الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أدري لماذا أفتعل المشكلات مع زوجي بالرغم من حبي الشديد له.

السؤال

السلام عليكم..

أسأل الله تعالى أن يبارك في القائمين على هذا الموقع وأن يجزيهم عنا خير الجزاء.

أنا معلمة، أبلغ من العمر ٣٦ عاماً، تزوجت في سن مبكرة وعمري ١٥ عاماً، وأنجبت -بحمد الله- ستة أبناء، وبعد عشر سنوات تقريباً من الزواج طلبت الانفصال خلعاً بسبب القسوة والإهانات اليومية التي لم أستطع تحملها أكثر، وبقيت دون زواج لسبع أو ثمان سنوات خوفاً من زواج آخر فاشل، أو زوج سليط آخر.

ثم وفقني الله قبل سنتين تقريباً بالزواج من رجل وجدت فيه كل ما تمنيته من خلق وشهامة وعطف، وأحببته لدرجة كبيرة، ولا أبالغ إن قلت بأني أحبه أكثر من حبي لأبنائي، إلا أني بعد مرور ستة أشهر تقريباً من زواجي منه أصبحت عصبية جدا،ً وأفتعل المشكلات معه دون سبب، وبلغ بي الأمر لدرجة التلفظ عليه بألفاظ جارحة تصل لحد الإهانة له ولرجولته، وأحياناً أرميه بما تقع يدي عليه، وبمجرد خروجه من المنزل للابتعاد عن المشكلة أندم على ما فعلت أشد الندم.

ثم أبدأ بالبكاء بشدة وكأنما توفي لي شخص عزيز، أبكي ندماً وألماً على ما بدر مني نحوه، ويصل بي الأمر إلى التفكير بالانتحار، ودائما ما أطلب منه الطلاق، مع علمي بأني لن أستطيع العيش ليوم واحد بدونه، فأنا أفتقده وأشتاق إليه لمجرد ذهابه للعمل، وأفرح أشد الفرح بحضوره، وكأنما عاد من سفر طويل، وبالرغم من كل ما يعانيه زوجي مني ومن سلوكياتي وغضبي غير المبرر، إلا أنه مازال صبوراً وحليماً، وما زال يعطيني الفرصة تلو الأخرى لتعديل سلوكي، وأحياناً يهجرني لفترة بسيطة، وأعلم أنه يحبني بشدة، لكني أخاف أن يأتي اليوم الذي ينفذ فيه صبره ويتركني دون رجعة.

كما أني أعاني من اضطرابات في الشهية، فلا أستطيع الأكل ليومين أو ثلاثة، وكذلك اضطرابات في النوم، فأحياناً أصاب بالأرق ولا أنام لعدة أيام، وحتى أسابيع، وأحياناً أخرى أنام لساعات طويلة قد تصل ليوم كامل.

كذلك أعاني من قلة الحركة والنشاط، وفي الآونة الأخيرة بدأت بقضم أظافري لا شعورياً، وغالباً ما أفكر بالانتحار، ومن أول يوم في زواجي أي قبل ظهور هذه الحالة كانت تؤرقني بشكل يومي فكرة الفشل في الزواج.

أرجو منكم تشخيص حالتي، هل أنا بحاجة للرقية الشرعية، أم أني مصابة بمرض نفسي يستلزم مراجعة الطبيب النفسي؟

مع العلم بأني لا أعارض مطلقاً فكرة الذهاب للطبيب النفسي إلا أني أخاف أن يكون اعتمادي بشكل كلي على الأدوية النفسية، وأن لا أتمكن من ممارسة حياتي بشكل طبيعي دون هذه الأدوية.

فرج الله عنكم وأثابكم خير الثواب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابنتنا المعلمة المتميزة- في موقعك، ونشكر لك العرض الواضح للمشكلة، ونسأل الله أن يصلح لك البال والأحوال، وأن يحقق لنا ولك الاستقرار والآمال.

أما الطبيب النفسي فلن يسارع بك إلى الأدوية، وإن فعل فهو الخبير في تخصصه، وسوف يضع لك العلاج الآمن.

ونذكرك بأنك طبيب نفسك، فكوني مع الله، واشغلي نفسك بذكره وشكره وحسن عبادته، واستعيني به وتوكلي عليه، وثقي بأن الأمر إليه، والتوفيق بيده، وهو من يقول للشيء كن فيكون، وهو على كل شيء قدير.

ونؤكد لك أن أمرك هين -بحول الله وقوته-، وأن ما بين السطور يدل على أنك تمتلكين عناصر القوة، والتي من أهمها: الاستعداد للتوجيه، والرغبة في التصحيح، والمعرفة بمواطن الخلل، والتقدير الكبير لحلم الزوج وصبره، ونتمنى أن يسمع هذا الثناء والمدح، وأن يفاجأ به مكتوبا فوق الوسادة وتحتها وفي مدخل حجرته ومخرجها، والذوق صناعة نسائية، وأنت معلمة للأجيال، وأرجو أن أفيد بأن المؤشرات تدل على أنك بحاجة للرقية الشرعية، والرقية دعاء، وليس في الناس من هو أحرص منك عليك، فابدئي بقراءة سورة البقرة، والمعوذات، وحافظي على أذكار الصباح والمساء، واعلمي أن في القرآن والأذكار برنامجاً للحماية والوقاية، وبرنامجاً للعلاج وبلوغ العافية، ولا مانع من أن تذهبي لراقية أو لراق شرعي؛ شريطة أن يكونوا ممن يقيموا الرقية قواعدها الشرعية، وتجنبي الخلوة إذا ذهبت لراق رجل، وثقي دائما بأن الشفاء من الله وحده سبحانه.

وننبه إلى أن التوبة النصوح، وكثرة الاستغفار، والمواظبة على الأذكار تهيئ النفس للعلاج، وتوصل بحول الله إلى العافية، لأنها توفر ما سماه ابن القيم "الاستعداد في المحل"، وما عند الله من توفيق لا ينال إلا بطاعته.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، وأكثري من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، واستحضري معناها، واعلمي أنها ذكر واستعانة، وكنز من كنوز العرش، وعليك بالاستغفار، وبكثرة الصلاة والسلام على رسولنا الإمام المختار، ليذهب الله عنك همك، ويغفر لك ذنبك.

وهنيئا لنا ولك بشهر الصوم والبركات، واعلمي أن للصائم دعوة لا ترد حين يفطر، وفي رمضان ليلة خير من ألف شهر، وعند السحر يقول العظيم (هل من داع فأستجيب له، وهل من مستغفر فأغفر له) فتعرضي للنفحات، وتوجهي إلى من بيده الخيرات، وتواصلي مع موقعك، ونسأل الله أن يهب لك العافية، وأن يرفعنا جميعا عنده درجات.
________________________________________________
انتهت إجابة الشيخ/ أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
________________________________________________

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وتقبَّل الله طاعاتكم.

أرجو أن تأخذي ما ذكره الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي بكل جدية، وأن تأخذيه بكل ما ذكر بحذافيره، وأسأل الله أن ينفعك به.

من الناحية النفسية -أيتها الفاضلة الكريمة-: تبدُّل السلوك بالصورة التي ذكرتها لابد أنه ناتج من علَّةٍ نفسية، فأنت على توافق تام مع زوجك الكريم، وحُبك له ليس هنالك حوله أي من الشكوك، فظهور التصرفات السلبية والسلبية جدًّا التي ذكرتها –وهي بحق أمرٌ يجب أن يؤخذ مأخذ الجد– من وجهة نظري: هذا التصرف ناتج من اكتئاب نفسي في أغلب الظن، والاكتئاب النفسي قد يأخذ المسارات السلوكية في بعض الأحيان، وليس من الضروري أن تكون هنالك سوداوية وكدرٍ شديدٍ في المزاج.

التصرف الذي يؤدي إلى إيذاء الذات أو إيذاء الآخرين بالكيفية التي ذكرتها عرضٌ من أعراض الاكتئاب النفسي، وقد شاهدنا حالات مماثلة، وقد تمَّ علاجها وشُفيتْ تمامًا بإذن الله تعالى.

لديك مؤشرات بيولوجية واضحة جدًّا للاكتئاب، وهي اضطراب الشهية، وكذلك اضطراب النوم، وهذه لا شك أنها سمات الاكتئاب النفسي، كما أن الشعور الشديد بالندم بعد المسلك الخاطئ أيضًا هو علامة من علامات الاكتئاب النفسي، ولكنه في ذات الوقت يدلُّ على نفسك التي تحمل الخيرية والإيجابية -إن شاء الله تعالى-.

إذًا –أيتها الفاضلة الكريمة–: أنت مطالبة بأن تذهبي إلى الطبيب النفسي، اذهبي إليه فورًا، وأنا متأكد أنه سوف يضع لك خُطة علاجية متكاملة، ولا ترفضي أبدًا الأدوية النفسية، فالأدوية النفسية لها ضوابطها ولها منافعها، والالتزام بها وتناولها بالجرعة الصحيحة وللمدة المطلوبة له مآلات إيجابية عظيمة جدا.

الاكتئاب معظمه بيولوجي، أي أنه مرتبط بكيمياء الدماغ، وكيمياء الدماغ لا تُغيَّر قطعًا إلا من خلال تناول الدواء، وبين أيدينا مجموعة –كما أوضحت لك الآن- أدوية متميزة جدًّا، ومن وجهة نظري أنت لا تحتاجين إلا لدواء واحد وبجرعة متوسطة. هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: سوف يقوم الطبيب أيضًا بإجراء بعض الفحوصات المطلوبة، وهذه الفحوصات قد تشمل تخطيط الدماغ، لأن في بعض الأحيان اضطراب جزء من المخ -يُسمى بالفص الصدغي- إذا كان هنالك في التنظيم الكهربائي لهذه الجزئية من الدماغ قد ينتج أيضًا المسلك والسلوك الذي يصدر من شخصك الكريم، وهذا أيضًا يمكن علاجه بسهولة شديدة.

فأرجو أن تُقدمي نفسك للطبيب، وإن شاء الله تعالى سيزول ما بك، وترجع الأمور إلى طبيعتها ما بينك وبين زوجك الكريم.

ولا تتحدثي عن الانتحار؛ فهو تفكير قبيح، ولا يُناسب شخصا مثلك لديه الكثير من الجماليات في الحياة، وأنت من المسلمين أولاً، ومن المؤمنين ثانيًا، والإسلام والإيمان لا يدعوان إلى الانتحار، والمنتحر مآله الآلام الأبدية خالدًا مخلدًا فيه، فابتعدي عن هذا التفكير، وعليك بذكر الله فإن بذكر الله تطمئن القلوب.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً