الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصابة بوسواس يحول كل كلمة سيئة أقولها أو أسمعها بأنني سببت الله ورسوله

السؤال

السلام عليكم.

أرجوكم ساعدوني أنا مريضة بالوسواس القهري، مشكلتي أنني كلما قلت أو سمعت كلمة قبيحة في داخلي أحس أنني سببت الله ورسوله، أعطيكم مثالا: في هذا الصباح كنا نتحدث أنا وأسرتي عن السحر والشعوذة وتلوت الآية الكريمة: (ولا يفلح الساحر حيث أتى)، وأنا أتلو هذه الآية في نفس الوقت نفسي الداخلية تقول لي: أنني سببت الله والرسول عندما ذكرتها.

وعلى نفس المنوال تأتيني بالنسبة لكلمات أخرى، أخاف أن أكون كافرة حلال الدم، أصبحت أعيش جحيم الشك واليقين.

وفي هذه الأثناء وأنا أكتب إليكم الوسواس يقول لي: أنني لا يجب أن أحكي بالتفصيل ما وقع لي من وساوس، وخصوصا حين قلت في سؤالي: 'في نفس الوقت نفسي الداخلية تقول لي: أنني سببت الله والرسول عندما ذكرتها'، رغم أني أحكي لكم فقط ما وقع لي الآن، نفسي تقول لي أنني قمت بسب الله والرسول بهذه الجملة؛ لأنني كتبتها بيدي رغم أنني أعرف أنه إذا استعصى على الإنسان أمر يجب أن يسأل العلماء وأهل العلم، فهل وقعت في الخطأ حين كتبتها؟ وهل عندما يشرح الإنسان ويكتب مشكلة السب وما قالته له نفسه يكون قد سب متعمدا؟

حالتي صعبة، لا أذوق طعم السعادة ولا الفرح، أرجوكم وأتوسل إليكم ساعدوني في أقرب وقت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سلوى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك أختنا العزيزةَ في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يمُنَّ عليك بعاجل الشفاء.
نحن نتفهم المعاناة التي تعانينها بسبب الوسوسة، فالوسوسة شر عظيم وداء مستطير، إذا تسلطت على الإنسان أفسدت عليه حياته، وما تحصدينه من الهم والغم بسبب الوسوسة هو غاية ما يتمناه الشيطان من الإنسان المؤمن حين لا يستطيع أن يصرفه عن إيمانه ولا أن يوقعه فيما يريده منه من الفواحش والقبائح، فإنه يسعى لأن يحول بينه وبين الأُنس بالطاعات والإكثار منها، ويحاول أن يُبغض إليه دينه وطاعته لربه بإدخال الحزن إلى قلبه، كما قال الله سبحانه وتعالى: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}.

وإذا أدركت هذه الحقيقة – أيتَها الأخت العزيزةَ – فاعلمي جيدًا أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى منك اتباع خطوات الشيطان والأخذ بما يُمليه عليك من الاحتياط للدين أو نحو ذلك بأنواع الوسوسة، والعلاج الأمثل لهذه الوساوس هو الإعراض عنها بالكليَّة وعدم الالتفات إليها، فلا تُعيريها اهتمامًا، ولا تُلقي لها بالاً، وكلما عرض لك عارض الوسوسة استعيذي بالله سبحانه وتعالى، واصرفي ذهنك عن التفكير فيه والاسترسال معه، وأشغلي نفسك بالشيء النافع في أمر دينٍ أو أمر دنيا، وإذا صبرت على هذا الطريق وثبت عليه فإن هذه الوساوس ستزول عنك - بإذنِ الله تعالى – وسييئس الشيطان منك وينصرف إلى غيرك.

وأما ما ذكرته من الوساوس في شأن سب الله أو سب الرسول: فكلها مجرد أوهام ووسوسة، لا يُبنى عليها حكم، ولن تؤثر على دينك، فأنت ولله الحمد على إسلامك وإيمانك، ومن أكبر الأدلة على وجود الإيمان في قلبك خوفك من هذه الوساوس ونفورك منها، وخوفك من عقاب الله تعالى، فهذا دليل على وجود الإيمان في القلب، ولولا وجود الإيمان لما تألَّم القلب وانزعج حين وردت عليه الوسوسة، وقد جاء بعض الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – يُخبروه بقريب من الحال التي تعانينها أنت، فلما سمع منهم النبي - صلى الله عليه وسلم – ما وصفوه له من كراهتهم للوسوسة، وأن الواحد منهم لو خُيّر بأن يُحرق بالنار حتى يصير حُممة أو يتكلم بهذا الذي يجده في صدره، لاختار أن يُحرق، لمّا أخبروه بهذا قال لهم - عليه الصلاة والسلام -: (ذاك صريح الإيمان) فجعل كراهتهم لها وخوفهم منها ونفورهم دليلاً على وجود الإيمان في قلوبهم.

ولذا فنحن نوصيك بأن تذهبي ذهنك عن التفكير فيها، لا تهتمي بها، ولن تؤثر على إسلامك، ولكنها تحول بينك وبين الأُنس بذكر الله تعالى، والأنس بطاعته، وهذا ما يريده الشيطان، فأغلقي عليه الباب بانصرافك عنها واستعانتك بالله تعالى، والاستعاذة به، وستذهب عنك عن قريب كما قلنا بإذن الله تعالى.

+++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي: مستشار الشؤون الأسرية والتربوية/ تليها إجابة د. محمد عبد العليم: استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان:

أنت بالفعل تعانين من وساوس قهرية سخيفة المحتوى، ووساوسك وساوس فكرية، وصاحب الوساوس مثل المُكره، فلا ذنب عليك - بإذن الله تعالى – هكذا أفاد علماؤنا الأفاضل.

أيتها الفاضلة الكريمة: أبشرك أنك - إن شاء الله تعالى – سوف تذوقين طعم السعادة والفرح بعد أن يزول عنك هذا الوسواس؛ لأن وساوسك وساوس محتوى - أي وساوس فكرية، وليست وساوس أفعال - والوساوس الفكرية تعالج علاجًا ممتازًا عن طريق الأدوية، وكذلك من خلال تجاهلها والإغلاق عليها.

إن تمكنت من مقابلة طبيب نفسي فهذا أمر جيد، وإن لم تتمكني فعليك بثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن تستعيذي بالله تعالى من هذه الوساوس وتنتهي، وقولي: (آمنت بالله) بمعنى أن لا تناقشي الوسواس، لا تحاوري الوسواس، أغلقي على الوسواس، ارفضي الوسواس، وحين تأتيك فكرته قولي له: (أنت وسواس حقير، لن أناقشك، أنت تحت قدمي، أنت مُهان، أنت لست جزءًا من حياتي) وهكذا، وهذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية: عليك بالدواء؛ لأن التجارب والبحوث العلمية أثبتت أن أصحاب الوساوس الفكرية على وجه الخصوص لديهم اضطراب في بعض المواد الموجودة في الدماغ، ومنها على وجه التحديد مادة تسمى بالسيروتونين، وهذه يحدث فيها اضطراب شديد في إفرازها، ولذا الأدوية تضعها في مسارها الصحيح مما يزول معه الوساوس.

هناك عدة أدوية من أفضلها من وجهة نظري عقار يعرف تجاريًا باسم (بروزاك) ويسمى علميًا باسم (فلوكستين)، والجرعة هي أن تبدئي بكبسولة واحدة، تناوليها بعد الأكل لمدة أسبوع، ثم اجعليها كبسولتين في اليوم لمدة أسبوعين، يمكنك أن تتناوليها كجرعة واحدة، ثم اجعليها ثلاث كبسولات في اليوم، تناولي كبسولة واحدة صباحًا وكبسولتين ليلاً، استمري على هذه الجرعة العلاجية لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعليها كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم اجعليها كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء.

وتوجد أدوية أخرى منها ما يعرف تجاريًا باسم (فافرين) ويسمى علميًا باسم (فلوفكسمين) وكذلك (زولفت) واسمه الآخر (لسترال) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين) وكلها أدوية فعالة جدًّا لعلاج هذا النوع من الوسواس.

أنا أؤكد لك أن الوساوس سوف تزول وتنتهي تمامًا إذا التزمت بالعلاج، والدواء غير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسوية أبدًا.

النقطة الثالثة متعلقة بالنقطة الأولى، وهي: الإغلاق على الوسواس ورفض الوسواس، نضيف إلى ذلك أن تربطي الوساوس بتفاعلات أو أفعال منفرة، وأفضل منفر هو أن يُسقط أو يُوقع الإنسان الألم على نفسه، لتطبيق هذا التمرين البسيط: اجلسي وأنت مسترخية أمام الطاولة على الكرسي، وفكري في الوسواس، وأغمضي عينيك، وفي نفس اللحظة قومي بالضرب بشدة على يدك على سطح الطاولة حتى تحسي بالألم.

الهدف هو أن تربطي ما بين الألم والوسواس، كرري هذا التمرين عشر مرات متتالية بمعدل مرتين في اليوم، يُضعف الوسواس ويزيله تمامًا.

ويمكن استبدال عملية ضرب اليد على الطاولة بأن تضعي في رسغ يدك رباطا مطاطيا - الذي تُربط به الأوراق المالية - ثم قومي بجذبه وشده بقوة إلى منتهاه ثم تركه وإطلاقه على يدك لتحسي بالألم وذلك حين تستجلبين الفكر الوسواسي، ونريد هنا أن يكون الألم شديدًا حتى ينصرف الفكر الوسواسي، هذا تمرين أيضًا بسيط وممتاز وسهل، وإذا كُرر فسوف تستفيدين منه كثيرًا.

وعليك أيضًا -أيتها الفاضلة الكريمة- بإشغال نفسك بأشياء أخرى مفيدة، وعليك بتمارين الاسترخاء، ولتعلمها ارجعي لاستشارة بموقعنا تحت رقم (2136015) سوف تجدين فيها إرشادات بسيطة، ولكنها مفيدة وجيدة - إن شاء الله تعالى - أرجو أن تأخذي بما أوردناه في هذه الاستشارة، وكذلك ما ذكره الشيخ أحمد الفودعي، أرجو أن تأخذيه مأخذ الجد وتطبقيه كما ورد، ولا تجعلي الوسواس يستدرجك ويفقدك الثقة فيما ذُكر لك.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • samir

    شكرا لهده المعلومات لقد نفعتني

  • مصر ريم

    شكرا جدا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً