الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

غزتني الأفكار السلبية فأثرت علي وعلى علاقاتي الاجتماعية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ فترة ليست بالطويلة، تقريباً شهرين أو 3 أشهر لاحظت تغيراً نفسياً قد أصابني، وبدأت تغزوني الكثير من الأفكار السلبية المقلقة التي جعلتني أعتكف مع نفسي ولا أميل إلى الخروج مع الأهل أو الأصدقاء، حتى تضررت علاقاتي الاجتماعية.

أبلغ من العُمر 22 عاماً، وفي آخر سنة دراسية من المرحلة الجامعية –والحمدلله- سأبدأ أسرد لك ما أمر به من حالات تُصيبني.

بدأت تراودني أفكار غريبة عليَّ، ولم أكن في السابق أفكر فيها بشكلٍ كبير، الأفكار التي كانت تراودني تدور حول الخوف والقلق والفزع من الموت، والتفكير بماذا بعد الموت، ولماذا نموت؟ والخوف من الحساب، وأفكار أخرى أيضاً كالخوف من أن يُصيبني مرضٌ ما يؤدي إلى الموت، وحتى لو أصابتني وعكة صحية بسيطة أبدأ بالوسوسة حول ماهية هذا المرض، هل هو خطير؟ هل سأستمر بالحياة؟ وتبدأ معي هذه الأفكار حتى أشعر بضيق بالنفس مفزع وزيادة في خفقان القلب، وأبدأ بالخروج من مكاني إلى مكانٍ آخر، وأدور حول نفسي، وأحاول أن اُعيد حالتي إلى وضعها الطبيعي.

أصابتني هذه الأفكار بحالة الغثيان والارتجاع المريء لفترة بسيطة، وجعلتني أيضاً -بحكم أنني مُدخن- جعلتني هذه الأفكار أزور عدة دكاترة صدرية لكي يتأكدوا من أنني لا أعاني من خلل في جهازي التنفسي، حتى ملوا مني وقالوا لي إن ما تمُرِّينَ به هو حالات قلق.

أصبحت يا دكتور من الخوف والقلق أنام والإنارة مشتعلة، وأصبحت لا أشعر بطعم الحياة، في السابق كانت هنالك أمور بسيطة أمارسها تشعرني بالسعادة، أما الآن لا أشعر حتى بأي شيء سوى الخوف والقلق والفزع.

أفتقد طعم الحياة، وأصبحت أنظر إلى الأمور بمنظور سوداوي وسلبي، وكرهت الكثير وابتعدت عن الكثير، وهذه أيضاً أثرت سلباً على مجهودي في الجامعة.

الحمدلله أنا منتظم في صلاتي وأصليها في أوقاتها، ومنتظم في قراءة الأذكار وتحصين نفسي، لكن لا أعلم ماذا جرى لي؟ فأنا لا أتعاطى المخدرات أبداً، وأقضي جُل وقتي إما في قراءة الكتب أو مع الأصدقاء.

أرجو المعونة منكم، بعد الله سبحانه وتعالى.

وشكراً جزيلاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نواف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً لك على التواصل معنا على هذا الموقع وبهذا السؤال.
من الواضح أنك تعاني من حالة نفسية معروفة نسميها "رهاب الموت" عندما ينشغل ذهن المصاب على صحته، معتقدا بأنه على وشك الموت وبأن ملك الموت على وشك أن يأتيه، وأن لديه ربما مرضاً ما، كالسرطان أو غيره، وأن الأطباء إما أنهم يعلمون بهذا المرض ولم يخبروه بهذا صراحة، أو أنهم لم يتعرفوا عليه بعد لأنهم لم يكتشفوه، وقد يعتقد الشخص أنه يحتاج للمزيد من الوقت، والمزيد من الاختبارات والفحوص، والمزيد من آراء الأطباء المختلفين، حتى يصل للتشخيص الذي كان يخافه كل هذا الوقت.

وفي كثير من الأحيان تترافق هذه الحالة بما وصفت من أعراض، والتي تصل بعد حين للخوف من مغادرة المنزل خشية حدوث شيء ما، وإلى الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية.

صحيح أننا كمسلمين علينا أن نذكر الموت، وكما يقول عمر بن الخطاب: "اذكروا هادم اللذات" إلا أن هذا لا يعني أن نضطرب أو يمنعنا هذا التذكر من متابعة أنشطتنا الحياتية المختلفة، وبشيء من الاطمئنان.

وقد تترافق هذه الحالة ببعض الأعراض التي وصفت في سؤالك والتي هي أعراض حالة نسميها نوبات الذعر أو الهلع، حيث تنتاب الإنسان فجأة هجمة من تسرع نبضات القلب والارتعاش أو القشعريرة والتعرق، وما وصفت في سؤالك...

والعادة أن المصاب قد يسرع إلى الطوارئ، وبعد القيام ببعض الفحوص والاختبارات وتخطيط القلب... فالعادة أن تكون كل هذه النتائج طبيعية، وريثما تنتهي هذه الاختبارات، يكون الشخص قد هدأت نفسه وانتهت النوبة، ويعود لبيته، ليعود مجددا لقسم الطوارئ بعد حين وفي نفس الطريقة. وقد يبدأ الشخص يخاف من كل ما له علاقة بالمرض، والتي يمكن أن تذكره بالموت.

هل يا ترى مررت من فترة بحادث صادم كخبر وفاة قريب أو عزيز، أو فقدان أحد ما بطريقة من الطرق ولو السفر؟ أو هل استمعت ربما لمحاضرة أخافتك أكثر من المعتاد وفيها ذكر الموت وعذاب القبر...؟

فكل هذا قد يفسر أحيانا ردود أفعالنا هذه.

قد تكون هذه الحالة التي تمرّ بها، إنما هي مرحلة عابرة، وليست طويلة، وهذا الغالب، وخاصة بوجود سبب واضح مما ذكرت لك أعلاه.

بينما إذا طالت الحالة ولم تتحسّن هذه الأعراض، وأزعجك الأمر، فيمكنك مراجعة أخصائي نفسي، وسيقوم هذا الأخصائي بأخذ القصة كاملة، ومعرفة الأمور الكثيرة والتي ربما لم تخبرنا عنها كنمط الحياة، وعلاقاتك الأسرية والاجتماعية، وتاريخ طفولتك، وطبيعة حياتك اليومية.... ومن ثم يمكن لهذا الأخصائي النفسي أن يقوم بعد التشخيص بتقديم العلاج المطلوب.

ولاشك أن الأخصائي سيحاول أيضا معرفة إذا كان عندك بالإضافة لانشغال البال بالأمراض والموت، إذا كان عندك شيء من الأعراض النفسية الأخرى كالاكتئاب أو غيره، فلابد للأخصائي من التحري عن هذا والقيام بتقديم العلاج المطلوب.

فإذاً لا بد أولا من وضوح التشخيص، والذي سيقوم به هذا الأخصائي النفسي أو الطبيب النفسي المتخصص، وأنا أقول عادة أنه لا يوجد علاج فعال من دون تشخيص واضح، فأرجو أن لا تتردد في مراجعة الطبيب أو الأخصائي النفسي، وقد يصف لك الطبيب علاجا دوائيا، وهناك أيضا غير العلاج الدوائي كالعلاج النفسي المعرفي السلوكي، وعلى كلٍ سيناقش الطبيب النفسي الخطة العلاجية معك.

عافاك الله، وكتب لك الشفاء، وإن شاء الله نسمع أخبارك الطيبة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

لا يوجد صوتيات مرتبطة

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات