الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شكلي سلب ثقتي في نفسي وملأني هما وحزنا!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عمري 19 عاما، قبل سبعة أشهر ربي ابتلاني بعدم الرضا والقناعة في جزء من شكلي، فأصبت باكتئاب شديد ونزل وزني من 42 إلى 38 كيلو، والجميع لاحظ، وشعري تساقط كثيرا، وحياتي تغيرت من السعادة وراحة البال إلى تعاسة، فلم أعد أشعر بلذة الأشياء مثل قبل، فأنا أصحو على بكاء وهم وحزن، وكنت أبكي عند أمي كثيرا وكانت لا تعلم ما السبب، وكنت أخبرها بأسباب غير صحيحة، أصبح عقلي لا يفكر إلا بهذا الموضوع لمدة سبعة أشهر، تأتي لي لحظات كنت أضرب هذا الجزء الذي أكرهه في، وأحيانا أود لو أضربه بالجدار فهذا إحساس داخلي غريب.

تعلقت بربي كثيرا وأصبحت أصلي الوتر والضحى بجانب الصلوات الأخرى، وأقرأ البقرة كل يوم وأستمع لمقاطع عن الرضا والقناعة وتطوير الثقة، فخفت حالة البكاء وارتحت قليلا، وأصبحت بعد كل فترة طويلة أبكي من شدة التعاسة التي أحس بها؛ والسبب الرئيسي في فقدان ثقتي هو استهزاء إخواني بي من باب المزح، وأحيانا يعترفون لي ببجاحة فيقولون: أنت جميلة ولكن هذا الجزء فيك قبيح.

إخواني غير كاملين أيضا ولكنهم أولاد ولا يهمهم المظهر، أما أنا بنت فأصبحت حساسة بهذا الموضوع، بالرغم أنه وأنا صغيرة كانوا يستهزئون بي لكن لم تهتز في شعرة، فكنت أرى نفسي أجمل الفتيات، ولكن الآن عندما تخرجت من الثانوي وجلست في البيت ثقتي نقصت، فأصبحت لا أحب الخروج للناس، وعندما أتكلم مع أحد من أهلي لا أستطيع النظر بعينه وأنزل رأسي قليلا، لا أحب نظراتهم.

الآن زاد همي هم آخر عندما تذكرت أني سوف أتزوج في المستقبل وأرزق بأطفال، فأنا خائفة أن يأخذوا هذه الصفة مني، لأن ابنة عمتي لديها هذه الصفة وأنجبت بنتا وأخذت هذه الصفة، فأنا خائفة من كلام إخواني وأهلي، لأنهم يهتمون في الجمال كثيرا، فعندما رزق أخي بفتاة أصبحوا يقولون له: نتمنى أن ابنتك لا تملك هذه الصفة. مع أني جميلة، كانوا إخوتي يقولون لأمي: نريد أن نتزوج بفتاة مثل أختي بيضاء وجميلة. ولكنهم يستهزئون بي أحيانا، صرت أخاف مقابلتهم حتى لا يستهزئوا بي.

في الأيام الأخيرة اقتنعت بما لدي، فأنا أشاهد نفسي في المرآة وتدمع عيني، وأقول: لماذا كنت أبالغ في كرهي لشكلي؟ فأنا -والحمد لله- جميلة، والناس كلما رأتني تمدحني لنعومتي الشديدة، لكني خائفة أن أرزق بأطفال لديهم هذه الصفة، أصبحت أتمنى أن أموت قبل أن يحدث هذا الأمر، مع أني كنت أعشق الأطفال لكن الآن أكره رؤيتهم، وأصبحت أكره رؤية صوري وأنا صغيرة، مع أن الصفة لم تكن واضحة علي وأنا صغيرة.

وأمس أصابتني كآبة من التفكير، فصليت العشاء وأجهشت بالبكاء، وطلبت ربي أن يرزقني رضا وقناعة، واستيقظت الصباح فأحسست بهم كبير لا زال على قلبي، نعم هذه حالتي منذ سبعة أشهر، فأنا أرتاح ساعات قليلة من التفكير والهم، وأرجع إلى همي مرة أخرى، فانقطع أملي بأن أرجع واثقة بنفسي تماما مثل السابق، وبدون التفكير في المستقبل والأطفال.

كنت أريد أن أذهب إلى طبيب نفسي، ولكني لا أستطيع أن أخبر أهلي فهم تقريبا يخجلون من هذا الشيء، هل تعتقدون أن الأدوية النفسية مثل السيبرالكس يمكن أن ترد لي راحتي والشعور بالسعادة والثقة مثل قبل؟

آسفة فكلامي مضطرب مثل مشاعري لكن أنقذوني وادعوا لي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكر لك الثقة في إسلام ويب.

قمتُ بالاطلاع على رسالتك ودراستها، وبالفعل معاناتك استمرت لفترة ليست بالهينة، أن يعيش الإنسان سبعة أشهر في شيءٍ من الكدر والضجر وعدم الارتياح وافتقاد المشاعر الإيجابية – خاصة في مثل عمرك – هذا أمرٌ يستحق أن نسعى جميعًا لمساعدتك من أجل التخلص منه.

أنا أعتقد أن لديك مزاجاً اكتئابياً فرض نفسه عليك، فتحسُّسك حول شكلك والأمور الأخرى هو نوع من المثيرات التي جعلت الاكتئاب يُطبق عليك، وافتقادك لوزنك كمؤشر بيولوجي مهم يؤكد وجود الاكتئاب النفسي، والاكتئاب النفسي في مثل عمرك هذا يأخذ هذا الطابع، وهو حالة -إن شاء الله تعالى- عابرة، مهما طال يمكن أن يُعالج.

أنا أرى أن تعيدي وجهة نظرك حول أفكار السلبية، نعم أنا أتعاطف معك جدًّا، وأُقدِّر أن هذه الأفكار متسلطة عليك، هذه الأفكار تهجم عليك، وتجعلك حسَّاسة جدًّا حتى حول الأمور البسيطة، ممَّا يتم تضخيمها وتجسيمها، وهذا يؤدي إلى وجدان سلبي.

أريدك أن تصدِّي هذا الفكر السلبي، أنت - الحمد لله تعالى – صغيرة في السن، على أعتاب سن الشباب، لديك الطاقات، أمامك فرصة عظيمة جدًّا لتطوير ذاتك، وأن تكوني شخصًا نافعًا وفاعلاً، نافعًا لنفسه ولغيره. وبناء الفكر الإيجابي هو أفضل وسيلة للتخلص من الإحباط الاكتئابي.

الأمر ليس بالصعب أبدًا، عيشي حاضرك الآن بقوة، لا تهمِّي حول المستقبل، فهو -بإذن الله تعالى- كله خير والحاضر أيضًا كله خير، لكن يجب أن تأخذي بالسببية، وأن تُفعّلي الحاضر، وأن تُحسني إدارة الوقت، وتكون لديك برامج: ما هو مستقبلك على المدى البعيد، وعلى المدى المتوسط، وعلى المدى القصير؟ يجب أن تكون لديك برامج تطورين من خلالها نفسك: التعليم، التحصيل، الاهتمام بأمر الدين، حفظ شيء من القرآن، بر الوالدين، التواصل مع الصديقات، خاصة الصالحات من البنات. أن تكون هنالك برامج على هذا النمط، وأعتقد أنك تستطيعين أن تعيدي صياغة نفسك السلبية هذه وتجعليها إيجابية جدًّا.

لا تكوني حسَّاسة حول موضوع الأطفال، وأن توسوسي وأن تتسلطي على نفسك بهذه الطريقة التشريحية الدقيقة جدًّا، خذي الأمور بشيءٍ من السلاسة، بشيءٍ من الطبيعية، ولا توسوسي أبدًا.

هذا هو الذي أود أن أنصحك به، وبالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أعتقد أن عقار (سبرالكس Cipralex) والذي يعرف علميًا باسم (استالوبرام Escitalopram) سوف يُساعدك كثيرًا، وأنت تحتاجين له بجرعة صغيرة، نصف حبة (خمسة مليجرام) تتناوليها يوميًا لمدة أسبوعين، ثم اجعليها عشرة مليجرام يوميًا بعد الأكل لمدة ثلاثة أشهر، ثم خمسةَ مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسةَ مليجرام يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناوله.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وكل عامٍ وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً