الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد موت أخي عادت لي وساوس الموت وسببت لي مشاكل في التنفس والبلع

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عمري 23 عاما، أعاني من مشكلة قديمة وأتمنى من حضراتكم المساعدة.

عندما كنت صغيرة كنت كثيرا ما أخاف وتأتيني حالة من ضيق النفس، ولم تكن لدي أي مشاكل صحية، وشفيت منها، ولكنها عادت وبقوة بعد صدمة وفاة أخي الكبير -رحمه الله-.

ذهبت إلى الطبيب وكانت النتائج أن ما بي قولون عصبي، ولله الحمد بعد ذلك شفيت أيضا منه، ولكن هذه السنة أتتني حالة لا أعلم كيف أخبر عنها، بدأت أشعر بالدوران كثيرا، وضيق في النفس، وظهرت النتائج أنه فقر دم وصلت نسبته إلى (9)، وأيضا لدي ارتفاع في هرمون الحليب ونسبته (58) لم يخفني الشعور بالدوران، ولكن كنت كثيرا ما أخاف من ضيق النفس، وأصبح لدي منه وسواس، أو بالأحرى هذه كانت مشكلتي وأنا صغيرة.

وأما مشكلة ألم الصدر من ارتفاع هرمون الحليب كثيرا: فأشعر أنه ألم في القلب، ووجع في عضلات الصدر والظهر، قمت بعمل فحص للقلب وكان سليما -ولله الحمد-، واطمأننت نفسيا، ولكن عندما يأتيني ذلك الألم أنسى كل ذلك وأشعر أنه من قلبي فأخاف.

والآن أصبحت لدي أفكار ووسواس كثيرة أنني سأموت قريبا، وأي حادثة تفسر لي أنني سأموت، وسرعان ما أبكي وأحزن، أي شعور بألم أظن أنه الموت، أصبحت لدي مشكلة في بلع الطعام والريق، وأصبحت أتجنب الأكل وأعتمد على شرب السوائل والشوربة، ذهبت إلى طبيب الأنف والحنجرة ولم تكن لدي أي مشكلة، وليست لدي أي مشاكل حتى في الجهاز الهضمي.

قرأت كثيرا عن كل تلك الأعراض وعرفت أنها مشاكل نفسية، وأنا أيضا في قرارة نفسي متيقنة بأنها أعراض نفسية وليست عضوية، ومع ذلك اليقين كله الذي أعلمه لا أستطيع أن أقنع نفسي، أود أن يكون هنالك أحد ما يحفزني ويدفعني إلى أن أصبح أكثر إيجابية، وأزيل كل تلك الأفكار السلبية من عقلي الباطني المتيقن أنها أوهام وتخيلات ليس لها حقيقة في الواقع، علما أنني لا أستطيع الذهاب إلى أخصائي نفسي.

أحيطكم علما بأنه منذ وفاة أخي مرت سبع سنوات، أتمنى منكم الإفادة ومساعدتي على تخطي هذه المرحلة، ومشكلة صعوبة البلع؛ لأن لدي فقر دم، والجسم بطبيعته بحاجة للغذاء.

أعتذر على الإطالة، وشاكرة لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله الرحمة والمغفرة لموتاكم وموتانا وموتى جميع المسلمين، وأن يعافهم ويعفو عنهم، ويُكرم نُزلهم، ويوسِّع مُدخلهم، ويغسلهم بالماء والثلج والبرد، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.

أيتها الفاضلة الكريمة: هنالك ما يُعرف بكرب ما بعد الموت، أو بعد الوفيات التي تُصيب بعض الأقرباء للشخص المتوفى، وقد تطول هذه المدة اعتمادًا على شخصية الإنسان وكيفية تفاعله مع الموت، وكذلك علاقته بالشخص المتوفى، والناس تختلف في درجة قوّتها وهشاشتها النفسية.

أعتقد أن الذي تعانين منه كان حزنًا عاديًا على وفاة أخيك، بعد ذلك تحوّل إلى شيء من الكرب المستمر، وهذا يُشابه تمامًا عُصاب ما بعد الإصابة، فموت أخيك كان إصابة نفسية كبيرة بالنسبة لك، وظهرت لديك هذه الأعراض – أعراض المخاوف، التوترات، القلق، عدم الطمأنينة النفسية، وشيء من الكدر والكرب -.

أيتها الفاضلة الكريمة أنت محتاجة لبناء دفاعات نفسية أخرى جديدة تقوم على التيقن، على التوكل، على الإيمان، على القناعة بحقيقة الموت، وأنه مصير كل حي، وأن تسألي الرحمة والمغفرة لأخيك، وأن تسألي الله عيشة هنيَّةً ومِيتةً سويَّة ومَردًّا غير مُخْزٍ ولا فاضحٍ، وأن تعرفي أن الحياة لا بد أن تسير، ولا بد أن تساهمي في عمارة الأرض، ولا بد أن تكوني نافعة لنفسك ولغيرك، قال تعالى: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}.

انتشلي نفسك من هذا الذي أنت فيه من خلال أن تكوني شخصًا فعّالاً، أنت صغيرة في سِنِّك، حباك الله تعالى بمقدرات رائعة من الناحية الجسدية والنفسية والوجدانية، فنظِّمي وقتك، ورتّبيه، وضعي أهدافًا في الحياة، أهداف قريبة المدى، وأهداف متوسطة المدى، وأهداف بعيدة المدى، وقدمي مشيئة الله، وخذي بالأسباب، واسعي في تحقيق هذه الأهداف.

هذا – أيتها الفاضلة الكريمة – يجعل لحياتك معنىً، يُخرجك من هذا الذي أنت فيه، وأنصحك أيضًا بممارسة أي نوع من التمارين الرياضية التي تناسب الفتاة المسلمة.

هذا الضيق الذي تحسينه في التنفس وفي الصدر وكل الأعراض التي ذكرتها من شعورٍ بالدوران وخِفة في الرأس وخلافه؛ كلها ناتجة من الحالة النفسية، نعم هي أعراض جسدية، لكنها بلا شك أعراض ما نسميه بالنفسوجسدية، والرياضة مهمة جدًّا في هذا السياق.

والنوم المبكر، الاستيقاظ المبكر، أداء صلاة الفجر، وبعد ذلك تبدئين حياتك بقوة، وتُديرين وقتك بكل كفاءة، هذا يجعل يومك جميلاً وفعّالاً، وتحسِّين بالفعل بالمردود الإيجابي. وطبقي تمارين الاسترخاء، أيضًا ففيها فائدة عظيمة جدًّا لك، ارجعي لاستشارة بموقعنا تحت رقم: (2136015) وطبقي ما بها من إرشاد.

على مستوى التواصل الاجتماعي، لا بد أن يكون لك شيء ونصيب من هذا، الصداقات الطيبة مع الصالحات من الفتيات، الذهاب إلى مراكز تحفيظ القرآن، وهي كثيرة جدًّا في السعودية، هذا كله يجعلك تُنمّي نفسك، الناس يتحدثون عمَّا يُسمونه بالتنمية البشرية، ليست أكثر من ذلك، بناء النفس من خلال النفس، والاستفادة بما حبانا به الله تعالى من طاقات.

هذا هو الذي أنصحك به، وأنت محتاجة لعلاج دوائي بسيط جدًّا كداعم، عقار يعرف تجاريًا باسم (زيروكسات Seroxat)، ويسمى علميًا باسم (باروكستين Paroxetine)، سيكون هو الأنسب في حالتك، دواء بسيط جدًّا، الجرعة المطلوبة بسيطة جدًّا، تبدئين بـ 12.5 مليجراما من الزيروكسات CR وتستمرين عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجعلينها 12.5 يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ، ثم 12.5 مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأشكرك على ثقتك في إسلام ويب وعلى رسالتك الطيبة هذه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً