الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أقتنع بخطيبي فهل أنهي الخطبة وأنتظر الأفضل منه، أم أستمر معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طبيبة في الثامنة والعشرين من عمري، لم يتقدم لي الكثير من الشباب للزواج، بل واحد أو اثنان فقط، مما جعل أهلي يتمسكون بالشاب الذي تقدم لي مؤخراً، ويرون أنه المناسب لي، وقبلت بالخطوبة منه تأثراً بآرائهم دون اقتناع تام مني، لأنني لم أشعر تجاهه بأي مشاعر إيجابية، وحتى الآن لم أشعر بوجود رجل جديد في حياتي، أرى دائماً أنه قليل الكلام، ولا يحسن التصرف في الأمور، ولا يوجد حوار مشترك بيننا، وأرى أيضا أنه أقل مني في الثقافة والوظيفة.

لا أشتاق لرؤيته، ولا أهتم بمكالماته، بل دائماً أتصيد له الأخطاء، وأحرص على عدم رؤيته كثيراً، ومن ناحية أخرى، أرى دائماً تمسكه وحبه لي، وطيبته وتقبله لظروف عملي كطبيبة، تلك الظروف التي لا يرضى بها الكثير، فأنا الآن في حيرة من أمرى، فهذه لم تكن الفرحة التي طالما انتظرتها، ولم تكن تلك مواصفات الرجل التي حلمت بها، فهل أستمر معه بمقاييس العقل، والورقة والقلم التي تقول بأنه سيكون الزوج المثالي المريح والمطيع, أم أنهي الخطبة وأنتظر الأفضل منه في هذه السن، وتلك الظروف؟

أفيدوني، جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هناء حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يمُنَّ عليك بزوجٍ صالحٍ، طيبٍ مباركٍ يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة-، فاسمحي لي أن أقول لك: إنه ينبغي علينا أن ننظر في واقعنا قبل أن ننظر في قراراتنا، لأن الواقع (أحيانًا) يفرض نفسه على الإنسان، فأختٌ في الثامنة والعشرين من عمرها معنى ذلك أن نصف عمرها تقريبًا يكاد يكون قد انتهى، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وقليل منهم من يُجاوزُ ذلك)، واسمحي لي، إذا لم تتزوجي الآن فمتى تتزوجين؟ خاصة وأن هذا الأخ الكريم الذي تقدَّم إليك -كما ذكرت- أنه بمقاييس العقل والورقة والقلم تقول، أنه سيُصبح زوجًا مثاليًا ومُريحًا ومُطيعًا.

فأنا أرى ألا تُضيعي هذه الفرصة، وأن تستعيني بالله تعالى، وذلك خير من شخصٍ متمرد متعالٍ متكبرٍ مغرور، لا يتعامل معك إلا بالأنفة والعلو والارتفاع حتى وإن كنت أستاذة جامعة، وأنا أرى أن هذا قد يكون أوفق لظروفك وأنسب لحالك، من حيث السن ومن حيث الوظيفة -كما ذكرت- فإن بعض الناس يقبلون ظروف عمل الطبيبة، باعتبار أنها قد يكون عندها نوبات عمل ليلي وتحتكّ بالرجال وغير ذلك، فأنا أرى أن هذا خيرٌ ساقه الله -تبارك وتعالى- إليك.

كونك لا تشعرين بوجود رجلٍ جديد في حياتك، أقول لك: لأنه لم يأتيك من باب العاطفة، ولذلك أنا أرى أن قضية الحب ليست هي المحور الأساسي في الحياة الزوجية، بقدر ما هي قضية التفاهم والحوار والقدرة على استيعاب الآخر، فما دام الرجل يتمسَّك بك ويُحبك وطيب ويقبل ظروف عملك، أرى أن تتوكلي على الله، وألا تُضيعي هذه الفرصة، وأرى أنها حقيقة في صالحك من جميع النواحي.

كونه إنسانٌ طيبٌ ومُطيع ومُريح، أرى أنها فرصة في هذا الزمان حقيقة، خاصة في مثل ظروفك وسِنَّك، والحب سيأتي من خلال المعاشرة والمحاورة. ألا ترين القطة التي يُربيِّها الناس في بيوتهم، أول ما تأتي تكون نافرة منهم وهم ينفرون منها، ولكن مع الأيام تُصبح جُزءًا من الأسرة، بل أحيانًا ينزعجون عندما لا يرونها، وعندما ترى أحدًا من أهل البيت تتمسَّح به، وكأنها تُشبع لديها الرغبة في الاحتكاك بجسده.

فأنا أقول بارك الله فيك: الحب والتفاهم والعواطف والمشاعر سوف تأتي -بإذن الله تعالى- بعد الزواج، وأحب أن أقول لك -وأنت طبيبة مثقفة وواعية- أن آخر دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، أثبتت أن ثمانين بالمائة من حالات الحب قبل الزواج يكون نهايتها الطلاق، فاحمدي الله تعالى على أن الأمر عادي، والحب سيأتي من خلال المعاشرة الحسنة، خاصة وأنه يتمتَّع بصفات مريحة بالنسبة لك بناء على شهادةً منك، وقلبك سوف يستوعبه، لأن القلب حقيقة -كما ورد في كلام الشاعر- أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ، ما دام هناك إحسان ورحمة، وهناك شفقة ومراعاة لظروفك، أرى أنك سوف تُحبينه -بإذن الله تعالى-، لأنه لن يكون مُزعجًا بالنسبة لك، بل سيكون هديةً أهداها الله -تبارك وتعالى- إليك.

فأنا أرى أن تتوكلي على الله ولا تردِّينه، وأن تُتمِّي مراسم الزواج على خير، وعجِّلي بذلك بارك الله فيك، وسوف تكونين من أسعد الزوجات، ومن أهنأ الأمَّهات في المستقبل -بإذنِ الله تعالى-.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً