الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يجرحني بكلماته أثناء غضبه ويتلفظ على أهلي، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بدأت معاملتي لزوجي تتسم بالبرود بعد أن ظلمني وجرحني بالكلمات القاسية والدنيئة، في العديد من المرات يقولها لي في لحظات غضبه، وغضبه لا يتجاوز الربع ساعة، ولكن خلال هذا الوقت تكون كلماته كالسكاكين.

زوجي مسلم ويخاف الله، ولكنه ينسى كل شيء في لحظة غضبه، لست أنا المتسببة في غضبه، فأنا مسالمة في طبعي وقليلة الكلام، لكنه يغضب من كلمات أخته أو من غيرها، ثم يثور ثورته علي، أهلي كانوا متسامحين معه في كل مرة قابلوه فيها، وهم عائلة مسالمة وأنا بعيدة عنهم بسبب الغربة، لهذا لم يتدخلوا قط في علاقتنا، لكنهم لم يسلموا من لسانه في لحظات غضبه، لقد تعبت، فقد ظلمني كثيراً بكلامه ولا يعتذر؛ لأنه لا يحب الاعتراف بالخطأ.

قبل يومين قام ولأول مرة بالاعتذار مني عن تصرفه الأخير، وعاملني أحسن معاملة في اليومين الماضيين، لكن قلبي قسى، لا أستطيع مسامحته، أعامله ببرود، أخبرته بأني سامحته لأني أعرف بأن الاعتذار يجب أن يؤخذ بالاعتبار، خصوصاً أنه من الأشخاص الذين لا يتأسفون بالعادة قلبي لا يستطيع مسامحته، أتألم كلما تذكرت كلماته التي قالها بحقي وبحق والدتي.

لقد صبرت وقلت - حسبي الله ونعم الوكيل -، لكني أجهل ما الذي يتوجب فعله، أصبحت بين نارين ناره ونار إرضاء الوالدين، سامحته عندما كانت إهاناته تجاهي وصبرت ولكني لا استطيع مسامحته بعد إهانة والدتي، لا أحد يرضى بذلك، خصوصاً وأن هذه الإنسانة بعيده كل البعد عنه، ولا يكلمها إلا في الأعياد الرسمية.

رأيت كل الذل من أهله، ولم أهنهم بكلمة واحدة، التزاماتي في مدينتي تمنعني عن الابتعاد، ولو فكرت في الانفصال فلا أستطيع فعل ذلك قبل سنتين، وفكرة الانفصال فكرة مؤلمة، خاصة وأن عشرتنا فيها الكثير من الأوقات الجميلة، ولكن تفضيله للجميع علي، وتصرفاته معي، وعدم احترامه لي ولأهلي يجبرني على التفكير في الانفصال، أخاف أن يكون الكبر قد سكن قلبه، فهو يرفض تماماً النصيحة من أي أحد، وكيف كان الرسول - صلى الله عليه ويسلم - يتعامل مع زوجاته، حجته برفض النصيحة بأنه يعلم أحسن مني ومن غيري في أمور الدين كونه قد عاش حياته على الإسلام والسنة، وقرأ من الكتب الكثير، وهناك الكثير من التفاصيل التي لا أود سردها، كيف يمكنني أن أسامحه؟ وما حكم الشرع في تصرفاته وفي عدم مقدرتي على مسامحته؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولاً: شكر الله لك تدينك، وحسن عشرتك لزوجك، وعدم رد الإساءة بمثلها، كما نشكر لك أيضاً تعاملك مع مستجدات حياتك بنوع من العقلانية، وقد ظهر ذلك حين قبلت الاعتذار مع وجود جرح بداخلك حتى لا يستلذ بالعناد ويكابر، هذا يدل على رجاحة في عقلك، نسأل الله أن تكوني كذلك وزيادة.

ثانياً: الحياة الزوجية ليست وردية كما يظن البعض - أختنا الكريمة - ولا توجد مدينة فاضلة إلا في خيال أفلاطون، أما الواقع فيثبت أنه ما من بيت إلا وفيه من المشاكل والكوارث والطوام ما الله به عليم، ومن خلال ما نستقبله هنا من مشاكل تعد مشكلتك نعيماً بالنسبة لغيرك من النساء، نسأل الله أن يمن عليك بالعافية والسلامة في حياتك كلها، الشاهد أن الحياة الزوجية فيها الحسن والقبح، والخير والشر، ويقاس نجاح البيت من عدمه من غلبة الخير فيه على الشر أو غلبة الحسن فيه على القبح، والذي يجب أن يتعلمه الزوجان معاً ليس اجتثاث الخلاف، لأن هذا مستحيل، وإنما فن إدارة الخلاف، والذكاء في الحياة الزوجية هو في ذلك ، في فن إدارة المشاكل، وكيفية التعامل معها، والتسامح.

ثالثاً: من خلال حديثك - أختنا الفاضلة - بدا لنا أن الأصل في حياتكم التفاهم، وأن المشاكل هي عارضة عليكم، نعم هي مؤلمة لكنها في النهاية ليست الأصل، وهذا أمر نحمد الله عليه.

رابعاً: زوجك متدين وهذا يسهل كثيراً في إصلاحه، فلا تقلقي من ادعائه المعرفة مع سلوكه المتغير لأنه يعلم بداخله أنه مخطئ، ولا أدل على ذلك من مخالفته فطرته التي تربى عليها واعتذاره لك، وهذا يدل على تحول جذري في حياتك ينبغي أن تبني عليه، وأن تشعريه أن الاعتذار خلق رفع من مكانته عندك أكثر، وأذاب كرات ثلج كانت ثقيلة على قلبك، لابد أن يستشعر أن ما أقدم عليه كان مثمناً وكان له دور في تهدئة أجواء البيت.

خامساً: ما فعله من حديث عن والدتك - حفظها الله - لا شك أمر معيب، وما كان ينبغي عليه فعله، لكن اعتذاره أختي دليل على اعتقاده بقبح ما فعل، وليس متوقعا منه أن يفعل أكثر من ذلك، وإذا كان الاعتذار ممح للعيب فإن عدم قبوله يحتاج إلى مراجعة منك لذاتك.

وقد قال الشاعر :
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه *** وكان الذي لا يقبل العذر جانيا.

وقال الإمام ابن حبان - رحمه الله - في روضة العقلاء «الاعتذار يذهب الهموم ويجلي الأحزان ويدفع الحقد ويذهب الصد، فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفي العجب عن النفس في الحال لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة».

إننا نريد منك أن تتذكري كل شيء جميل منه لك، وأن توسعي في دائرة النظر إليه من محاسنه لا من معايبه، وأن تصرفي عن تفكيرك بالكلية موضوع الانفصال هذا لأنه أمر خطير، وقد يكون استدراج من الشيطان لك حتى يعظم عندك أسباب الخلاف .
أكثري من الدعاء – أختنا الكريمة - وأن يرطب الله قلبك، ويذهب ما به من هم وغم، وأكثري من القراءة حول {والعافين عن الناس} فالعفو منزلة سامقة، نسأل الله أن يعفوا عنا أجمعين.

والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية طوبى للغرباء

    كالعاده الحق عندكم مع الرجل مافي أي أنصاف

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً