الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الخوف من الموت ومن أفكار وهواجس مزعجة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الله العلي العظيم أن يعلمنا ما ينفعنا, وأن ينفعنا بما علمنا، جزاك الله كل خير, وبارك في عمرك, وفي أولادك يا دكتور على ما تقدم من علاج ونصائح.

أخي العزيز الدكتور: أنا شاب عمري 26 سنة, بفضل الله متفوق أكاديميا, وقد حصلت على نتائج متقدمة جدا, وعلى منح دراسية, وأنا في طريقي إن شاء الله لاستكمال دراساتي العليا.

أواجه حاليا مشكلة نفسية, ففي حالات ينتابني شعور بأنني سأموت قريبا من ذهابي لمكان معين, أو عند العزم على النوم, وذكر الموت في أغلب اللحظات لا يفارقني, وأصطنع لنفسي مشاكل وهواجس قديمة, كنت قد أخطأت وارتكبتها في الماضي, بأنها تلاحقني هذه الأيام, وستدمر حياتي, وأفقدني ذلك القدرة على الاستمتاع بالحياة, وبأي شيء جميل.

أفكر كثيرا في المستقبل, وفي المرحلة القادمة, وأكره الواقع الذي أعيشه حاليا كونه مرحلة انتقالية, ومن كثرة التفكير وشد الأعصاب أصبت مؤخرا بديسك في الفقرة الخامسة والرابعة في الرقبة, يسبب لي ألما في الرأس, وفي العينين.

آسف على الإطالة يا دكتور, فأنا قرأت عدة استشارات طرحت على حضرتك من هذا القبيل, وأعجبت بتحليلك لشاب مثل حالتي, وقد أوصيته بالرقية الشرعية, وتناول دواء معين.

أرجو من الله أن تقدم لي النصيحة والإرشاد, فقد افتقدت في هذه المرحلة للذة الحياة, وللاستمتاع بنجاحاتي, وتناقص وزني لفقدي شهية الأكل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله تعالى أنت من المتفوقين ومن المتميزين أكاديميًا، وأعتقد أن هذه القاعدة صلبة وجوهرية يمكنك أن تنطلق من خلالها لتطوير مهاراتك وللاستمتاع بحياتك.

شعورك –أيها الفاضل الكريم– هو نوع من القلق الاستباقي الوسواسي, وموضوع الخوف من الموت, ووضع بعض الأفكار الفرضية الوسواسية المحزنة دليل على أن الهواجس والوساوس هي التي تحرك هذه المشاعر لديك، وقطعًا هذا يؤدي إلى بعض الشعور بالكرب ودرجة بسيطة -إن شاء الله تعالى- من عسر المزاج.

أيها الفاضل الكريم: أنا أريدك أن تتعامل مع وضعك النفسي هذا بإيجابية، والإيجابية تأتي من خلال إعادة صياغة الأفكار، بل ترتيب هيكلتها على أسس جديدة, الذي يأتيك هذا هو قلق وسواسي ويمكن أن توجهه توجيهًا إيجابيًا، بمعنى أن تكون لك العزيمة والإصرار على أن تُنجز ما تريده في الحياة، وأن تنظم وقتك، وأن تحدد أسبقياتك، وأن تكون فاعلاً ونافعًا لنفسك ولغيرك.

هذا تغيير فكري يعتمد على قوة العزم والإصرار والبصيرة عند الإنسان، وأنا أراك -إن شاء الله تعالى- من أولي الألباب ومن المستبصرين الذين يستطيعون أن يشقوا طريقهم في الحياة نحو النجاح بكل اقتدار.

هذه الأفكار حول الموت والخوف منه خاصة عند العزم على النوم: أخي الكريم: أذكار النوم عظيمة جدًّا، ومن يمعن فيها ويتأملها يجد فيها رحمة عظيمة، تبعث الطمأنينة في القلب، مثل (اللهم بك وضعتُ جنبي وبك أرفعه، اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) ومثل: (اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهتُ وجهي إليك، وفوضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت) هذا كلام عظيم جدًّا، يبعث الطمأنينة الكاملة في نفس الإنسان.

إذن الحرص على أذكار النوم أيًّا كان نوعها ضروري ومهم، والتعامل مع الخوف من الموت يجب أن يتم من خلال مفهوم فكري معرفي، وهو أن الإنسان يستطيع أن يُدير حياته لكنه لا يستطيع أن يدير شأن موته، لذا يجب أن يسعى في الحياة بكل ما يستطيع، وأحد الأركان الأساسية لسعيه هو أن يعمل لما بعد الموت، وفي ذات الوقت يكون الإنسان فاعلاً مرتبًا منتجًا غير متشائم.

والصلاة -يا أخِي الكريم– في وقتها ومع الجماعة, وتلاوة القرآن الكريم؛ تبعث طمأنينة عظيمة جدًّا في النفس، ووجدنا أيضًا من ملاحظاتنا العامة أن بر الوالدين يعطي جرعات كبيرة من الطمأنينة إلى النفس وتهذيبها، ودفعها نحو الاتجاه الصحيح.

أيها الفاضل الكريم: لا بد أن تعطي للرياضة أهمية في حياتك، والتواصل الاجتماعي أيًّا كان نوع مهم، والنوم المبكر أيضًا مهم وذو فائدة عظيمة جدًّا، والرقية الشرعية لا شك أنها يجب أن تكون جزءً من حياتنا.

أنا أعتقد أنك سوف تستفيد كثيرًا من تناول جرعة دواء بسيط مثل عقار يعرف تجاريًا باسم (زولفت) ويعرف أيضًا تجاريًا باسم (لسترال) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين) وربما تجده في الأردن تحت مسميات تجارية أخرى، حيث إن الأردن بها منتجات دوائية محلية ممتازة جدًّا، وهنالك التزامًا واضحًا بضبط الجودة في إنتاج هذه الأدوية.

إذًا تحصل على السيرترالين، وابدأ بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا –أي نصف حبة– تناولها ليلاً، وهذه جرعة بسيطة جدًّا وصغيرة، ارفعها بعد عشرة أيام إلى حبة كاملة لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر عبدالله

    جزاكم الله كل خير

  • زهرة محمد

    مشكور جدا جدا قراءة كلامك واعجبني جدا جدا فعلا ذكرك لنص قبل النوم " بسم الله أضع جنبي.." فعلا في التمعن تحسس بطمائنينة والله كريم ورحيم ..قادر ان يبعث الطمائنينة في نفوسنا

  • أمريكا Mido

    اعانى من الخوف من الموت وافكر به كثيرا وهذا يعكر مزاجي وذهنى يشرد منى كثيرا ويأتينى التوتر والقلق ويأثر عليا عصبيا وعلى اعضاء جسمى ويحزننى كثيرا ويؤثر على القولون ومعدتى ونصفى الايسر خصوصا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً