الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابني الأكبر لديه فرط حركة مع نرجسية وقوة جسدية تجعله لا يطاق.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

سبق وأرسلت أستشيركم بشأن ابني الثالث، ورقم الاستشارة (2269964)، واليوم أريد الاستشارة بشأن ابني الأكبر وهو يبلغ من العمر 15 سنة.

هو يعاني من فرط الحركة ونقص الانتباه في الأساس، لأن ذكاءه يقل عن متوسط الذكاء الطبيعي بفارق قليل، لا أذكر كم ولكنه ليس كثيرا، فهو: كثير الحركة، ملول جدا، متأخر في الانتباه، متمرد جدا، مشاكس لإخوانه الأصغر سنا، ضعيف دراسيا، سريع الانفعال والبطش، عنده ثقة في أنه على صواب وغيره خطأ، لا يشعر بغيره، فكما قال المحلل هو نرجسي الشخصية، الآن حديثه معنا نحن أبويه لا يخلو من تبريق العينين وكأنه يخيفنا ويربينا، وقد استطاع والده نوعا ما بأسلوبه السيطرة على بعض صفاته السيئة بالعقاب والنقاش، والحرمان مما يحب والتهديد.

هو الآن في سن المراهقة، لك أن تتخيل اجتماع تلك الصفات مع سن المراهقة مع قوته الجسدية العالية، فهو في شكله الجسمي وقوته يفوق كثيرا إخوته، المشكلة في ابني هذا من شقين:

الشق الأول: خاص بمشاكله هذه وصفاته وانتباهه.

والشق الثاني: خاص بي أنا فأنا لا أطيقه لشعوري دوما بعدم الأمان تجاهه وكذا يشعر إخوانه، دوما أتذكر كيف أنه عرضني لمواقف من أسوأ ما يكون، وكيف أنه بعد تأخر حمل ابتليت بطفل من أصعب ما يكون، فقد عانيت معه معاناة شديدة في كل شيء، حتى أنني كنت دوما ألقي اللوم على نفسي وأبكي وأحزن، ولم أكن أتوقع أنه هو من به الخلل بجانب الظروف السيئة التي مررنا بها. وكذلك كيف سبب لإخوانه الأصغر مصائب جسدية ونفسية بسبب ظروف سيئة جدا مررنا بها جميعا، وكان هو بسبب صفاته الأكثر تأثرا وتأثيرا على غيره بالسلب.

الأمر الأخير الذي سبب لي وسوسة أو فوبيا لا أعلم ما وصفها: أن ابني هذا كان يقوم بحركات لا أتوقع أن طفلا يقوم بها؛ لأن ذكاءه يمنعه، هو لم يكن عنده خطوط حمراء لشيء لذا يتملكني شعور دائم بالخوف منه، ولشراهته الفظيعة في الرضاعة وهو صغير، والتي آلمتني كثيرا، ولم أكن أفهم أنه يختلف عن غيره، وعندما أنجبت غيره عرفت الاختلاف والفارق، وكذا لم أكن أعلم أنه بالشراهة الفظيعة هذه التي ظهرت عليه فيما بعد، فهو لا يشبع، بالتالي أصبحت أعاني من مرض نفسي ما لا أستطيع توصيفه، ولكني أتجرع مضادات الاكتئاب، ولا يوجد علاج جذري للمشكلة.

بالنسبة له: كان الطبيب قد صرف له أقراص اربيبركس 30 منذ حوالي سنة، وواظب على الدواء لمدة سنة متفرقة، والآن وزنه 90 كيلو، أرجو توجيهي بالنسبة للدواء المناسب له وجرعته؟

وما الدواء المناسب لي، فأنا أتناول مودابيكس وأظن اسمه الآخر لوسترال؟

ولي استشارة ثالثة بشأن ولديّ الآخرين، لو أمكن عرض الاستشارة على متخصص نفسي ومتخصص في الرقية الشرعية ليقول رأيه أيضا، فقد تكون أعراض سحر أو غيره.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لك التوفيق والسداد، وكذلك لأسرتك وأبنائك.

أيتها -الفاضلة الكريمة-، الجميل في رسالتك أنك لم تضعي كل اللوم على ابنك هذا -حفظه الله-، ولكنك وباعتراف جميل أن درجة تحمُّلك أيضًا قد قلَّت، وهذا هو النموذج المثالي، أي أنه إن وُجدتْ مشكلة نفسية لأحد أفراد الأسرة ربّما يكون عدم تحمل الآخرين لعب دورًا في تضخيم الأعراض، وهذا أمرٌ معروفٌ، فجزاك الله خيرًا.

وأقول لك -أيتها الفاضلة الكريمة-: يجب أن تُفكري دائمًا أن هذه المشاكل موجودة في كثيرٍ من الأسر، وأنها -إن شاء الله تعالى- عرضية، وعابرة، وأن الأمور سوف تتغيَّر وتتبدَّل لتُصبح أكثر استقرارًا وإيجابية، هذا ليس توهمًا، وليست أمنيات من فراغ، إنما هي حقيقة وواقعة، ولا بد أن يكون فكرك على هذا النمط.

ثانيًا: عليك بالإكثار من الدعاء لأبنائك، مع الأخذ بالشروط التربوية المعروفة، وهنا تكوني قد أخذت بالسببية، والشروط التربوية تقوم على مبدأ (تعزيز ما هو إيجابي، ومحاولة تجاهل ما هو سلبي بقدر المستطاع) وهذه أمور معروفة. والحمد لله تعالى والد هذا الابن له مشاركات تربوية، وهذا سوف يُخفف عليك الكثير من الأعباء، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: لا تتهمي نفسك أبدًا بأنك أُمٌّ فاشلة، أنت لست بفاشلة، أنا متأكد أن بيتك بخير وأسرتك بخير، لكن الذي يظهر لي أن انضباطك النفسي وطموحاتك العالية جعل سقف تطلعاتك حول الأمور التربوية وحول تنشئة أبنائك مرتفعة، وهذا أمر جيد، لا نرفضه أبدًا.

أيتها -الفاضلة الكريمة- بالنسبة لهذا الابن، فرط الحركة إن كان فرطًا مرضيًا يجب أن يُعالج، وعند اليافعين مثل ابنك فرط الحركة مرتبطً دائمًا بضعف الانتباه، وفرط الحركة يجب أن يُعالج، لأن عددًا من هؤلاء الذين يعانون من فرط الحركة في هذه السن ربما يتحول الأمر لديهم إلى ما يُعرف بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، الآن دراسات كثيرة تُشير إلى ذلك، لذا علاجهم مهم.

لذلك أود أن تتكلمي مع زوجك الكريم، ويعرض ابنك الكريم هذا على مختص في الطب النفسي العام أو من الأفضل الطب النفسي للأطفال واليافعين، والحمد لله تعالى الآن توجد أدوية ممتازة جدًّا لعلاج فرط الحركة، لكنها أدوية خاصة، ولها ضوابط خاصة، ويجب أن تُصرف من قِبل الطبيب المختص.

هذا هو الحل بالنسبة لموضوع ابنك. أما بالنسبة لك -أيتها الفاضلة الكريمة-: فالتوجه الإيجابي مهم في الحياة -كما ذكرتُ لك سلفًا- وحياتك فيها أشياء جميلة جدًّا، فقط حاولي أن تكوني أكثر تفاؤلاً، وأن توزِّعي وقتك وتُديريه بصورة صحيحة، وأن تأخذي قسطًا كافيًا من الراحة والنوم الليلي، هذا أمر مهم جدًّا، ومارسي شيئًا من الرياضة البسيطة، وحسِّني درجة التواصل الاجتماعي لديك، أعتقد أن هذا يُذهب الكثير من الضيق.

بالنسبة لعقار (لسترال Lustral) والذي يسمى علميًا باسم (سيرترالين Sertraline)، فهو دواء رائع جدًّا، فهو يُعالج الخوف والوسوسة، وكذلك يُحسِّنُ المزاج، فاستمري عليه، ومن وجهة نظري جرعة حبة واحدة كافية جدًّا، لا تُكثري من الأدوية، تناوليها ليلاً، استمري عليها مثلاً لمدة ستة أشهر، ثم اجعليها نصف حبة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً