الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يئست من الحياة لتعسر أموري فيها..فهل من نصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تخرجت من كلية الحقوق، وحصلت على الماجستير، وعملت في الحكومة في وظيفة كنت أحبها، ثم بعد ذلك حصلت بعض الأمور ونقلت من مكاني الذي أحبه لمكان على النقيض تماما، وتوالت أحداث حياتي للأسوأ، ثم للأسوأ، وبت أشعر أنني لا أنجح في شيء مجددا، حتى موضوع الزواج فشلت فيه بالارتباط، رغم أني ولأكثر من سنتين أحاول أن أرتبط بفتاة.

قررت أن أسافر وأخوض تجربة السفر للخارج، فأنفقت فيه كثيرا، ولم أحصل على عمل، ولا أعرف ماذا أعمل، هل أرجع وأخسر فلوسي أم أكمل؟ لا أعرف كيف آخذ قراري.

شعرت أني فشلت في كل مهمة خضتها، في تعاملاتي الاجتماعية، فلو ظهر في أي علاقة شد أو غيره؛ أنسحب بهدوء، وأرفض المواجهة دائما.

فهل من نصيحة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء مصر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك أخي الحبيب في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت به فنحب أن نجيبك من خلال الأمور التالية:

أولا: اعلم أخي الحبيب أن طبيعة الحياة مجبولة على البلاء، ومقرونة بالتعب والنصب، وأي حديث عن أحد من الناس خالٍ من البلاء هو كلام واهم، وحديث فارغ، بمعنى أنه حديث نظري لا صلة له بالواقع، فلا يوجد في الحياة أحد لم يبتلَ في تلك الدار، وقد أحسن من قال واصفا الدنيا:

جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفواً من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلبٌ في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار

وهذا لا يعني أن نرضى بالألم، وأن نستسلم للضرر دون تغيير، لا أبدا، بل غاية الأمر أن نعلم أن هذا بلاء، وعليك أن تتعامل معه على أنه محنة من خلفها منحة إن شاء الله.

ثانيا: اعلم كذلك -أخي الحبيب- أن البلاء لا يقع إلا لحكمة، ولا يقع إلا بإذن من الله، وعليه فهو مراد من الله عز وجل، يعلم الله به الخبيث من الطيب، يبلونا ليعلم أينا أحسن عملا، وعدل الله قضى أن يقسم البلاء على جميع خلقه، كل بقدره، فمن الناس من يبتلى في بدنه، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من يبتلى بالجهل، ومنهم من يبتلى في ولده، أو زوجه، أو والده، أو أمه، الشاهد أن البلاء يتنوع، وهو في النهاية موزع على خلق الله عز وجل، قال الله تعالى: "ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون".

ثالثا: يقوي عزمك ويجعلك صلبا وقويا -أخي الحبيب- أن تعلم أن الله قدر عليك هذا لحكمة، وإيمانك بالله ينبئك أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، هذا الفهم هو الذي يدفعك إلى بذل العمل ومضاعفة الجهد، وإذا لم يترسخ عندك هذا الفهم فلن تتقدم خطوات بل ستتراجع خطوات، ولن تهدأ نفسك بل سيضطرب فؤادك، وقد قال أهل العلم: من لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيش.

رابعا: المؤمن -أخي الحبيب- يعلم قطعا أن الله لا يريد له إلا الخير، وأن ما هو فيه هو الخير له قطعا، ويؤمن أنه قد يتمنى الشر يظنه خيرا، ولا يدري، وقد يبتعد عن الخير عمدا وهو لا يعلم قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم).

فكن على يقين -أخي الحبيب- بأن اختيار الله لك هو الأفضل دائما، وهو الخير لك، وهنا سيطمئن قلبك ويستريح، فلا نريدك أن تقلق أو تضطرب، ومن يدري فقد يكون عين ما تخاف منه هو قلب ما تريده، وقد يكون ما تظنه شرا الآن هو الخير في الغد، وقد تكون تلك النازلة من ورائها الخير الذي لا تعلمه.

ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى * ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فُرجت وكان يظنها لا تُفرجُ

خامسا: نريدك -أخي الحبيب- أن تحدد هدفا واحدا، وأن تفرغ له وقتك، وأن تصبر عليه، فأنت الآن في مغترب، اجعل نصب عينيك الحصول على عمل، ولا تشتت نفسك بكثرة الأمور التي لا تقدر عليها في الوقت الحالي، مع أنها قد تكون ميسرة جدا بعد ذلك، فلا تتعجل -أخي-، واعلم أن الرزق مكفول، وعليك السعي، وسيقدر الله لك الخير إن شاء الله، ولذلك ننصحك -أخي الحبيب- بالجد وعدم اليأس مع الصبر.

سادسا: نريدك -أخي الحبيب- قبل اتخاذ أي قرار أن تستشير أهل الاختصاص، وأن تستخير الله عز وجل، والاستخارة كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه يقول: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: "إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ, وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ, وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَم, وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ, اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ, اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ. وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ).

وأخيرا: وثق علاقتك بالله، واعلم أن طلبك عند الله هين، نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً