الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عند الخوف من شيء أقوم بتأجيله وأكره الناس لأشكالهم!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا إذا خفت من شيء أقوم بتأجيله كثيراً -كما ذكرت لكم في استشارتي السابقة-، عندما ذكرت خوفي من أن أطلب من أهلي الذهاب مع صديقتي، قمت بتأجيل الطلب إلى أن بقي على الموعد مع صديقتي ساعة ونصف، فعندها صارحت أمي وطلبت منها الذهاب مع صديقتي، فوافقت أمي، أو خفت من الذهاب لمكان أقوم بتأجيل الذهاب إليه كثيرا، أو خفت من الذهاب لطبيب أو شيخ أو أي أحد أقوم بتأجيل الذهاب إليه عدة مرات حتى يباغتني الوقت، ولا يصبح عندي وقت للطلب أو الذهاب للمكان الذي أريده، فأندم على تضييع وقتي وتأجيلي المتكرر لهذا الأمر، وعدم قيامي به بوقته المناسب.

لا أعرف لماذا أشعر بالخوف والتوتر والقلق وعدم الراحة وأنا أكتب لكم هذه الاستشارة، وكأنني نسيت أن أكتب شيئا مهما أردت كتابته لكم!

ومعظم استشاراتي وأسئلتي وأنا أكتبها أشعر بالتوتر وعدم الراحة، وكأنني نسيت كتابة شيء مهم -يمكن أصابني هذا الوسواس من كثرة النسيان الذي يحدث لي، أصبحت بكل لحظة أشعر وأحس بأنني نسيت شيئا مهما أردت كتابته-، هل من الممكن أن يكون النسيان هو سبب وسواسي الدائم وقلقي وتوتري؟ أي: هل من كثرة النسيان أصبحت أتخيل وأتوهم بأنني نسيت شيئا؟ فقد أصبح النسيان صفة ملازمة لي، أريد حلاً أرجوكم؟

عندي أيضا حالة نفسية، وهي أنني إذا رأيت أحدا فيه شيء قبيح لا أستطيع أن أحبه حتى ولو كان هذا الشيء بسيطاً، مثلا: لو كان الشخص جميلاً وأخلاقه عالية، لكن فيه حبوب بوجهه فلا أستطيع أن أحبه، ودائما أتخيل هذه الحبوب، وإذا فكرت فيها أشمئز منه، أو مثلا فيه شقوق وشطوب بكعب القدم، أو لديه أصبع مشوه، أيضا نفس الحالة، لا أستطيع أن أحبه، وأشمئز منه.

مع العلم أنني لدي أشياء قبيحة قد يشمئز منها أي شخص مثل حالتي، وأنا أيضا أشمئز من نفسي بعض الأحيان، فهل هذا شيء طبيعي أم حالة نفسية ومرضية؟

وشكرا لكم، وأرجو من الله أن تكون هذه آخر استشارة لي خلال هذه الأيام المقبلة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نوير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مشكلتك هي تأجيل الأمور، وتتخوفين من قبول شخص رأيت فيه شيئاً قبيح، وهذا ناتجٌ من فكرٍ وسواسي مسبق، فأنت على مستوى العقل الباطني تضعين شروطًا شديدة على نفسك، هذه الشروط أدت إلى التردد في فعل الشيء، والتردد معطل.

وبالنسبة للشخص الذي ترين فيه شيئاً قبيحاً أيضًا على مستوى العقل الباطني أنت وضعت الشروط على نفسك وعلى تفكيرك أنك إذا رأيت أي شيء قبيح بمعاييرك أنت فلن تقبليه، هذه وساوس استباقية شرطية أدت إلى مشاعرك هذه – مشاعر الخوف والتأجيل – وكذلك ضعف التركيز، لأن النسيان أحد مسبباته الرئيسية هي القلق، والقلق هو جزء أساسي كمسبب للوسواس القهرية.

التجاهل مهم جدًّا لمثل هذا الفكر، والإصرار والعزيمة، والإكثار من الاستخارة، لكن يجب أن تكون على شروطها الشرعية، فإن قررت أن تذهبي إلى مكان ما، أو تقابلي شخصًا ما، لا مانع من أن تستخيري، لكن ليست الاستخارة التي يتحدث عنها الناس، وهي أنني لن أقوم بهذا الشيء لأن قلبي لم يرتح له، لا، الاستخارة كما قال سيدنا عبد الله بن جابر (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمنا الاستخارة في كل شيء كما يعلمنا السورة من القرآن) والاستخارة بهذا المفهوم هي أن تسألي من بيده الخير وهو الله سبحانه وتعالى أن يختار لك، وأن يسخر لك أحد الأمور التي عزمت عليها.

نقطة سيكولوجية أخرى مهمة، وهي: أنه من الضروري والمهم جدًّا أن يكون هنالك توازن في التفكير، فما أحبه ليس من الضروري أن يكون الأفضل لي أو الصحيح، وما لا تقبله نفسي أو لا أحبه أو لا أحس بالارتياح حياله ليس من الضروري أن يكون سيئًا أو سلبيًا، هذا ما قرره القرآن، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تُحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، إذًا هذا التوازن مهم جدًّا في التفكير، وهذا التردد ينتهي بتذكرنا والعمل بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم -: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز).

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً