الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تقمصتني روح زوجي، فتغير تعاملي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل المولى تبارك وتعالى أن يبارك في أعماركم وأموالكم وأولادكم كما نفعتم عامة المسلمين الذين ليس لديهم مُعينٌ بعد الله تعالى غيركم.

مشكلتي معقدةٌ بعض الشيء، ولا أعلم كيف أبدأ وكيف أنتهي؟!
سأسردها بأقصى ما أستطيع من اختصارٍ حتى لا أضيع وقتكم الثمين، وآخذ وقت إخواني المسلمين والمسلمات الذين يتلهفون لأجوبةٍ تريح قلوبهم.

مشكلتي باختصارٍ: أنني الآن أرملة، توفي زوجي -رحمه الله تعالى- قبل 10أشهرٍ تقريباً، وترك لي أربعة أطفال.

لم نكن على وفاقٍ قبل وفاته، وكانت مشاكلنا لا تنتهي، تزوجته هرباً من ظلم الأقارب؛ لأنني يتيمة الأبوين منذ صغري، تزوجته وعمري 16 سنةً وكان يكبرني بـــ 18 عاماً، وهذه ليست المشكلة، المشكلة أن معاملته لي ولأطفالي كانت أسوأ ما يكون، لا أريد ذكر التفاصيل -من باب اذكروا محاسن موتاكم- أسأل ربي أن يبدل سيئاته حسنات، وأن يحشره مع نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

مرضٌ عضالٌ أصابه ولم يمهله كثيراً سوى أشهرٍ معدوداتٍ، أخلصت في مداراته وبرّه في هذه الأشهر، لأني كنت أقول في نفسي: إن الله لم يكتب لي أن أبر والديّ ولكنه عوضني ببر زوجي.

توفي -رحمه الله- ولكن! بعد وفاته حدث لي شيءٌ غريبٌ، بدأت أخلاقي تتبدل؛ بدأت أُصبح قاسيةً على أطفالي، لا أتحمّل صوتهم أو كلامهم، لا أحب اللعب معهم، ولا أطيق أي شيء يخصهم.

تحولت أخلاقي عكس ما كنت تماماً: أصبحت قاسيةً، مهملةً، أحب العزلة، عصبية جداً لدرجة إيذاء الأطفال أحياناً، ولا أحب الاختلاط بالأطفال، ولا أحب المزاح، وكل الأمور أراها مصائبَ ومشاكلَ، مهما كانت المشكلة صغيرةً أراها كبيرةً ومعضلة، أرى الدنيا سوداء مظلمة.

باختصارٍ: أصبحت مثلما كان زوجي بالضبط، كل السلبيات التي كانت في شخصية زوجي -رحمه الله- أصبحت فيّ؛ بعدما كنت أقاتل كي أجعل زوجي يترك ما كان عليه.

ذهبت شخصيتي الحنونة المحبة للعب مع الأطفال، والعمل على راحتهم وجعلهم سعداء إلى العكس تماماً، بالإضافة إلى كثيرٍ من الصفات التي لا أحب ذكرها.

ماذا حدث لي؟ أرجوكم لا أعرف من أسأل؟ وأين أذهب؟ هل فعلا روح زوجي تقمّصتني؟ وهل هذا موجود في الإسلام؟

لا أزال مداومةً على الأذكار والرقية والصلاة، وخائفة أن أبدأ بالتقصير في واجباتي تجاه خالقي تبارك وتعالى.

أرجو الرد المفصل، بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً لك على التواصل معنا، وعلى مدحك لخدمات الموقع، ونحن نُسّر جداً من خلال تقديم ما نستطيع من النصح والإرشاد للمستشيرين.

وجزاك الله خيراً على برّ زوجك بالرغم من طريقة معاملته لك ولأولادكم، وعلى أنك تحاولي جاهدةً متابعة الطريق بعد وفاة الزوج -رحمه الله- فأنت الآن أمٌ وأبٌ للأطفال الأربعة.

لا يوجد ما يسمى تقمّص روح الميت لشخصٍ آخر، فاطمئني من هذه الناحية، ولكن ما يمكن أن يُفسّر تغيّرك هذا وبهذه الدرجة تفسيران:

الأول: -وربما هو الأغلب- أنك ربما ما زلتِ تعاني من فقدان الزوج، وأنك ما زلت في مرحلة الحزن والأسى، وهو وبالرغم من معاملته القاسية، فقد كان زوجك وأبو أطفالك... ولا شك أنك افتقدت الكثير من الجوانب من حياتكما معاً.

وهناك احتمال أنك تعاني من حالةٍ من الاكتئاب النفسي، وربما عندك بعض الأعراض الأخرى من اضطرابات النوم، وتبدّل الشهية للطعام، بالإضافة للعصبية والنرفزة، وضعف القدرة على تحمل أصوات الأولاد.

ولا تستغربي هذا الاحتمال مع أن الزوج قد توفي منذ 10 أشهرٍ، فأحياناً قد تمتد هذه الحالة من دون علاجٍ لعددٍ من السنين، وإذا كان هذا الاحتمال هو الأرجح، فأنصحك بمراجعة طبيبٍ نفسيٍ أو حتى أخصائيةٍ نفسيةٍ (psychologist)؛ لتتحدثي معها، ولتعينك على تجاوز هذه المرحلة التي أنت فيها، واطمئني فأنت ستتجاوزين هذه المرحلة.

والاحتمال الآخر: أنه لا يوجد اكتئابٌ، إلا أنك تحاولي أن تقلّدي أسلوب الزوج بالتعامل؛ لأنك لا شعورياً تشعرين بعظم المهمة المطلوبة منك من: رعاية الأسرة، وتربية الأطفال، أعانك الله ويسّر لك.

وربما تشعرين بأنه من دون بعض "القسوة" لن تستطيعي ضبط الأولاد.

وسواءٌ كان الاحتمال الأول أم الثاني، أو مزيجا من الاثنين، فأنت لا شك في حاجةٍ للدعم والمساعدة ممن يمكن أن يقدم لك المساعدة العملية في توجيه الأطفال ورعايتهم؛ كبعض أفراد أسرتك، أو الأصدقاء.

أرجو في زحمة الحياة وتحدياتها من وفاة الزوج، ومن ثم محاولة التكيّف من هذه التبدّلات، ومن ثم العمل على تربية الأطفال... في أثناء كل هذا أرجو أن لا تهملي رعاية نفسك، والرسول الحبيب يقول لنا: (إن لنفسك عليك حقاً)، فبالرغم من كل المسؤوليات والواجبات أرجو أن تخصصي وقتاً خاصاً لك؛ لتمارسي ما تحبين من الأنشطة والهوايات، لتبقي في حالةٍ نفسيةٍ طيبةٍ، ولتستطيعي العمل مع الأطفال وأنت في حالةٍ من الاسترخاء والراحة، فهذا أنفع لك وللأولاد.

وفقك الله، وخفّف عنك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً