة وعلى أدائك بصورة واضحة هو الذي يُحدد نوع العلاج، فإذا كانت الصعوبات غير شديدة فإني أنصحك باللجوء للعلاج النفسي البسيط.

وهناك أشياء يمكن أن تفعلها بنفسك التي تؤدي إلى الاسترخاء، والاسترخاء يُقلل من التوتر والقلق، وبالتالي يُصفِّي الذهن ويُساعد على التركيز، والاسترخاء إمَّا أن يكون بأشياء بسيطة مثل الرياضة البدنية البسيطة، وأهم أنواع الرياضة التي تؤدي إلى الاسترخاء رياضة المشي، فإذا جعلت لنفسك برنامجًا مُحددًّا بأن تمشي نصف ساعة أو أربعين دقيقة في اليوم فإن ذلك يُساعد كثيرًا على الاسترخاء.

وهناك أشياء أخرى تُساعد على الاسترخاء: الصلاة، خاصة الصلاة في المسجد مع الجماعة باستمرار، صلاة الجماعة تؤدي إلى الاسترخاء وإلى كسر حاجز الرهاب الذي كنت تشكو منه، وقراءة القرآن والذكر، كل هذه الأشياء -إن شاء الله تعالى- تؤدي إلى الاسترخاء.

وأحيانًا يمكن عمل أشياء تؤدي إلى الاسترخاء مباشرة أو ما يُعرف بالاسترخاء العضلي، أو الاسترخاء بالتنفُّس، وهذا أيضًا يُساعد على الاسترخاء وزيادة التركيز.

كل هذه الأشياء إذا لم تؤْتِ أكلها فإني أنصحك باستعمال الأدوية، والأدوية النفسية بعضها لها آثار جانبية، ولكن معظمها الآن ليست لها آثار جانبية، ولا تؤدي إلى الإدمان، ويمكن استعمالها لفترة حتى تزول أعراض قلة التركيز والنسيان، وتعيشُ حياةً هادئةً مستقرةً.

وفَّقك الله وسدَّدك خُطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً