الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس قديمة ما زالت تراودني باستمرار جعلتني أفقد طعم الحياة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية أشكركم على هذا الموقع الرائع، وأسأل الله -العلي القدير- أن يوفقكم لما يحبه ويرضاه.

أنا امرأة متزوجة، عندما كنت في العشرين من عمري، كنت أعاني من وسواس في الطهارة والعبادة، ثم تخلصت منه بفضل الله، والآن أعاني من ضيق وحزن بعد العصر خاصة، بحيث أكون طبيعية، وفجأة أشعر بحزن لا مبرر له، كما أشعر بتنميل في الأطراف في فترة القيلولة، ثم أصبحت أعاني من أرق وصعوبة في النوم، وإن نمت جيداً في الليل فإني أقوم متعبة في الصباح، رغم أنني أداوم على أذكار النوم، وأذكار الصباح والمساء، والصلوات في وقتها، عدا صلاة الفجر قد أصليها بعد طلوع الشمس بسب الأرق الذي ينتابني ليلاً.

في ثاني يوم من رمضان الماضي، أصابتني نوبة هلع شديدة وأرق طوال الليل، مع ضيق في الصدر، وبرودة في القدم، وجفاف في الفم، وآلام في الرقبة وأسفل الظهر، حتى ظننت أن أجلي قد اقترب، فذهبت إلى طبيب أمراض عضوية قال لي: يوجد عندك نقص في المغنيسيوم، وتشوه بسيط في العمود الفقري، وأعطاني دواء، ولكنني لم أتحسن عليه، وما زلت أشعر بالتعب والضيق والتسويف لكل شيء، ما عدا واجباتي الضرورية كالصلاة والطبخ والعناية قليلاً بالأولاد، وكثيراً ما أصرخ عليهم لأنهم غير منظمين، شعرت بالذنب والتقصير عندما كانت نتائج ولدي الدراسية ضعيفة، فقدت طعم الحياة، أفكاري كثيرة لكنني أصبحت لا أنفذ شيئاً منها، أظن أن السبب تراكم لحالات نفسية كتمتها في صدري وظهرت فجأة كنوبة فزع، والآن ما زالت النوبة تعود لي على فترات، والأفكار السلبية تراودني في كل وقت، فأصبحت أخاف من الموت.

أحب قراءة كتب التنمية الذاتية وإدارة الوقت والخرائط الذهنية، لكنني لا أطبق شيئاً منها، تعلمت الخياطة عن طريق النت، وكنت في البداية متحمسة جداً للتطبيق، ولكنني فقدت الحماس لكل شيء بعد تلك النوبات، وأهملت مظهري وبيتي، أفكر بالذهاب لطبيب نفسي، ولكنني أتمنى أن أتعافى بتغيير سلوكي دون اللجوء للأدوية؛ لأنها غير كافية ما لم توجد الإرادة والتغيير من الداخل.

أتمنى من المولى -عز وجل- أن يجعل الشفاء بأيديكم لكي أعود كما كنت من قبل، حيوية نشيطة، متفائلة ومقبلة على الحياة، ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمال حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وقد اطلعت على رسالتك، ومن الواضح -أيتها الفاضلة الكريمة- أن لديك مزاجا اكتئابيا، والمزاج الاكتئابي دائمًا يقود صاحبه إلى الفكر السلبي التشاؤمي، وفي بعض الأحيان يكون الفكر السلبي التشاؤمي أولاً، وهو الذي يقود الإنسان نحو الاكتئاب، وهكذا يدخل الإنسان في هذه الحلقة المفرغة (فكرٍ سلبي - اكتئاب - فكرٍ سلبي) وهكذا، والاكتئاب أحد مكوناته القلق، والقلق قد يؤدي إلى الوساوس.

فحالتك من وجهة نظري واضحة، وهي ليست صعبة، وليست خطيرة، والشيء الوحيد الذي أريد أن أقنعك به هو ضرورة تناول الأدوية، فلا تتوجَّسي حول الأدوية النفسية، هذا الكلام خطأ كبير، فالاكتئاب له مكوّن بيولوجي متعلق بكيمياء الدماغ، ولا يمكن أن تُصحح كيمياء الدماغ إلا من خلال تناول الأدوية، وهناك -بفضل من الله تعالى- أدوية سليمة وفعّالة جدًّا، وأنت لست محتاجة إلا لدواء واحد، دواء يتصيَّدُ الاكتئاب ويُحسِّنُ المزاج، ويُزيلُ الوسوسة والتوتر.

وبعد أن تتناولي الدواء لمدة شهرٍ إلى شهرين، سوف تحسِّين بالكثير من التحسُّنِ، هنا ابدئي ممارساتك السلوكية، والممارسات السلوكية بسيطة جدًّا، مجرد تغيير نمط الحياة، وتغيير التفكير، وحُسْنِ إدارة الوقت، وأن يشعر الإنسان بأنه يجب أن يكون مفيدًا لنفسه ولغيره، ويستمتع بحياته -هذا هو العلاج السلوكي وليس أكثر من ذلك-.

فيا -أيتها الفاضلة الكريمة-: اتبعي هذا النهج واذهبي إلى الطبيب النفسي ولا تترددي أبدًا، ولا ترفضي العلاج الدوائي، لكن من حقك أن تطلبي علاجًا دوائيًا واحدًا، مثلاً أحد مضادات الاكتئاب الرائعة مثل: (زولفت Zoloft) والذي يسمى (لسترال Lustral)، ويسمى علميًا باسم (سيرترالين Sertraline)، أو (زيروكسات Seroxat) ويسمى علميًا باسم (باروكستين Paroxetine)، أو (سيمبالتا Cymbalta) والذي يعرف علمياً باسم (دولكستين Dyloxetine)، أو (إفكسر Efexor) والذي يعرف علمياً باسم (فنلافاكسين Venlafaxine).

كلها أدوية رائعة، جميلة ومفيدة، لها ضوابط استعمال خاصة، إذا استعملها الإنسان بصورة راشدة، ومن خلال طبيبٍ ثقة، أعتقد أنها مفيدة جدًّا، فأرجو ألا تحرمي نفسك من نعمة العلاج، وأريد أن أختم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أتاه أحد الصحابة وسأله: (يَا رَسُولَ اللهِ: أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا، وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا، وَتُقًى نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا) أجابه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو أصدق القائلين: (هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ) أي الدواء من قدر الله، والرقية من قدر الله، فلا تحرمي نفسك من نعمة العلاج، فأنا أقدر حذرك من الأدوية، ولكنها مفيدة إذا استخدمت بطريقة راشدة -كما ذكرت لك-.

باركَ الله فيك وجزاك خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • رومانيا احمد

    ربنا يشفيك يااختي الوسواس دمر حياتنا لكن نتمنا من الله ان يعوضني ويعوضك علي السنين الي راحت من عمري

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً