الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من أمراض نفسية أثرت على عباداتي وصحتي الجسمية، فما علاجي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإخوة العاملون في إسلام ويب، جزاكم الله خيرًا على جهودكم الطيبة.

أنا وجدت أني في دائرة مغلقة، قمت بالكثير من المحاولات لمساعدة نفسي، حاولت حفظ القرآن لتنشيط الذاكرة، لكني دائمًا أنسى، لا أستطيع الحفظ، غيرت نمط حياتي، غيرت الرويتن، لكن لا نتيجة، قد أحس بفرق يومًا أو يومين، مما يعني أن الأعراض التي لديّ أقل حدة، وهذا ليس دائمًا، لكن بعد ذلك أرجع لنفس الحالة، متوترة من لا شيء، مشاعر مختلطة، لا أستطيع تحديدها.

لا أستطيع قراءة القرآن، ولا الصلاة، أنا منذ رمضان إلى الآن أصلي يومًا أو يومين، وبعد ذلك لا أستطيع، أُصبح بحالة عصبية شديدة دائمًا، أشعر بإرهاق في جسمي، رقبتي تضايقني منذ سنوات، أحس بدوار عند ما أسمع القرآن، أريد أن أنام، وإذا قاومت، تنتابني حالة عصبية، أشعر بآلام في كل جسمي، الألم يتنقل في كل الجسم، أحلام ليس عند النوم فقط، أحيانًا عند اليقظة في الآونة الأخيرة.

مؤخرًا، أغلب الأحيان أحس أن لديّ أكثر من شخصية، دائمًا في صراع داخلي بين ما أنا مقتنعة به وأفكار لا تمتّ لي بصلة، مثل: رؤية الدم، أريد أن أركز على عملي أو دراستي، أجد نفسي أسرح بتفكيري في لا شيء، ويُهيأ لي أحيانًا أني أرى دمًا، أو يخطر ببالي بشدة أن أؤذي نفسي، أو أني مجنونة أفقد عقلي، أنا قاومت كل هذه الأفكار سابقًا، لكن الآن أحيانًا أحس أنها صحيحة، مع أنني أعلم أنها خاطئة.

عند ما تحثني أمي على الصلاة، وتجبرني؛ لأني طلبت منها ذلك؛ لأني أعرف أن لديّ داء النسيان، ولكن عند ما نبهتني وألحّت، وجدت أني أصبحت عنيفة، مع أني أندم أشد الندم، وأطلب المسامحة والاعتذار بشدة، ولكن أجد نفسي أفعل ذلك مع أني لا أريد أن أفعله.

أحيانًا أجدني أحاول إقناع نفسي أني كافرة، والدليل: أني لا أصلي، وأنسى القرآن، وأني أصرخ أو أتكلم بعصبية مع أمي. ولكن أقسم بالله، إني أحب الصلاة، وكنت لا أرتاح ولا أهنأ إلا بين يدي لله، وأحب قراءة القرآن ليلًا، كنت أتلذّذ بالتلاوة.

أقسم بالله، أنا لا أدري ما الذي يحصل لي، أحيانًا يُهيأ لي أني أسمع صراخ أمي، كأنها تطلب النجدة، أو أن هناك شجارًا في البيت، أخرج، ولكن لا أجد شيئًا، الكل سعيد، ولكن تنتابني حالة فزع غير عادية حول كل ما يتعلق بدراستي وعملي أو ارتباطي بشخص يضايقني لأقصى حدّ، ليس لأني غير مهتمة، أنا أساعد الكل، ولكن عند ما يكون الموضوع له علاقه بي تكون هناك مشاكل.

صحتي تتدهور جدًا، لديّ ألمٌ في الرأس، عند ما أصاب بهذا الألم، مهما أخذت دواء، لا يفيد، مع العلم أني آخذ أدوية مفعولها قوي، وصفها لي أحد الأطباء. أحيانًا أصاب بتشنجات عضلية، مؤخرًا أحس بكامل الجانب الأيسر وحتى وجهي يصاب برعشة في الجانب الأيسر، ذهبت لطبيب، وعملتُ (اريام scanner)، وعملت كل الفحوصات والتحاليل، النتيجة: سليمة.

ذكرتُ للطبيبة أني أشك في الصرع؛ لأن التشنجات التي تصيبني مشابهة، عملت لي اختبارًا وتخطيطًا، قالت: إني بخير، ربما كل هذا عامل نفسي. دائمًا النتيجة هي عامل نفسي، ضغط نفسي، ولكن أنا لست مضغوطة، أنا أعيش حياة جيدة -الحمد لله-، كما أني أرى شبكة عنكبوت في عينيّ، وبها عُقَد سوداء، وقام طبيب العيون باختبارات، بعد ذلك، قال لي: ربما هناك عامل نفسي، ليس لديك أية مشكلة عضوية. أنا أحس كأنّ لدي شخصية ثانية تتكلم، بعد ذلك، كنت لا أرى أي شيء سوى دخان أبيض في كل الغرفة، مما يجعلني أجد صعوبة في رؤية ماذا ومَن بالغرفة؟ بعدها، أصابتني حالة خمول ونعاس وكان لديّ تشنجات عضلية.

آسفة على الإسهاب والإطالة، وكلّي أمل أن أجد المساعدة منكم.

شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى- أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يمتعك بالصحة والعافية، وأن يعيد إليك الأمن والأمان والاستقرار، وأن يعينك على إدارة نفسك وتحسين علاقتك بربك، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد في رسالتك –أختي الكريمة الفاضلة–، فإني أرى أن هذا التيه وهذا الضياع الذي تعانين منه لا بد له من أسباب حقيقية، سواء نعرفها أو لا نعرفها، ولذلك نتناول المشكلة من جهتين، الجهة الأولى: الجانب النفسي الروحي، ولذا أقترح عليك –بارك الله فيك– ضرورة العلاج بالرقية الشرعية، والرقية الشرعية -كما لا يخفى عليك- إذا لم تنفع فيقينًا لن تضر؛ لأنها مجموعة من كلام الله -تبارك وتعالى-، وكذلك مجموعة من أحاديث النبي –صلى الله عليه وسلم–، وبعض كلمات من الصالحين المجرّبين.

لذا أنصحك –بارك الله فيك– أول شيء بالعلاج بالرقية الشرعية، إن استطعت أن تقومي بذلك بنفسك فذلك حسن، وإن لم تستطيعي، فلتقمْ بذلك الوالدة أو أحد أقاربك، وإن لم يتيسر فلا مانع من الاستعانة بأحد الرقاة الشرعيين الثقات ليقوم برقيتك، بشرط أن يعطيك الوقت الكافي حتى تستفيدي من الرقية.

إذا قدّر الله، ولم تتحسن حالتك عن طريق الرقية، فأنا أنصح بمراجعة أخصائي نفساني؛ لأن هذا الشتات النفسي لا يستبعد أن يكون سببه نفسيا، وليس سببه شيطانيًا، لذا أرى أيضًا أنك في حاجة إلى مراجعة أخصائي نفساني ليقوم بمساعدتك –بإذن الله تعالى– وإعادة ترتيب أوراقك من الداخل، وإعطائك بعض المهارات التي بها تستعيدين ثقتك بنفسك، وتتمكنين فيها من مواجهة هذه المشكلات التي وردت في رسالتك.

كما أُضيف إلى هذا البرنامج ضرورة المحافظة على الصلوات في أوقاتها والاجتهاد في ذلك. أنت تقولين أنك أصبحت متباطئة أو متكاسلة، وقد يمر عليك وقت لا تصلين، وهذا خطأ؛ لأنك تعالجين الخطأ بخطأ أكبر منه، وتعالجين المشكلة بمشكلة أشد وأدهى وأمر، ولذلك لا بد لك من الصلاة والاجتهاد في ذلك والمقاومة قدر الاستطاعة، حتى تحافظي على علاقة حسنة مع الله، خاصة وأن الصلاة من بين سائر العبادات تؤدي إلى راحة نفسية واستقرار عجيب، لا يُوجد في أي عبادة أخرى من العبادات الشرعية.

كذلك أيضًا أنصح بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء، فإن فيها نفعًا عظيمًا، وهي حصن حصين، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعليك بالمحافظة عليها، وهي موجودة في كتيبات وفي مطويات وفي كتب وفي أشرطة، حتى إذا لم تكوني حافظة لها، من الممكن أن تقرئيها بإتقان من هذه المصادر التي أشرت إليها، خاصة المحافظة على التهليلات المائة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحًا ومثلها مساء، وكذلك (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع عليم) ثلاث مرات صباحًا ومثلها مساءً، وأيضًا (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) نفس الشيء. هذه بإذن الله تعالى سوف تنفعك نفعًا عظيمًا.

عليك -بارك الله فيك– بالدعاء والإلحاح على الله -تعالى- أن يشفيك؛ لأني ألاحظ أنك لم تستعملي هذا السلاح رغم أنه في غاية الأهمية، ورغم أنه من الأسلحة التي بها تستطيعين أن تدفعي عنك هذا البلاء تمامًا بإذن الله -جل جلاله-.

كذلك الإكثار من الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بِنيَّة أن يشفيك الله -تبارك وتعالى-؛ لأن هذا ما وعدنا به الله -تبارك وتعالى- على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-. كذلك الإكثار من الاستغفار، وطلب الدعاء من الوالدة، والاجتهاد في ذلك.

هناك أيضًا رقية شرعية للشيخ محمد جبريل –هذا المقرئ المصري– موجودة على موقع البحث جوجل، تستطيعين أن تستفيدي منها فائدة عظيمة -بإذن الله تعالى-، بأن تجعليها تعمل لمدة تسع ساعات ونصف؛ لأنك بذلك ستخضعين لجرعة إيمانية عالية جدًّا، -وبإذن الله تعالى- هذه الأذكار سوف تحرق ما يوجد من آثار شيطانية في جسدك.

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، ولا تنسي مراجعة الأخصائي النفساني، إذا لم تجدي تحسُّنًا من الرقية الشرعية، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.
++++++++++++++++++++++++++++++
تمت إجابة الشيخ/ موافي عزب، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
تليها إجابة د. محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان:
+++++++++++++++++++++++++++++
أعراض ضعف التركيز، والآلام الجسدية، والصداع، ومشاكل الشخصية، وكل الأعراض التي ذكرتِها، تأتي في بوتقة القلق النفسي وعدم الاستقرار النفسي، وكما ذكرتِ وتفضلت لا توجد هنالك أي أسباب واضحة لهذا التوتر وعدم الاستقرار النفسي، وفي مثل هذه الحالات –أي حين لا يكون هناك سبب حياتيّ ظاهر–، ربما يكون السبب الرئيسي يتعلق بالبناء النفسي لشخصيتك، فهنالك بعض الأشخاص لديهم الاستعداد للقلق وللتوتر؛ نتيجةً لهشاشةٍ في بنائهم النفسي.

طريقة العلاج في مثل هذه الحالة، هو الاعتماد التام على تنشيط الأنشطة اليومية والأفعال، وألا يكون حكمُكِ على نفسك من خلال مشاعرك، وأفكارك السلبية في المشاعر وكذلك الأفكار تضعف الأداء والقابلية للإنجاز عند الإنسان، وهنا يجب أن يفطن الإنسان لذلك، ويسعى ويثابر ويدير حياته بقوة ونشاط مهما كانت مشاعره، حين نُنجز سوف تتغير مشاعرنا وأفكارنا من سلبية إلى إيجابية.

إذًا هذا هو الذي يجب أن يكون عليه منهجك في الحياة، مع تنظيم الوقت وترتيبه بصورة منضبطة وإيجابية، فهذا هو أحد وسائل النجاح الأساسية لمن يريد بالفعل أن يجعل حياته ذات معنى وفائدة له ولغيره.

بالنسبة لتقصيرك في الصلاة وما ينتابك من كسل: الصلاة يجب أن تُتَّخذ كوسيلة علاجية في حد ذاتها، فإذًا أنتِ محتاجة أن تعيدي تنظيم أولويّاتك، لا تجعلي التكاسل والملل والقلق والضجر يُبعدُكِ عن الصلاة، لا، بل العكس تمامًا، دعي الصلاة تَكُنْ مفتاح الفرج والراحة لك، فاحرصي عليها، واعلمي أنها عمود الإسلام.

النوم المبكر مطلوب؛ لأنه يُحسِّن الذاكرة، إجراء تمارين رياضية تناسب الفتاة المسلمة، أيضًا نحسبه من العوامل المهمة جدًّا لتقوية الذاكرة وتحسين التركيز.

أنت -الحمد لله- ذهبت لعدة أطباء، وتم فحصك جسديًا، وكل شيء سليم، فأعتقد أنه قد حان الوقت لتذهبي أيضًا إلى الطبيب النفسي؛ ليعطيك المزيد من التوجيه والإرشاد، وفي ذات الوقت يصرف لك أحد الأدوية المضادة للقلق وللتوتر والمحسِّنة للمزاج، وهذه الأدوية كثيرة جدًّا، ومتوفرة في تونس، فأرجو أن تذهبي إلى الطبيب، وأنا متأكد أن أحد مضادات الاكتئاب والقلق سوف يساعدك كثيرًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، أسأل الله لك العافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً