الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرضت لموقف غير حياتي وجعلني غير مستقرة، فبماذا تنصحني؟

السؤال

السلام عليكم.

الصراحة مشكلتي طويلة وكئيبة بنفس الوقت، ولكن سأحاول أن أختصر قدر ما أستطيع.

أنا فتاة جامعية، عمري 20 سنة، مشكلتي بدأت منذ سنتين، ولا زالت تلازمني إلى هذه اللحظة.

بدايتها كانت: أنني كنت خارج البيت للغداء، وجلست بمجمع تجاري، وفجأة التفت عن يميني، ورأيت خادمة تأكل، ولا أعلم لماذا شعرت باختناق؟ لدرجة أني أخرجت الأكل من فمي، لقد شعرت بضيقة في الصدر لا أعلم كيف أصفها، ولا أريد سماع صوت أحد، ولكنها لم تصل لمرحلة البكاء أبدا، كنت جالسة وممسكة بأمي لا أريدها أن تذهب، كان حالي كالأطفال.

لقد صدمت من شعوري، ومن ردة فعلي؛ لأنه لا يوجد شيء يحزن في الأمر، بدأت أقرأ المعوذات، وأذكر الله، ثم ما لبثت ساعة حتى زال عني ما أصابني، ولكن ليس كليا، فقد استمر لباقي اليوم.

والذي زاد الطين بلة؛ أني تخرجت من المرحلة الثانوية، وجلست سنة كاملة في البيت دون أي عمل أو مذاكرة، أو حتى ممارسة أي نوع من الهوايات، كنت فقط أسهر على التلفاز والهاتف والإنترنت، ويومي كاملا بالفراش دون حراك، فقد قطعت فكرة خروجي من المنزل؛ خوفا من أن تصيبني نفس الحالة.

أصبحت يا دكتور وسواسية جدا، أفكر بالموت كثيرا، وأخاف من الحسد والعين، ولم أكن يوم من الأيام هكذا أبدا، وعندما أشعر بأي ألم بسيط؛ أبدأ بالتفكير بأن بي مرض خطير، وأبحث في النت، وأجلس مشغولة البال فترة طويلة.

يا دكتور هذا الأمر أتعبني، حاولت أن أغير من حياتي، وأفكر بأشياء أخرى أشغل بها وقتي لأبعد التفكير الوسواسي، ولكن بدون جدوى.

دخلت المرحلة الجامعية، فقلت: من الممكن أن أشغل وقتي بالمذاكرة وبدروسي، ولكن ما زال هذا الأمر مسيطرا علي، أصبحت أكره الخروج من البيت إلا بصحبة أحد؛ خوفا من أن أختنق أو أشعر بالضيق، أو أن ترجع لي الحالة، وقد حاولت أن أسيطر على نفسي ولكن بدون فائدة، وأصبح قلبي ينبض بقوة بدرجة مخيفة، ونفسي ينقطع، وأشعر أن الدنيا تلف من حولي، شعرت كأن بي ذبحة صدرية.

ذهبت للطبيب، فلم يجر لي فحصا سريريا، فقط اكتفى بالأسئلة، وبقياس الضغط، وظهرت النتيجة أن ضغطي سليم جدا، وطلب مني فحص فقر الدم، فأجريت فحص الدم، وظهر أن دمي سليم أيضا -ولله الحمد والمنة-، وكانت النتيجة 13، وقال لي: إن ما أشعر به هو فقط توتر وإرهاق، ونصحني بالأكل السليم، وممارسة الرياضة، والنوم الجيد.

خف توتري عند إجرائي للفحص، وظهور النتيجة أنها سليمة، فأيقنت أن الذي أشعر به هو فقط توتر ووسواس، ولكن -يا دكتور- تعبت نفسيا من هذا الشعور، فبمجرد أن أبدأ بالتفكير فيه؛ يرجع إلي من جديد، أريد أن أرجع كما كنت، أريد أن أستعيد حيويتي ونشاطي، ووزني الذي فقدته بسبب التفكير والوسواس والحزن، فقد أصبحت أقضي وقتي على السرير، وعند النهوض أشعر بألم في صدري، ودوخة، حتى أنني لا أستطيع أن أقف لمدة 5 دقائق، فأرجع إلى فراشي.

وللعلم: أنا لا أشكو من الضغط، ولا من شيء، كما أن وضعي المادي والاجتماعي جيد، ولكن هذا الأمر حصل لي فجأة بدون سابق إنذار، ويكثر حدوث هذه الحالة عند نزول الدورة الشهرية، وأعلم أنه بسبب اضطراب الهرمونات.

أتمنى أن لا يكون العلاج دوائيا، فأنا لا أحب الأدوية، كما أنني أخشى أن تنعكس سلبيا على حياتي مستقبلا، أو عند تركها، كما أرجو أن لا تطلب مني أن أذهب لطبيب نفسي؛ لأن مجتمعي لا يسمح لي بذلك للأسف.

ومشكلتي الأخيرة: هي أن خطيبي لديه ضعف في عضلة القلب، فهو في حالة العصبية الزائدة، أو الغضب الشديد يتعب، لدرجة أنه لا يستطيع التنفس، ولا يتحسن إلا عند أخذ علاجه، وهي حبة صغيرة حمراء، يأخذها مرة في اليوم، وعند التعب يأخذ حبة أخرى، وأنا أخاف من أن يكون هذا المرض مميتا –لا قدر الله-، أو أنه سيضر به أو بي مستقبلا، فهو ما زال شاب عمره 22 سنة، وبدأ المرض معه عندما كان في 15 سنة تقريبا.

هل من الممكن أن ينعكس هذا الشيء سلبا على حياتنا المستقبلية؟ سواء بالعلاقة الحميمة، أو غيره؟ وهل يوجد حل جذري لمشكلته؟ لأنه أجرى عملية بسببها منذ أن كان في عمر 16 تقريبا، ولكن المشكلة ما زالت موجودة، علما بأنه رجل رياضي جدا، ويكثر من شرب الماء، ويحاول تقليل الملح والدهون وغيرها، ويمارس المشي والتمرينات يوميا، ويمارس السباحة.

أرجو الإجابة، وشكرا لك مقدما.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء.

ورسالتك واضحة جدًّا فيما يخص أعراضك.

أنا تدارستها، وأقول لك بكل ثقة: أن الذي تعانين منه يُعرف بقلق المخاوف الوسواسي، حدثت لك نوبة عند الاختناق، وما نتج عنه بعد ذلك من أعراض، هذه النوبة هي نوبة هرع أو فزع، وهي بالفعل تترك أثرًا نفسيًا سلبيًا جدًّا، تجعل الإنسان يعيش في خوف واجترارات نفسية متعددة، وشعور بآلام جسدية هنا وهناك، خاصة الانقباضات العضلية الصدرية.

أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو أن تقتنعي بما ذكرته لك أنك تعانين من درجة بسيطة إلى متوسطة من قلق المخاوف الوسواسي.

فحوصاتك -الحمد لله- كلها جيدة، والعلاج يتمثل في العلاج الدوائي.

أنا أحترم جدًّا وجهة نظرك، لكن هذه الأعراض لا تختفي إذا لم يتناول الإنسان أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف الوسواسي، وهي كثيرة، وكلها موجودة، وجيدة، وغير تعودية، ولا تؤثر أبدًا على الهرمونات النسوية.

تحدثي مع أسرتك -أيتها الفاضلة الكريمة–، واذهبي وقابلي الطبيب، إما الطبيب النفسي أو حتى طبيبة الرعاية الصحية الأولية، يمكن أن تصف لك دواءً مثل السبرالكس، وهو أفضلها وأحسنها لعلاج مثل حالتك هذه، ومدة العلاج هي ثلاثة إلى ستة أشهر.

الجوانب الأخرى في العلاج هي: تجاهل هذه الأعراض، ممارسة الرياضة كما نصحك الأخ الطبيب، وأعتقد أن نصيحته ممتازة جدًّا، النوم المبكر، ممارسة تمارين الاسترخاء، تنظيم الوقت بصورة صحيحة، الدعاء، الأذكار، والصلاة في وقتها، وألا تخافي من المستقبل أبدًا، المستقبل جميل -إن شاء الله تعالى– ،عيشي الحاضر بقوة، هذا هو الذي أنصحك به، وحياتك فيها أشياء جميلة كثيرة جدًّا.

بالنسبة لخطيبك: أسأل الله تعالى له العافية، أنت ذكرت أن لديه ضعفا في عضلة القلب، لكنه رجل نشط -والحمد لله-، يمارس الرياضة، وهذا لا يتماشى أبدًا مع ضعف عضلة القلب، والحبة الحمراء التي يتناولها أعتقد الإندرال، وهي علاج بسيط جدًّا.

لا تنزعجي، لكن دعي خطيبك –حفظه الله– يذهب ويقابل الطبيب المختص، واستأذني ذويك واستأذنيه أن تذهبي أنت معه لتكوني داعمًا له -مع الالتزام بالضوابط الشرعية في الخروج معه- وتسمعي من الطبيب حول الرأي الطبي، لكن من ناحيتي وحسب المعلومات المتوفرة أقول لك: -إن شاء الله تعالى– لن يُصيبه مكروه، والذي عنده لا أعتقد أنه وصل لدرجة الضعف في عضلة القلب، ربما يكون لديه بعض الخوارج القلبية البسيطة، أو شيء من القلق التوتري الذي يجعله يعيش في حالة تسارع في ضربات القلب أو شيء من هذا القبيل.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد وكذلك لخطيبك، وأن يتم الزواج على خير، وكوني إيجابية دائمًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً