الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتألم لكثرة التبرج في الأمة، وأدعو الله أن يعصمني الفتن

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والله إنني أحبكم في الله، وأسأل الله جل جلاله أن يجعل كل هذا العمل في ميزان حسناتكم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

لا يخفى عليكم هذا الزمان وفتنه، ومع مرور الوقت أزداد حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أوصانا في حديثه عن فتنة النساء وخطرها على الرجال.

أحاول غض بصري قدر المستطاع، فبلدنا كثير التبرج، والعياذ بالله، ولا أخفي عليكم أنني لا أكون مرتاحا إلا بإبقاء عيناي في الأرض، فحتى تلك النظرة الأولى أتألم فيها شديد الألم، فإما أتحسر على حال تلك المرأة، وأود لو أنصحها وأبين لها الحق، ويصل بي الحال في مرات عدة إلى البكاء الشديد.

أو إذا أغوتني نفسي والشيطان، وأطلت النظر تحت ذريعة أن أرى أين وصل المنكر؛ يصيبني اكتئاب شديد، وحسرة، وأتألم مرة أخرى على حال هذه الأمة، رجالا ونساء، وأود أن أصرخ بأعلى صوتي؛ لأوقظ الناس، وأبين لهم ما علمني الله، والله لا أزكي نفسي، غير أنني على يقين أن الأمة ضاعت وراء تيار الشهوات.

أحاول ما استطعت أن أبتعد عن مواطن الفتن، وقد أغير برنامجي بالكامل، إن أحسست بفتنة في مكان ما، ولا أسلم على نساء العمارة التي أقطن فيها، كبارا وصغارا، وبصراحة لا آمن على نفسي الفتنة، فقد تعرضت مرارا لمحاولات إغواء، وأنا غير متزوج، فهل هذا الحال يعتبر تشددا؟

لقد منَّ الله علي بالهداية منذ سنتين، ولم أذق في حياتي قط لذة تضاهي لذة الانكسار والتذلل بين يدي الملك الجليل، فرجاء أدعوا لي، وكلُّ من يقرأ هذه الاستشارة، بالتوفيق والثبات على طاعة الله.

جزاكم الله خيرا، ورزقكم الفردوس الأعلى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو إلياس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُبارك فيك، وأن يُثبتك على الحق، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يُجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يمُنَّ عليك بزوجةٍ صالحةٍ طيبةٍ مباركةٍ تكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

بخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإني أُحَيِّ فيك هذا الحرص الشديد على غض بصرك والبُعد عن الحرام، كذلك أُحيِّ فيك تألُّمك على حال الناس، وحُزنك على مدى بُعدهم عن منهج الله تبارك وتعالى وجريهم وراء الشهوات والشبهات، فأسأل الله أن يجزيك بذلك خير الجزاء، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك.

بخصوص أنك تجتهد في تغيير برامجك إذا وجدت أن هناك فتنة، فأقول: هذا شيء رائع، وهذه هي المجاهدة التي طلبها منَّا الإسلام، حيث قال الله تبارك وتعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا}، وكثيرٌ من أهل العلم يذهب إلى أن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر، لأننا لن نستطيع في وجه أعدائنا إلا إذا كانت نفوسنا لا تصبر على الحرام.

أنت الآن في جهاد كبير خاصة في هذه البلاد المفتوحة التي لا تعرف حرامًا ولا حلالاً ولا حقًّا ولا باطلاً، وإنما تعرف أن كل شيء مُباح ما دام القانون لا يمنعه، والإقامة هناك فعلاً فيها مشقة عظيمة، ولكن بحكم أنك موجود هناك عليك دورٌ كبير هو:

الاجتهاد مع إخوانك المسلمين في تصحيح مسار المسلمين، عن طريق المسجد والدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ومن الممكن توجيه بعض المواد الدعوية الخفيفة على المقربين منك، لأن القضية ليست سهلة، وقد يتعذر عليك أن تدعو الناس في المجامع العامة، خاصة إذا كانوا من غير المسلمين، ولكن أتمنى أن تُركز في دعوتك على إخوانك وأخواتك من المسلمين والمسلمات، لأنهم أولى بالنصيحة، وهم أولى بالتوجيه، وهو أولى بالدعوة، وإذا استقاموا على منهج الله كانوا دعاةً بسلوكهم، وكانوا سببًا في إقناع الناس بهذا الدين العظيم.

لذلك أنا أقول لك –بارك الله فيك-: اجتهد في ذلك، بجوار حرصك على غض بصرك وتحصين فرجك، وبُعدك عن الحرام، لا بد لك من دورٍ إيجابي، هو التعاون مع إخوانك المسلمين في الدعوة، وتصحيح مسار الإنسانية، خاصة –كما ذكرت– تركيز الدعوة على إخوانك المسلمين وعلى أخواتك المسلمات، بالضوابط الشرعية التي بيَّنها لنا الله تبارك وتعالى ورسوله –صلوات ربي وسلامه عليه-.

هذا أمرٌ ليس هيِّنًا وليس سهلاً، وبإذن الله تعالى سوف يفتح الله عليك ويُسددك ويوفقك على قدر إخلاصك، وكم أتمنى أن تُفكّر في الزواج، وأن تجتهد فيه –بارك الله فيك – لأنه الحصن الحصين الذي أوصانا به النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصنُ للفرج).

إذًا علاجك –بارك الله فيك– في الزواج، فابحث عن زوجةٍ صالحةٍ، واسأل الله تبارك وتعالى أن يمُنَّ عليك بذلك، وبإذن الله تعالى ستجد حياة طيبة، قاوم واجتهد، واعلم أن هذه المجاهدة أنت مأجور عليها، ولا تُقصِّر ولا تضعف، واحرص أن تكون مع إخوانك المسلمين؛ لأن المرء قليل بنفسه كثيرٌ بإخوانه، والذئب يأكل من الغنم القاصية، فاجتهد مع إخوانك في المراكز الإسلامية في الدعوة إلى الله تعالى، وحمل أعباء الأمة، عسى الله أن يُصلح بك بعض هذا الفساد، وأن يقوِّم بك بعض هذا الاعوجاج.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر bahiguir

    بارك الله فينا و فيكم أجمعين على ما تقدموه من نصح وتبيان للحق وتوجيه الرعية لما فيه الخير و الصلاح للأمة الاسلامية من شعوب وأوطان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً