الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجتي شديدة الإنفاق ووالدها يرسل لها أموالاً.. هل أقبل بذلك؟

السؤال

تحية طيبة وبعد:
أنا شاب متزوج منذ عامين، وأبلغ من العمر 30 عامًا، وزوجتي تصغرني بعامين، ولدينا ابنة تبلغ من العمر سنة واحدة.

أنا وزوجتي نعمل في نفس المكان، وكل منا له راتبه، أتيحت لي فرصة السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأبدأ في مرحلة الدراسات العليا، وبالطبع ذهبت معي زوجتي، وعلى عكس الحياة قبل السفر، والتي كانت ميسورة، ولم نكن قط نحتاج لأي شيء؛ لأن راتبي كان كافيًا وبزيادة، بالإضافة إلى أن راتبها كان لها مطلق الحرية فيه لتنفقه كيفما تشاء، ولكن بعد السفر تغير الحال نظرًا لغلو المعيشة، ولم يعد هناك غير راتبي، والذي يكفي بالكاد، ويحتاج تدبر وحرص في النفقة حتى يكفي معيشتنا.

للأسف أنا وزوجتي ليست حياتنا تامة الهدوء، وإنما يشوبها الكثير من الخلافات، وتتمحور أساسها حول اهتمامي الزائد والتدقيق في كل شيء، والإتقان والإحسان في كل تعاملاتنا (الحفاظ على كل ما في البيت ليستمر أكبر فترة ممكنة، الاقتصاد في الاحتياجات، وإشباع الرغبات تدريجيًا دون إسراف، القناعة بما هو متاح، والصبر للحصول على الفرص الأفضل)، وغيرها من الرؤى العميقة في مناحي الحياة، ولكن زوجتي للأسف لها اتجاه آخر، وهو عدم المبالاة، والإنفاق الذي يصل إلى التبذير من وجهة نظري عملاً بمبدأ (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، وعدم الاهتمام بالحفاظ على ما نمتلكه، وبالتالي تحدث خلافات كثيرة بيننا رغبة مني في (((إثناءها))) تارة بالتحفيز، وتارة بالمشاجرة والخلاف.

وإحقاقا للحق، لزوجتي محاسن عديدة، فهي تحافظ على نظافة البيت الظاهرية، وتخدمني في المأكل والمشرب والمغسل وتربية البنت، وهي مطيعة، وتحاول أن تستجيب لطلباتي (الكثيرة)، ويسقط منها أيضًا الكثير، وأنا لست ملاكًا، وأتمتع أيضًا بعديد من السلبيات أهمها: الغضب الشديد، وعدم القدرة على الصمت على الأخطاء من وجهة نظري حتى لو كانت صغيرة.

ونظرًا لرغبتي في أن نعيش حياتنا مستقلين؛ فأنا دائم الرغبة في الإحساس برضاها بالعيش معي على قدر قدرتي، وأن ترضى بهذا، ولكن لزوجتي والد أنعم الله عليه بالثروة، وهو يرغب في إرسال الأموال لها لكي تساعدنا على ظروف الحياة (والحياة هنا في المتناول، ولكن بدون رغد)، وأنا أرفض بالطبع، فهل لي أن أتركها تحصل على هذه النقود، أم أرفضها؟

علمًا بأنني لن أقبل بصرفها على أمور حياتنا، ولكنني أنظر بعين أخرى، وهي هل أقبل أن تأخذ هذه النقود بمنطق تسهيل حياتها ورغدها، وأن تنفقها على ما تحب؟ ولكنني هنا أنظر إلى نقطة أخرى، وهي أن هذه النقود قد تجعلها تنفق بلا حساب، وتصل لمراحل من البذخ والتبذير من وجهة نظري؛ لذا فهل لي التحكم فيما تصرف من أموالها الخاصة بهدف الترشيد؟ الأمر معقد حقا بالنسبة لي.

وتظهر نقطة أخرى في الأفق، وهي أن هناك شبهات في أموال والدها، ولكنني لا أستطيع أن أجزم بذلك، وليس لدي اليقين من هذا الادعاء ولكنها أقاويل.

ان الأمر معقد ومتشابك في ذهني، فهل لكم أن تنصحوني بالتصرف الرشيد بما فيه رضى الله؟

ولكي أوجز يمكن تجميع النقاط في الآتي:
هل لي أن أقبل نقودًا من والدها؟ علمًا بأن حياتنا يمكن لها أن تستقيم بسهولة، ولكن بدون ترف؟

هل أتركها تأخذ النقود، أم أنها الآن مسئوليتها عليّ، ويجب أن تكيف نفسها على قدراتي؟

هل لي أن أتحكم فيما تنفق بهدف الترشيد وعدم البذخ، أم أنه تسلط مني عليها؟ علما بأنها شديدة الإنفاق إذا أتيحت لها الفرصة.

ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أ.ص.ح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أخي الحبيب- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظكم، وأن يرعاكم، وأن يقدر لكم الخير حيث كان وأن يرضيكم به.

وبخصوص ما سألت عنه؛ فإننا ابتداء نشكرك على إنصافك في الحديث عن زوجتك، وذكر ما لها من محاسن، وما تنكره عليها من مآخذ، وهذا يدل على عقلية عاقلة، وإنصاف في الحكم، نسأل الله أن تكون كذلك وزيادة.

ثانيًا: من المستقر عند أهل العلم (النفسي والاجتماعي) أن أشد السنوات وأقساها على الزوجين: السنوات الأول من الزواج؛ لأن كلا الزوجين لم يتعرف على الآخر بالقدر المطلوب، وثقافة كل واحد وعاداته التي عاش معها جل عمره لا شك أنها ستكون مصاحبة لها في السنوات الثلاث الأول، وحتما ستصطدم الرغبات والثقافات مع طبيعة الحياة الزوجية التي لا تبنى على المثالية، ونبشرك بأن هذا الأمر سيزول -إن شاء الله- ولكن يحتاج إلى حكمة وصبر وحوار حتى يقتنع كل طرف بميل الآخر، ويتفهم ذلك، ولن تستطيع أن تحارب عادات زوجتك إلا بالحوار؛ لأنها إذا اقتنعت واجهت هذا العادات والثقافات، وسيجزيك الله على صبرك خيرًا -إن شاء الله-.

ثالثا: من الجميل -أخي الحبيب- أن تكون الحياة الزوجة مبنية على الدقة، ولكن نلفت انتباهك لأمر هام، لقد ذكرت -أخي الحبيب- أن دقتك زائدة أي مبالغ فيها، وهذا بحسب تكوينك الفكري والثقافي، وترى كذلك أنها مسرفة بناء على معطياتك الفكرية، وهذا حقك، لكن في المقابل .. هل سألت نفسك كيف تنظر إليك زوجتك بناء على ثقافتها وعاداتها؟! إنها قد تظن أنك حريص أو بخيل، قد تظن أنك متعنت أو تبحث عن المشاكل؛ لأن الأمور التي تشتد غضبًا عليها هي بالنسبة لها أمور تافهة؛ ولذلك علينا حين نريد أن نقرب وجهات النظر أن تكون تلك الرؤية حاضرة عندك وعندها.

رابعًا: الحوار فقط والاستماع إلى الطرف الآخر، وفهم ما يريده والتوصل إلى حل وسط لا تفرض فيه الآراء فرضًا هو الكفيل بإذابة تلك الفوارق.

خامسًا: بالنسبة لأخذ المال من والدها قبل أن نجيبك نحن معك في أن الأفضل لك ولها هو النفقة من جيبك الخاص على كل ما يخصها من أمور، فهي زوجتك وأنت المسؤول عنها، ولذلك نقترح عليك بعض الاقتراحات:
- هل يمكن أن تبحث لك عن عمل إضافي؟
- هل يمكن أن تبحث لها هي عن عمل؟
- هل يمكن أن تخصص لها جزءًا متفقًا عليه من راتبك يكون خاصًا بها؟

إن كان أحد تلك الأسئلة جوابه إيجابًيا فنظن أن المشكلة قد حلت؟

سادسًا: إذا كانت كل هذه الأمور متعذرة، فلا ننصحك بالإذن لها كما لا ننصحك بالمنع، فإذا أراد والدها أن يرسل لها شيئًا هذا أبوها، غض الطرف كأنك لا تعلم، وليس لك أن تتحكم فيما آتاها من والدها، ومن الحكمة التغافل عن بعض الأمور الصغيرة.

نسأل الله أن يحفظكم من كل مكروه، وأن يقدر لكم الخير حيث كان، وأن يرضيكم به، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً