الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب شكلي لم يقبلني أحد في عمل فتأثرت نفسيا.. فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

جزاكم الله خيراً على خدماتكم الطيبة، ورمضان كريم.
القصة بدأت منذ خمس سنوات تقريبا عندما فجأة بدأت أنعزل عن الناس، بسبب سخريتهم من شكلي، مع العلم أنني كنت من قبل بيني وبين نفسي غير راض عن مظهري، ولكن كانت الأمور أفضل بقليل.

نعم أنا قبيح، هذا واقع لا مهرب منه! أنا لا أبالغ، أنا إنسان واقعي جدا وعلمي جدا، أعاني من مشكلة في بشرتي، فهي محفرة ودهنية، وأنفي قبيح يحتاج إلى تجميل، ولدي نمو شعر في وجهي في أماكن غير مرغوب فيها، وحاجباي عريضان أعرض من شاربي، وأيضا لدي مشاكل في أسناني تجعلني أخجل من الابتسامة.

هذه الحالة أيضا أثرت علي على الصعيد المهني، بحيث أن بعض المؤسسات رفضتني بسبب قبح شكلي، وأهمها مؤسسات البيع، والمطاعم، ووظائف الاستقبال في المستشفيات، وأيضا وظيفة مضيف الطيران؛ لأن شكلي غير ملائم. فكما هو معروف أن هذه الوظائف تدخل ضمن الخدمات، وبطبيعة الحال أن المؤسسات هذه تطلب شخصا ذا مظهر لائق؛ لأنه يمثل صورة المؤسسة بشكل أو بآخر، وأساسا فإنه وفق الدراسات النفسية، فإنه كلما كان الشخص أقرب إلى مواصفات الشكل المقبول، كانت حظوظه في خرق المجالات المهنية والاجتماعية والعاطفية أعلى بكثير من غيره.

منذ حوالي السنة قرأت عن الرهاب الاجتماعي، فقررت التوجه إلى الطبيب النفسي الذي شخص الحالة على أنها فعلا رهاب اجتماعي، ووصفها بالحالة المزمنة، ووصف لي يوميا (زولوفت) نصف حبة صباحا، وحبة (لاميكتال)، وحبتي (دينكسيت).

أعترف أن الاكتئاب الذي كان متلازما مع الرهاب قد زال كليا. لكن القلق بقي مستمرا، فوجدت بعد حوالي العام أنه لا نفع من الدواء خصوصا وأني أتكلف ماديا كثيرا، فقررت التوقف عن أخذه، وإلى جانب الدواء وصف لي الطبيب جلسات علاجية، لكن للأمانة أنا لم أجد في هذه العلاجات سوى المسكنات الكلامية. فكان الطبيب يقول: انظر حولك، هناك الأعمى والأبكم، والمقعد، أما أنت فحالك أحسن من غيرك، فكنت أضحك في سري وأقول لنفسي: يقول لي أنني في أحسن حال، لكنه غير واقعي؛ لأن العلم الذي درسه يقول: إن هناك علاقة بين الشكل والثقة بالنفس والحظوظ الأوسع في الحياة، لا، بل إنه في إحدى المرات نصحني بتهذيب حاجبي.

لم أكن دائما أتقبل معظم أفكاره، خصوصا وأنه حسب ما قال لي أني من أصحاب الشخصية المثالية الطامحين دائما إلى الكمال، مع العلم أننا لم نكن نجري أي تمارين معينة، بل فقط كانت جلسات كلامية.

أنا اليوم بلا عمل، بلا صداقات ولا علاقات، خصوصا أن أعز أصدقائي وأقاربي وحتى أهلي هم أكثر من سخر مني.

لا أريد نصائح حالمة وأفلاطونية كما تلك التي كان يعطيني إياها الطبيب، فأنا بطبيعتي رافض لما هو غير واقعي، خصوصا وأن لا أحدًا يشعر مع صاحب الألم إلا نفسه (عفوا على هذه الجملة لكنها ناتجة عن وجع).

لا إمكانية للعلاجات التجميلية، فالمال لو كان موجودا لكنت قد سددت الأموال المترتبة علي لدى الجامعة.

أنا درست الإعلام، والمؤسسات الإعلامية تابعة لأحزاب سياسية، وبالتالي العمل فيها يحتاج إلى ما يعرف (بالواسطة)، كما أن الجزء الآخر منها يطلب مراسلين ومذيعين ذوي مظهر لائق، خصوصا وأننا في عصر الصورة، وبالتالي الأمور صعبة جدا. فما هو تعليقكم؟

وشكرا مسبقا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هلال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابننا الكريم- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويصلح الأحوال، وأن يجملنا جميعا بطيب الأخلاق والأقوال والأفعال، وأن يحقق لنا ولكم في طاعته الآمال.

الله سبحانه لا ينظر إلى صورنا، ولا إلى أجسادنا، ولا إلى أموالنا، ولكنه سبحانه ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، والأشكال والصور ليست من كسب الإنسان، ولا يؤجر عليها، لكن طهارة القلوب وجمال الأخلاق والأعمال من كسب الإنسان، وبها يحصل التمايز، وعلى أساسها يفترق الناس، فريق في الجنة، وفريق في السعير.

وأبو لهب عم النبي –صلى الله عليه وسلم- لم تنفعه وضاءة الوجه ولا كثرة المال عندما كفر بالكبير المتعال، وقد أحسن من قال:
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ** ووضع الشرك الشريف أبا لهب

وصدق من قال: جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس.

وهذا نصح لنا ولك بما ينفع حقا، وندعوك إلى معرفة نعم الله عليك، فإن الله سبحانه إذا أخذ شيئا عوض بأشياء، والسعيد هو الذي يعرف مقدار نعم الله عليه ليؤدي شكرها، فاعرف نقاط القوة عندك، واعلم أن سخرية الناس لا تنتهي، ولم يسلم منهم الأنبياء، والعاقل يجعل همه إرضاء الله، وقد نال جليبيب القرب من النبي –صلى الله عليه وسلم- والحب، والسير إلى الله يقطع بالقلوب، وليس بالمظاهر والأقدام.

وأنت -ولله الحمد- رجل، والرجل بأخلاقه وأدبه وفعاله، وإن رفضوك في وظائف بمقاييس البشر، فسوف يقبلونك في وظائف تحتاج للعقل والوعي والنضج، وأنت تعلم أن الإعلام عمل مؤسسي يقوم على أكتاف أخفياء، ويتولى الإخراج والظهور آخرون.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ومراقبته لتنال القبول عند الله، وعندها سيلقى لك القبول في الأرض، قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} وعليك باللجوء إلى الله، وعليك بالتسلح بالصبر، فإن العاقبة لأهله، ولا تهتم أو تغتم للشامتين؛ فإن الله سوف يبتليهم، فأشغل نفسك بما خلقت له، وارض بما قسم الله لك؛ تكن أسعد الناس.

سعدنا بتواصلك، ونفرح بالاستمرار، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والاستقرار.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية asma

    السلام عليكم جزاكم الله خيرا ع ما قل من الكلام ودل . والله انه خير توجيه. لكن اخي الفاضل اذا تكرمت وسمعت نصحي اضافه الى ما اشار اليه الاخوةالفضلاء ، فانا احب ان اضيف انه بامكانك استعمال تجميلات رخيصه غير مغيره لخلق الله مثل كريمات او صابون رخيص ومفيد لعلاج البشرة او خلطات شعبيه معقوله ومضمونه . وان تهتم بأشياء اخرى رأيتها في استشارتك وهي إقناع الناس بافكارك وكلاماتك المنظمه ما شاءالله. فمنطقك رائع واسلوبك يبدو ممتازا . والله اننا في زمن تعبنا من جمال الوجوه وقبح الافعال . فاستعن بالله وابدأ حياة خاليه من الهموم متكالا على الله وحده ثن ما امدك به من النعم.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً