الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قسوة أبي عليّ ولدت لي خوفًا اجتماعيًا وكراهية للحياة.. كيف أعالج نفسي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مراهق، وعمري 17سنة، وأعاني من الرهاب الاجتماعي الشديد، وأعتقد أن السبب هو عنف والدي لي فهو يحاسبني على كل صغيرة وكبيرة، أنا عمري 7 سنوات كان يخرجني من البيت إلى الشارع بأسباب تافهة مثلا: تكلمت على إخواني - أو رميت ورقة في غرفتي- وإذا خالفت إخواني الأصغر مني سنًا يضربني ويعاقبني عقابًا شديدًا مثل: يحرمني من دخول البيت لمدة 3 أيام، ويهينني أمام الناس، صرت أخاف من إخواني حتى لا أستطيع التحدث مع الآخرين، حتى لو كان شخصًا واحدًا، أقلق عندما أكلمه.

لي 4 أصدقاء منذ سنوات لا أستطيع أن أكلمهم، وأنسى عندما يكلمني أحدهم، لقد دمر حياتي وسيضيع شبابي إن لم أعالجه من الآن ما الحل؟ علمًا أني لا أستطيع الذهاب إلى الطبيب خوفًا من أن أقول لأبي فيضربني، أو يوبخني - كيف أعالج نفسي لا تقولوا لي حاول أن تتحدث مع الآخرين لا أستطيع أبدًا- فهم يحتقروني، ما هو العلاج؟ ليس لي صديق كي أتحدث معهم، ومن أين أجلب الأصدقاء؟

ما الحل أرجوكم، كرهت حياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Faisal حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مسمَّى الرهاب الشديد أعتقد أن هذا تشخيص قاس جدًّا، ربما يكون لديك شيء من الرهبة والخوف في بعض المواقف الاجتماعية، لكن مسمَّى الرهاب الاجتماعي الشديد هذا لا أريدك أبدًا أن تقترن به أو تفكر فيه.

إذًا النقطة العلاجية الأولى: أنه قد يكون لديك بعض الخوف في بعض المواقف الاجتماعية، لكن ليس بهذه الصورة الضخمة التي تتصورها، وتذكر أن القلق في المواقف الاجتماعية وحدوث شيء من الخوف هو أمر جيد؛ لأنه يُساعد الإنسان على أن يكون يقظًا مراقبًا للأحداث حوله، كما أنه يكون منطلقًا في إخراج كلامه وترتيبه وجعل محتوياته محتويات مفيدة، لكن إذا زاد هذا الخوف هنا تأتي العلة، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: قطعًا منهج والدك في التربية لم يكن منهجًا صحيحًا، لكني أقول لك أن والدك لم يكن يقصد أبدًا أن يضرك، والدك كان يريدك أن تكون أفضل منه، أن تكون شابًا منضبطًا، أن تكون قويًّا، أن تكون مُطيعًا، هذا هو الذي يقصده والدك.

فيا أيهَا الفاضل الكريم: لا تحمل على والدك كثيرًا حول هذا الموضوع، ولا أريدك أن تتخذه كسببٍ، أنت الآن عمرك سبعة عشر عامًا، وتتكلم عن أشياء كانت منذ عشر سنوات، الذي يهمنا دائمًا في حياة الناس وتطورهم وارتقائهم هو الحاضر، ليس الماضي، وليس المستقبل، الحاضر هو الأساس الذي يقوم عليه كل شيء من أجل أن يتطور الإنسان.

أنت الحمد لله تعالى الحين عاقل، تميِّز، تفرِّق بين الأمور، حكمك على الأمور سليم، ومستبصر، هذا هو الذي يجب أن تنتهجه في تفكيرك، لكن لا تقول (حدث كذا وكذا في الماضي، وكان أبي يضربني، وكان) لا، علميًا وسلوكيًا نحن لا ننكر بعض التأثيرات التي قد تحدث من التنشئة، لكن مجرد صرف الانتباه لهذا الموضوع والتعلق به، وجعله هو السببية الرئيسية في الصعوبات التي يعاني منها الإنسان هذا ليس صحيحًا. والدك يحبك وليس في شك في ذلك أبدًا.

موضوعك بسيط: أنت تحتاج لتطوير الذات، وأنت تحتاج لبناء علاقات اجتماعية.

سؤالك من أين أجلب الأصدقاء؟ الأصدقاء موجودون - أيها الفاضل الكريم – التعرُّف المتدرج للصالحين من الشباب، وهم موجودون في مدرستك، موجودون في المساجد، موجودون وسط أقربائك، موجودون وسط جيرانك، كل هذه الأماكن موجود فيها الأصدقاء، ولا تستعجل في بناء علاقات عميقة، اختر شابًا أو شابين، التق بهم في صلاة الجماعة، وتلقائيًا سوف تجد أن التعارف بينكما بدأ يتطور ويتقدم، ومن ثم تتسع شبكة علاقاتك الاجتماعية، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: أريدك أن تكون شابًا متميزًا داخل أسرتك، هذا مهم جدًّا، لا خجل من الأسرة، لا خوف ولا رهبة من أفراد أسرتك، وحين تسعى أن تكون فعّالاً وممتازًا، وبارًا بوالديك، ومهتمًّا بإخوتك، وعلى النطاق الشخصي ترتِّب غرفتك بصورة مثالية وجيدة، ودائمًا تكون صاحب مبادرات إيجابية، هذا هو التطور الاجتماعي، هذا يهزم الخوف الاجتماعي تمامًا.

إذًا هاتان النقطتان مهمتان جدًّا، وأرجو أن تركز عليهما كثيرًا.

النقطة الثالثة: أن تجعل لحياتك هدفًا، انتهى عهد اضطهاد والدك لك - إن كان هذا التعبير صحيحًا -، الآن رتب نفسك، كن متميزًا في دراستك، وسوف تجد أن محبة أهلك ووالدك – على وجه الخصوص – لك سوف تكون متميزة، ضع برامج لتنظيم الوقت، للدراسة؛ لأن تكون فعلاً إنسانًا نافعًا لنفسك ولغيرك، وهذا يساعدك كثيرًا.

الرياضة الجماعية مهمة جدًّا، ممارسة كرة القدم مثلاً، أولاً تزيل الخوف، وتُذهب القلق والتوتر، وتحسِّن معارفك وعلاقاتك الاجتماعية، وتقوي نفسك وتقوي جسدك، وتطورك.

هذا الذي أنصحك به، أريدك أن تغيِّر، وهذه المفاهيم السالبة إنه من الضروري جدًا أن تُدرك أنك أنت الذي تستطيع أن تغيرها، وأنت الذي تستطيع أن تستبدلها، -والحمد لله تعالى- ما هو إيجابي موجود، كل شيء في الدنيا له ما يُقابله، فما هو سلبي يُقابله الإيجابي، وهو موجود، وأنت لديك مخزن كبير جدًّا من الإيجابيات، أخرجها وتفاعل معها واستفد منها، وسوف تجد أن حياتك قد تغيرت.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً