الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عندما أغضب أو أتضايق لا أرتاح إلا إذا كسرت شيئاً!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..

أولًا: بارك الله لكم وفيكم على هذا الموقع المفيد والرائع، وجزاكم خير الجزاء.

ثانيًا استشارتي هي: عندمـا يحدث لي شيء سيئ أو شيء يضايقني أو أي ابتلاء من الله عز وجل، فأنا أحمد الله كثيرًا على ذلك، وأصبر، وأعلم يقينًا وأحسن الظن بربي أنه عز وجل سوف يجزيني خيرًا على صبري هذا، وحمدي له على أي ابتلاء أو أي شيء سيئ يحدث لي، ولكني للأسف عصبية جدًّا، وأغلب الأوقات أكتم ما يحزنني ويضايقني في داخلي ولا أُحدث به أحدًا، وهذه العصبية دائمًا ما تسبب لي تعبًا جسمانيًا، لذلك أحياناً عندما أغضب من شيء أو يضايقني شيء - بالرغم من حمدي لله وفي كامل رضاي على كل شيء قدره الله تعالى لي، ومن كل قلبي- لا أرتاح إلَّا إذا كسرت شيئًا أو صرخت بصوت عال جدًّا، وفي حال عدم وجود أحد معي في البيت، وأيضًا أصبحت أقوم بالضغط على أسناني دائمًا عندما أتضايق، حتى أني أصبحتُ أشعر بألم في أسناني بسبب هذه العادة السيئة!

سؤالي هو: هل هذا يُغضب الله تعالى مني؟ مع العلم أني - كما ذكرت - أكون راضية بكل شيء والحمد لله، وأعلم بيقين وأحسن الظن أن الله تعالى سيعوضني خيرًا فيما بعد، فهل عندما أقوم بأي شيء ممَّا ذكرت يعتبر عند الله عز وجل عدم رضا، أو يعتبر سخطاً، أو شيئاً من هذا القبيل؟ وهل بهذه الطريقة لا أجزى على صبري؟

أحيانًا أبكي وأفضفض لأمي وأقول لها: أنا متضايقة من كذا وكذا، فهل هذا أيضًا يعتبر شكوى لها؟ وهل بهذه الشكوى لا أعتبر صابرة لأني أشكو مثلاً؟ علمًا أني إذا حدثتها لم يكن في نيتي أن أشتكي، ولكن نيتي أن أفضفض عمَّا بداخلي لأحد يحبني مثل أمي حتى أرتاح ولو قليلاً.

وجزاكم الله خيراً، وبارك لكم وفيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، وأن يخفف عنك ما آلمك، وأن يعفو عنَّا وعنك. وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال النقاط التالية:

أولًا: إننا نستشعر جيدًا ما أنت فيه من ضيق وهمٍّ وألم، وندرك أن الغضب وسيلة قد تُخرج المرء عن طوره، أو قد تجعله يفعل ما لا يرضاه ولا يريده، ونسأل الله أن يعفو عنا جميعًا.

ثانيًا: اعلمي أننا نعيش في هذه الحياة الدنيا وهي مجبولة على الكدر والابتلاء، ومن يزعم أن بيتًا خاليًا من المشاكل هو قول نظري لا صلة له بالواقع، فما من بيت إلا وفيه هم أو غم، أو مشاكل من أي نوع، تلك طبيعة الحياة التي أوجدنا الله فيها:

طُبِعَـتْ علـى كَدَرٍ وأنت تريـدهـا *** صـفواً مـن الأقـذاءِ والأكـدارِ
ومكلِّـفُ الأيَّـامِ ضدَّ طـبـاعــها *** متطلِّبٌ فـي الـماءِ جَذوةَ نــارِ
فالـعـيـشُ نـومٌ والمنـيَّةُ يقظةٌ *** والمـرءُ بيـنـهـمـا خـيالٌ سـارِ
وإذا رجوتَ المسـتحيلَ فـإنَّـما *** تبني الـرجـاءَ عـلـى شفـيرٍ هـارِ

فعليك أن تدركي أنه ليس ثمة أحد في الحياة ناج من ذلك، لكن البلاء يتنوع من حال إلى حال، فمن الناس من يبتلى بالمرض، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من يبتلى بالزوج، ومنهم من بتلي بالتضييق عليه، المهم أن كل فرد يأخذ قدرا من البلاء، والملاحظ أن الجميع يعتقد -كل على حدة- أن بلاءه أكبر وأشد وأشق وأعظم بلاء، لكنه إذا رأى بعين الحقيقة عظم ما يقع فيه الناس لهان عليه مصابه.

ثالثًا: لا يعد ما قمت به من أفعال أو أقوال سخطاً على الله عز وجل ما دمت راضية بقضاء الله، مدركة أن الله لا يقدر لعبده إلا الخير، وأما حديثك إلى أمك بالصفة التي ذكرتها فلا يعد معصية، ونسأل الله أن يعافيك من كل مكروه.

رابعًا: قد ذكر أهل العلم علاجا للغضب نجمله في يلي:

1- العلم بأن الغضب نفخة من نفخات الشيطان الرجيم، لِيُهَيْجَ العبد فيقع فيما لا تحمد عقباه، وعليه فورا أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

2- الاجتهاد وتعويد النفس على الحِلْمِ والصبر، وتدريبها على ذلك، يقول (ﷺ): (وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ).

3- لزوم الصمت عند الغضب، فقد قال (ﷺ): (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ).

4- الوضوء: قال (ﷺ): (إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ).

5- تغيير الهيئة من القوة إلى الضعف، فإن كان قائماً فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع، فإن غلبه الغضب وعلم أنه إذا بقي في مكانه استمر غضبه، ونشط شيطانه، فعليه أن يفارق المكان الذي هو فيه إلى مكان تهدأ فيه نفسه، قال أبو الأسود كان أبو ذر - رضي الله عنه - يسْقِي عَلَى حَوْضٍ لَهُ فَجَاءَ قَوْمٌ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يُورِدُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، وَيَحْتَسِبُ شَعَرَاتٍ مِنْ رَأْسِهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا؛ فَجَاءَ الرَّجُلُ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْحَوْضَ فَدَقَّهُ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ قَائِماً فَجَلَسَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ لِمَ جَلَسْتَ ثُمَّ اضْطَجَعْتَ؟ قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ لنَا: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَجِعْ).

6- كثرة الدعاء أن يرزقك الله الحلم، وكلمة الحق في الغضب والرضا، فقد كان من دعائه (ﷺ): (وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ).

7- قراءة سير من ابتلوا فصبروا، وأُغضبوا فكظموا، وأُوذوا فَحَلِمُوا، وأعظم سير هؤلاء سيرة النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - فخير الهدي هديه (ﷺ)، ثم سيرة أتباعه الكرام ومن جاء بعدهم من أهل مكارم الأخلاق، ومعادن طيب الفعال، وكريم الخصال، قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ (ﷺ) وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ - أي نوع من الثياب يصنع بنجران حافته غليظة - فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ (ﷺ) قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ؛ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النبي (ﷺ)، فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ).

نسأل الله أن يعفو عنك وأن يصرف عنك كل مكروه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً