الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسواس القهري جعلني أشك في العبادات وأمور أخرى، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة وبركاته

أريد نصيحتكم بخصوص حالتي وهي الوسواس القهري، فأنا أعاني منه منذ أكثر من 6 سنوات، وأكثر ما أوسوس به العبادة، فأنا أكرر الوضوء عدة مرات، وإذا نويت أن أتوضأ أشعر بأنني لم أغسل عضو معين، أو لم يأت عليه الماء، حتى لو رأيت الماء بعيني، لا أعرف يوجد شعور بداخلي يجعلني أكرر، فأصبحت أصور نفسي أثناء الوضوء وأيضا لم أشعر بالراحة، وأشك أنني ربما أخرجت ريح فأكرر، وكذلك الصلاة أكررها كثيراً، وأشعر بأن صلاتي ناقصة، أو لم أقرأ الفاتحة، أو لم أكبر فأعيد، وعند كل الصلاة أشعر بالقلق، وينشغل عقلي بالتفكير كيف سأتوضأ؟ وكيف سأصلي؟ وأدعو الله أن أتوضأ وأصلي مرة واحدة.

ولا أخرج من المنزل إلا بعد أن أصلي العشاء حتى لو كنت على وضوء؛ لأن الشك يراودني فربما فسد وضوئي، والصلاة إن صليتها خارج المنزل أرجع وأعيدها في المنزل، وأشك في الطهارة ربما لم أنويها، وهكذا حالي دائما، مع أنني قرأت عن هذا الموضوع وحاولت مع نفسي وجاهدت كي أتخلص منه، ولكن ربما تغيرت تغيراً طفيفا لبضعة أيام، ولكن لا فائدة، وكذلك عند قراءة الأذكار أو القرآن يراودني شعور بأني لم أقرأ كلمة معينة فأكرر وأعيدها، هذا هو حالي مع العبادات.

وأيضا لدي وساوس في أمور أخرى، ولكنني أعتبرها خفيفة بالنسبة للعبادات، فمثلا كل ليلة أطمئن على أطفالي وهم نائمون، وقبل الخروج أرجع واطمئن عليهم وأفحص حرارتهم، وأكرر هذا الشيء كثيراً حيث أقضي في بعض الأيام نصف ساعة وأنا أدخل عليهم وأخرج.

أرجو منكم النصح؛ فأنا أعاني جداً ولدي عائلة، وأقضي أكثر من نصف وقتي بالوساوس.

قرأت في بعض استشاراتكم عن دواء الفافرين بأنه جيد للوسواس، فهل هو مفيد لحالتي؟ وإن كان مفيد ما هي الجرعات المناسبة؟ وأيضا هل عند التوقف عن استعماله سيعود إلي الوسواس؟

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك أنك تعانين من وساوس قهرية، لديك وساوس في الأفكار، وكذلك وساوس الأفعال، وساوسك تتمركز حول الشك في العبادة، وكذلك لديك ما نسميه بوساوس التأكد أو التدقيق.

أيتها الفاضلة الكريمة لا شك أن الوساوس القهرية تمثل عبئاً نفسياً كبيراً على الإنسان، ولذا ندعو الناس لعلاجها، والعلاج -الحمد لله- متوفر، والآن متوفر في كل مكان تقريباً، حين نقول العلاج لا نعني العلاج الدوائي وحده، العلاج الدوائي يساوي كثيراً لكن لا بد أن يكون هنالك رفض للوساوس، ولا بد أن يكون هنالك التحقير لها، وعدم الانقياد لها ومقاومتها.

وبالنسبة لوساوس العبادات -أيتها الفاضلة الكريمة- وساوس الوضوء على وجه الخصوص تعالج من خلال تحديد كمية الماء، ولا تتوضئي أبداً من ماء الحنفية أو الصنبور، بل ضعي ماء في أبريق أو في إناء، وأن تكون كمية الماء قليلة، واعلمي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو قدوتنا في الأمور كلها، وقد نهى من الإسراف في الماء، حتى وإن كان أحدنا على باب نهر جارٍ، حددي كمية الماء، ثم بعد ذلك ابدئي في التأكيد على ذاتك، أي أن بعد أن تسمي وتنوي الوضوء اغسلي يديك قولي لنفسك الآن غسلت يدي، ثم المضمضة والاستنشاق وهكذا، أكدي على نفسك الفعل في كل وقت، بشرط أن لا يتعدى وقت الوضوء ثلاث دقائق، أي أن تكوني صارمة جداً مع نفسك في تحديد الوقت وكمية الماء، والتأكيد على الذات وهكذا، هذه وسيلة طيبة وممتازة من يطبقها لمدة ثلاث إلى أربعة أيام يجد أنه قد تخلص تماماً من موضوع الشك في الوضوء.

ويا أختي الفاضلة لا تكرري ولا تعيدي، وهنالك من العلماء من رأى أن السجود للسهو بالنسبة للمتشكك فيه الكثير من السعة والرحمة -إن شاء الله تعالى- فابني على اليقين، بعض الناس أنصحهم بأن يقوموا بتصوير أنفسهم بالفيديو مثلاً أو كاميرا التليفون حين يصلي خاصة بالنسبة للنساء، أما الرجال فيجب أن يذهبوا ويصلوا مع الجماعة هذه الطريقة أيضاً وجدناها ممتازة جداً، فإن كنت تريدين أن تجربي وتصوري نفسك وأن تصلي ثم بعد ذلك تقومين بمراجعة صلاتك من خلال التمعن والتفحص فيما قمت بتصويره سوف تجدين أن صلاتك صحيحة جداً، وهذا يمثل دفعاً نفسياً إيجابياً.

وبالنسبة لموضوع التأكد حول الأولاد والاطمئنان عليهم أثناء نومهم هذا -أيتها الفاضلة الكريمة- يتم التخلص منه عن طريق الدعاء، ادع لأولادك بالخير، وأن يحفظهم الله، وأن ينجيهم من كل مكروه، وعاهدي نفسك أن لا تقومي بعد ذلك بتفحصهم وهم نيام، نقطة أيضاً مهمة جداً وهي أن تصرفي انتباهك عن الوساوس صرفاً تاماً، وذلك من خلال أن تركزي على أعمال المنزل وترتيبه، والاهتمام بالزوج وبالأولاد، وأن تكثري من القراءة والاطلاع، وأن تصلي رحمك هذا فيه خيراً كثير وكثيراً بالنسبة لك.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي فهو مهم وضروري ومفيد، والفافرين دواء رائع جداً ابدائي بجرعة 50 مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة 10 أيام، ثم تجعليها 100 مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم تجعليها 200 مليجرام ليلاً، وهذه تستمري عليها لمدة 4 أشهر، ثم خفضيها لمدة 100 مليجرام ليلاً لمدة 3 أشهر، ثم 50 مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم 50 مليجرام يوم بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقفين عن تناول الدواء، هذا أحد الترتيبات البسيطة جداً لتلقي هذا العلاج وهو مفيد جداً -إن شاء الله تعالى-.

بارك الله فيك وجزاك الله خير، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً