الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رضيت بقضاء الله في وفاة والدي لكني أشك أن وفاته بخطأ طبي

السؤال

السادة في الشبكة الإسلامية
تحية طيبة -وجزاكم الله خيرًا- عما تقدمونه من خدمات إنسانية جليلة للمسلمين.

توفي والدي رحمه الله، وكان أحب الناس إلى قلبي عن عمر يناهز ثمانين عامًا، ولقد رضينا بقضاء الله، وقلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، إلا أني بعد ذلك تسلل إليّ الشك في أن وفاته بسبب خطأ طبي، حيث إنه كان مريضًا بضعف في عضلة القلب، ووجود سوائل على الرئة، مع وجود ارتفاع في وظائف الكلى.

وكان يأخذ أدوية كثيرة إلا أنه في آخر أسبوع قبل وفاته كتب له الطبيب 6 حقن (لازكس 40) مدرة للبول حقنة يوميًا، وقد كان بحالة جيدة حتى الحقنة الخامسة أصابه وهن شديد، كنا نظن هذا؛ لأنه لا يأكل جيدًا، ولا ينام جيدًا، وللأسف أكمل الحقن وفي اليوم السابع أفاد أنه لا يستطيع النزول للذهاب إلى الطبيب المعالج، ولكني ساعدته أنا وأخي، وذهبنا إلى مستشفى قسم الطوارئ، وبعد الكشف وبعض التحاليل أفادوا أنه يحتاج إلى الراحة والتغذية فقط، وعندما عاد إلى المنزل كان متعبًا جدًا، ونام وفي الصباح اكتشفنا أنه في غيبوبة، وليس نائمًا ويتنفس بصعوبة، فاتصلنا بالإسعاف، وتم نقله إلى مستشفى خاص كبير في العناية المركزة أربعة أيام، ثم توفي والدي.

"رحمة الله عليك يا أبي لقد أظلمت الدنيا في وجهي بعد رحيلك، إن الموت علينا حق"، ولكن ما يؤلمني هو الشك أن هذه الحقن (لازكس) هي التي دهورت حالته، ولو لم يأخذها لكان في حال طيبة وما توفي وكذلك لو تم حجزه في المستشفى قبل الغيبوبة لتم إنقاذه، وما توفي.

فأفيدوني أفادكم الله من الناحية الطبية والشرعية، فالأفكار تزعجني ليلاً، ونهارًا، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ selim حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الوالد رحمة الله عليه كان يعاني من حالة Cardiogenic pulmonary edema؛ بمعنى استسقاء في الرئتين ناتج عن مشكلة في القلب، وعدم مقدرة القلب على سحب الدماء من الرئتين يؤدي إلى تجمع السوائل في الحويصلات الهوائية، ويحرمها من أداء وظيفتها، وهي تبادل الغازات من وإلى الهواء، وأخذ ما يكفي الجسم من الأكسجين، وطرد ما زاد عن حاجة الجسم من ثاني أكسيد الكربون، ويؤدي ذلك إلى وجود حالة تسمى Acute respiratory distress syndrome، وهي متلازمة الفشل الرئوي الحاد التي تؤدي إلى الوفاة.

وحقن لازكس هي حقن مدرة للبول وظيفتها تخفيف السوائل، وسحبها من الرئتين إلى الدورة الدموية وإدرارها خارج الجسم، على فرضية تحسن الرئتين والسماح لها بأداء وظيفتها، وتخفيف التورم الموجود في القدمين، والذي يصاحب فشل القلب الوظيفي congestive heart failure.

والإنسان في عمر الثمانين يعاني من كثير من الأمراض مثل: الضغط المرتفع، وفشل في وظائف الكلى، ومشاكل في الشرايين التاجية المغذية للقلب، ومشاكل السكري، وكل ذلك يزيد من مشاكل القلب والرئتين الموجودة، وإعطاء مرضى القلب والاستسقاء الرئوي حقن لازكس جزء من بروتوكول العلاج الخاص بمثل تلك الحالات، ولا يوجد خطأ طبي.

وأعتقد جازمًا أن الفريق الطبي المعالج لم يألوا جهدًا في علاج الوالد، ولكن لكل أجل كتاب فرحمة الله على الوالد، وندعو له بالمغفرة والفردوس الأعلى، ولكم بالصبر والسلوان.

وفقكم الله لما فيه الخير.

+++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. عطية إبراهيم محمد استشاري طب عام وجراحة أطفال.
وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
+++++++++++++++++++++++++++

مرحبًا بك – أيهَا الأخ الحبيبُ – في استشارات إسلام ويب.

أولاً نقول: عظَّم الله أجرك في والدك، ونسأل الله تعالى أن يرحمه رحمةً واسعة، وأن يغفر له، ويجعل ما انتقل إليه خيرًا ممَّا فارقه.

وقد أحسنت – أيهَا الحبيبُ – حين صبرت عند الصدمة الأولى، وقلتَ ما أمر الله تعالى بقوله عند المصيبة، ومدح به الصابرين، من قول العبد: {إنا لله وإنا إليه راجعون}.

وما تجده – أيهَا الحبيبُ – من حُزنٍ بسبب موت الوالد أمرٌ طبيعي، ولا يؤاخذ الله تعالى به الإنسان، فحزن القلب ودمع العين قد حصل من النبي -صلى الله عليه وسلم – ولكن المأمور به هو الصبر، وهو حبس النفس عن: التَّسخط، والجزع، وفعل ما لا يجوز.

وما يُسبب لك القلق والحزن من كونك تظن أنه لو لم يحصل كذا لكان الموت لم يحصل، هذه كلها أوهام لا حقيقة لها، فإن الموت لا يتأخر ولا يتقدَّم، ولا يكون شيءٌ إلا بقدر الله تعالى، فأرح نفسك من هذا كله، فسهم الله نافذ، وقدر الله ماضٍ، ولا يُؤخر الموت (لو) أو (لعل).

وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم في مواضع عديدة بأن الموت إذا جاء لا يتأخر، فقال سبحانه وتعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} وكما قال سبحانه وتعالى عمَّنْ قُتل يومَ أُحد، وقد كان بعض الناس يقول: لو لم يخرجوا للقتال ما قُتلوا، فقال الله سبحانه وتعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} يعني لو لم تكن ثمَّ معركة ولم يكن هناك قتال لخرج هؤلاء وماتوا في هذا المكان الذي ماتوا فيه؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد قدَّر أن يموتوا في هذا المكان.

فأرِحْ قلبك من (لعلَّ) ومن (لو)، وارضَ بقضاء الله تعالى، والأمر كما قال لك الطبيب: لا تقصير فيه ولا تهاون، فأكثر من الدعاء لوالدك، فإن ذلك هو الذي ينفعه، وإن استطعت أن تتصدق عنه فتصدَّقت، فإن الصدقة تصل إليه، فاحرص على ما ينفعك أنت وعلى ما ينفع والدك.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يأجرك في مصيبتك، وأن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مجهول محمود ناصر

    رحم الله اباك واجارك في مصيبتك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً