الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس أفسدت ديني ودنياي.. كيف أتخلص منها؟!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منذ أن كنت في المرحلة الثانوية تقريبًا، جاءتني وساوس في عدد ركعات الصلاة، وصرت أشك كثيرًا، بعدها جاءتني وساوس الاستنجاء، وصرت عند ما أقضي حاجتي أضطر لغسل النصف السفلي كله، من أول ساقي كلها، وتعودت على ذلك، وفي نفس الفترة كان عندي وساوس شديدة في طهارة الأشياء، وأشك في انتقال النجاسات للأشياء بشكل غريب ومتعب، وبعد ذلك قمت بالسيطرة على نفسي إلى حد ما، ولكن وسواس الاستنجاء بقي معي.

منذ شهور جاءتني وساوس أخرى: مسألة النقود، كنت أقوم برد الباقي للبائع أكثر من مرة، وأشك كثيرًا، وصرت خائفة أن أكون أخذت شيئًا من زملائي بدون أن أخبرهم؛ لأنني صرت مرعوبة من فكرة أخذ شيء بدون وجه حق؛ لأن هذا حرام، ولكني -الحمد لله- تخلصت تدريجيًا من تلك المسألة، ولكني ما زلت أعاني من وسواس الاستنجاء بشكل كبير، ففي كل مرة أدخل فيها الحمام أضطر تقريبًا لأن أغسل جسمي كله ما عدا شعري؛ لأني رأيت أكثر من مرة قطرة بول على رجلي، وقطرات تأتي على جوانب رجلي؛ وذلك يمنعني من دخول الحمام خارج المنزل.

أنا في هذه الفترة أعمل، ولا أستطيع التخلص من وسواس الاستنجاء، ووسوسة انتقال النجاسات، حتى في أيام الدورة أظل في حالة قلق مستمر من انتقال النجاسات للأماكن التي أجلس فيها أو إلى الملابس أيضًا، وبعد أن عرفت أن المياه التي تخرج من الفرج بعد الاستنجاء غير طاهرة، صرت أوسوس كثيرًا، فصرت مرعوبة من أي نجاسة، وأنها من الممكن أن تنتقل للأشياء، وتصبح الصلاة باطلة؛ بسبب النجاسة.

هذا بالطبع غير وسوسة الوضوء التي أتعبتني أيضًا مؤخرًا؛ خوفًا من عدم وصول المياه لجزء معيّن من الجسم، كما أن عندي وسوسة من تكرار التأكد من غلق الأشياء أكثر من مرة، ومؤخرًا جاءني وسواس الحلف، فأوسوس أني حلفت على شيء وفعلته، ولكن هذا النوع من الوسواس لم يستمر معي طويلًا.

في هذه الفترة، بسبب وساوس الاستنجاء والوضوء وانتقال النجاسات؛ ذهبت إلى طبيبة نفسية، وكتبت لي في البداية دواء (فافرين)، قرص كل يوم، ولكني لم أجده، فذهبت لها، وغيّرت الدواء، ووصفت لي دواء (مودابكس)، كل يوم قرص مساء.

أريد أن أستفسر من حضراتكم: هل هذه الجرعة تكفي أم لا؟ لأنني قرأت أن الجرعة المتوسطة، هي قرصان، وليس قرصًا، أريد أن أعرف أيضًا ما هي المدة التي أحكم من خلالها على فعالية الدواء من عدمه؟ وإذا شعرت بتحسّن كيف أتصرف بعد ذلك؟ هل أزيد الجرعة أم أتوقف؟ وإذا لم أشعر بتحسن، ماذا آخذ بدلاً منه؟

أرجوكم، أفيدوني؛ لأنني قلقة من كلام الدكتورة، ولا أستطيع التنقل من دكتور لآخر؛ خشيةَ تعدد الأدوية.

شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على ثقتك في إسلام ويب.

بالفعل أنت لديك وساوس النجاسات، وكما تعرفين الوسواس من الأمراض الذكية، يغلق عليه صاحبه من هذا الباب، فيأتيه ويدخل من باب آخر، ولكن -بإذن الله تعالى- يمكن هزيمته بالإصرار وبتحقيره وتجاهله والاستخفاف به وعدم اتباعه والاسترسال معه.

هذه هي الثوابت التي أدعوك إليها -أيتها الفاضلة الكريمة-، وأرجو أن تحددي كمية الماء عند الاستنجاء، استعملي ماء الإبريق، ولا تستعملي ماء الصنبور، هذا على مسؤوليتي أقوله لك.

أرجو أن تطبقي هذا، وعند الوضوء أيضًا لا تتوضئي من ماء الصنبور، توضئي من ماء في إناءٍ أو إبريق، واعلمي أن الإسراف مذموم، ولو كنت على نهرٍ جارٍ -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم-، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ بالمُد، ويغتسل بالصاع -كما ورد-.

ثبتي هذه الأفكار واجعليها راسخة، ولا تترددي، وقولي للوسواس (أنت وسواس حقير، أنا لن أتّبعك أبدًا)، ولا تحسِّي بالذنب في موضوع البائع والباقي، لا، أنت بخير وعلى خير، ونفسك اللوامة تسلطتْ عليك، ودائمًا هذه الحالات وهذا النوع من الوسواس يأتي للطيبين والأفاضل من الناس، فاطمئني -أيتها الفاضلة الكريمة-.

بالنسبة للعلاج الدوائي: نعم، -إن شاء الله تعالى- هو ركيزة أساسية، وأسأل الله -تعالى- أن ينفعك به، (المودابكس) من الأدوية الممتازة، وأنا أريدك أن تتناوليه على نسق مرتب متدرج وعلى أسس علمية، ابدئي بنصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجرامًا-، تناوليها ليلاً لمدة عشرة أيام، يُفضل تناول الدواء بعد الأكل، بعد ذلك اجعليها حبة كاملة -أي خمسين مليجرامًا-، تناوليها ليلاً لمدة شهر، وهذه جرعة البداية التي نراها معقولة جدًّا، ثم بعد ذلك اجعلي الجرعة حبتين -أي مائة مليجرام-، وهذه هي الجرعة الوسطية الفاعلة والممتازة.

جرعة (المودابكس) يمكن أن تصل حتى أربع حبات في اليوم -أي مائتي مليجرام-، لكن -إن شاء الله تعالى- أنت لست بحاجة لهذه الجرعة. استمري على جرعة المائة مليجرام بانتظام، لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى حبة واحدة لمدة ستة أشهر أخرى، ثم نصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجرامًا- لمدة شهر، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا، يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

هذه هي الطريقة الصحيحة، والالتزام بالدواء في وقته مهم جدًّا؛ لأن البناء الكيميائي يعتمد على ذلك. في بعض الأحيان نعطي حتى ثلاث حبات من المودابكس، لكن لا أعتقد أنك سوف تحتاجين إليها، وفي حالة الوساوس المطبقة والمقاوِمة والتي فقد صاحبها الاستبصار -يعني أصبح يرى فيها شيئًا من المنطقية-، هنا نعطي مليجرام واحدًا من دواء يسمى (رزبريادون)، هذا مُدعم ومفيد جدًّا، لكن -إن شاء الله- حالتك بسيطة، وبالعزيمة والإصرار وتطبيق المناهج السلوكية التي ذكرناها بعمومياتها، مع تناول الدواء، سوف ينتهي هذا الوسواس تمامًا.

تمارين الاسترخاء أيضًا مهمة جدًّا؛ لأنها في أصلها هي من العلاجات المضادة للقلق، والوسواس فيه جزء كبير جدًّا قلقي، فاحرصي عليها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً