الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من خوف مرضي من الزواج

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أبلغ من العمر 31 عاماً، غير متزوج، مريض بالقلق والوسواس القهري ولم أشف منه حتى الآن, وبسبب هذا المرض الذي أعاني منه أني كنت قد اتخذت قراراً بعدم الزواج لكون هذا المرض سبب لي آلاما وخوفاً وقلقا، ولا أريد أن أكون سبباً في نقل هذا المرض إلى أولادي, وبطبيعة الحال لا أنسي دور تربية والدي السيئة بعصبيته دائما ووسوسته، فدوره مقتصر على المصاريف التي يعطيها لنا، فلا نصيحة ولا تشاور ولا رأي فيما بيننا، بل زرع العصبية والخوف والشك فينا من صغرنا.

لا أظن أني أو أي أحد من إخوتي بكى في حضنه أو استشاره لأمر ما، فهو دائم المشاكل مع والدتي وإخوتي، وهذا كان ينتج عنه مشاكل بيني وبينه؛ مما جعلني كثيرا أدخل في مشاكل وجدال معه أوصلني إلى أن أحدثه بألفاظ لا تليق -سامحني الله- وهذا كان سببا آخر في عزوفي عن الزواج، فلا أريد أن أنجب أطفالا يسيئون لي كما أسأت أنا لوالدي.

ولكن يا سيدي الفاضل: جاء اليوم الذي اشتقت فيه إلى الزواج، وتقدمت لفتاة ورحبوا بي كثيرا، وقرأنا الفاتحة، ولكن يا سيدي لم أستطع أن أكمل مشوار الزواج بسبب القلق الشديد والتوتر من الزواج ومسؤولياته، والأعباء المادية -رغم أن أسرتي مرتاحة مادياً-، والوسواس الذي داهمني عقب قراءة الفاتحة.

سيدي: حاليا لا أشعر مثل أصدقائي بالحنين إلى تكوين أسرة ولا أدري لماذا؟

عندي شك عظيم في النساء، وتشكلت لدي قناعة بأنهن خائنات بالفطرة؛ وذلك لما أراه من ضحك ومزاح بين النساء العاملات وزملائهن من الرجال في العمل.

كثيرا ما أتساءل ما فائدة الزواج والأولاد غير المشاكل والمسئوليات؟ أقول لنفسي دائما طالما لا أعصي ربي فلا ضرورة للزواج ومشاكله ومسئولياته؟

عندي قناعة أراها منطقية: أني لو تزوجت سأندم كثيرا؛ لأن الزواج سيكون سببا في قلقي الشديد وخوفي ووسواسي، وطبعا هذه القناعة ليست من فراغ؛ لأنه بالفعل حين أقدمت على الخطوبة في المرة الأولى تعبت كثيرا، واستجبت للوسواس ولم أكمل، وأخشي لو تزوجت أن أستجيب للوسواس وأطلق زوجتي حتى أرتاح من عذاب الخوف والقلق والوساوس.

سيدي حقيقة في هذه الأيام أرى العمر يتقدم بي، وأفكر مرة أخرى أن أتزوج، لكن هل شخص بهذه المواصفات ينفع أن يكون زوجا؟ وهل أخبر من أنوي الزواج بها بحقيقة مرضي؟ وهل مرض الوسواس ينتقل بالوراثة؟

وأخيراً: هل ثمة فرق بين الطبيب النفسي والأخصائي النفسي؟ وسبب طرحي لهذا السؤال هو أنني تعالجت لمدة 5 سنوات عند طبيب نفسي، وخلال تلك الفترة الطويلة لم يعطني الطبيب سوى أدوية فقط (انافرانيل، وبروزاك)، ولم يكلمني أبداً عن العلاج السلوكي، أو مثلا يكلمني عن دوري أنا في مقاومة الوساوس كتحقيرها وتجاهلها وعدم الاستجابة لها، وغيرها من الوسائل التي دائما تذكرها أنت في ردودك.

حقيقة تجربة ال 5 سنوات مع الأدوية جعلت عندي انطباعا سيئا عن الأدوية؛ لأنها لم تأت بنتائج مرضية، هذا فضلا عن أعراضها الجانبية من: رعشة، ونوم كثير وتثاؤب، ومن ثم عندما تعبت مرة أخرى وذهبت لطبيب آخر وأعطاني أدوية مرة أخرى لم أستطع إلى الآن أخذ الأدوية.

حقيقة أنا أستغرب من الأطباء النفسيين الذين يجعلون من المريض حقل تجارب لأدويتهم دون إرشاده إلى الطريق الأخرى التي تذكرها حضرتك دائما.

وختاماً: أسأل الله أن يبارك فيك ويحفظك، حقيقية أنا أحبك في الله، وشكرا لك، وجزاك الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الغفور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية نرحب بك أيها الابن الكريم في الموقع، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على كل خير وكل أمر يُرضيه، ونحب أن نؤكد لك أنك ستسمع الإجابات من الأطباء المختصين، ولكننا نحب أن نؤكد لك أن مجيئك للزواج عن رغبة واحتياج إليه من عوامل النجاح في حياتك الزوجية، والزوجة هي خير من يعين الإنسان على تجاوز الأزمات والصعاب، فما عليك إلا أن تُحسن الاختيار، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُسعدك في زواجك، وأن يسعدك في حياتك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

ونحب أن نؤكد لك أنه لا عيب في المرض، وأن الإنسان ينبغي أن يُحسن التعامل مع المرض، ويستمع إلى توجيهات الأطباء، ونؤكد لك أيضًا أن كثيرًا من الأمراض وكثيرًا من العلل يتأثر أصحابها إيجابيًا بصورة طيبة بعد زواجهم؛ لأن الزواج استقرار؛ ولأن الزواج سكن؛ ولأن الزواج سعادة؛ ولأن الزواج مودة ورحمة، والإنسان بحاجة لكل هذه المعاني، كما أن نتائج هذا الزواج تكون مثمرة، فإن الإنسان يأتي بذرية تقف إلى جوار الأب وإلى جوار الأم حتى يُكملوا مشوار هذه الحياة.

ولذلك نحن نرى ألا تتردد في مسألة الزواج، ونحب أن نؤكد لك أن ما حصل لك من اضطراب أو خوف بعد العقد أو بعد الخطبة أو بعد مثل هذه المراسيم، هذا كله أمر طبيعي؛ لأن الإنسان يتذكر المسؤوليات ويدخل على حياة (فعلاً) فيها مسؤوليات، ولكن مسؤوليات مشتركة، ولكنها مسؤوليات يجد الإنسان لها حلاوة وطعما.

إذا كنت أنت راغبًا، وكان وضع الأسرة ولله الحمد طيبًا، وأحسنت الاختيار، وجئت للزواج عن رغبة، فإنك - بإذن الله تبارك وتعالى – ستنجح وقد يكون الزواج - إن شاء الله تعالى – سببًا لعلاجك، أما بقية التوجيهات والأسئلة فهي موجهة للأطباء المختصين، الذين نسأل الله تبارك وتعالى أن يفيدك بعلمهم وأن ينفعك بما تسمع منهم.

مع ضرورة أن يلتزم الإنسان بالتوجيهات الطبية، وكذلك بالتوجيهات الشرعية، وأرجو أن تغيّر هذه النظرة السوداوية، النظرة غير الصحيحة عن الزواج والحياة الزوجية، واعلم أن في النساء خير، والمرأة عندها قدرة على التحمل، والرجل سيظل يبحث عن النصف الآخر الذي يسعده – وهو الزوجة – فنسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة: د. أحمد الفرجابي..........مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة: د. محمد عبد العليم..........استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
++++++++++++++++++++++++++++++

أشكرك على رسالتك الطيبة والواضحة، وأسأل الله تعالى لك ولنا جميعًا الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

أتفق معك أن الوساوس القهرية مزعجة جدًّا لصاحبها، خاصة حين تكون مستحوذة وملحة ومتفرعة، ويلجأ الإنسان كثيرًا لحوارها وجدالها، ومحاولته أن يضعها في قوالب منطقية، هذا يسبب الكثير من الإزعاج ومن القلق ومن الضجر والتوتر النفسي الداخلي.

علاج الوساوس القهرية الآن تقدم جدًّا، التقدم أتى من خلال اتضاح بعض المكونات البيولوجية التي ربما تلعب دورًا في الوساوس القهرية، كيمياء الدماغ على وجه الخصوص، هنالك منطقة تعرف بنواة كوديت يتم التركيز عليها في معظم الأبحاث؛ حيث إن الموصلات العصبية المتعلقة بهذه المنطقة وجد أنها تتغير في مرضى الوساوس.

إذن البشريات جيدة، والوعود العلمية والأدلة التي أمامنا الآن أراها مبشرة.

أريدك أن تصل لقناعة واحدة ضرورية: ليس من الضروري أن يكون فشل العلاج فيما مضى سوف يؤدي إلى فشله الآن.

ثانيًا: معاناتك التي عانيتها في صغرك أنا أقدرها جدًّا، لكن – يا أخِي الكريم – لا أعتقد أن والدك كان يقصد أن ينتهج منهجًا تربويًا سيئًا، هي اجتهاده ولم يوفق فيه، المهم هو أنك الآن شخص مستبصر، لك مقدرات، وتستطيع أن توجه حياتك بصورة أفضل.

الذي أريده منك هو أن تتواصل مع طبيب نفسي واحد، تثق فيه؛ لأنه أن يفهم مريض الوسواس طبيبه وأن يفهم الطبيب مريضه بذات المستوى؛ هذا في حد ذاته يؤدي إلى علاقة علاجية بنّاءة، وخير مكوّن علاجي لمريض الوسواس هو قناعته بمعالجيه، والطبيب النفسي لا بد أن يتواصل أيضًا مع الأخصائي النفسي.

معظم العيادات المعدة إعدادًا جيدًا تجد أن الفريق العلاجي يتكون من طبيب نفسي، وكذلك من معالج نفسي متخصص فيما يعرف بالعلاج النفسي الإكلينيكي.

مفاهيمك حول الزواج: لا شك أن الإحباط والضجر قد ساهم في ذلك، وأنا أقدر مشاعرك، لذا أقول لك: الإقدام على العلاج، وأن تكون لديك إرادة التحسن، أعتقد أن ذلك سوف يفيدك كثيرًا، وسوف يبدل قناعاتك حول الزواج، وأعتقد أن مفاهيمك سوف تكون إيجابية جدًّا نحوه.

بالنسبة لموضوع الوراثة: لا أحد يستطيع أن ينكره كمساهم وليس سببًا مباشرًا في قبول الوساوس والمخاوف لدى بعض الأشخاص، الناس يتكلمون عن عوامل مهيأة وعوامل مرسبة، العوامل المرسبة تعني التكوينات الجينية وشخصية الإنسان، والعوامل المهيأة هي الظروف الحياتية، لكن لا نستطيع أن نقول: إن هناك وراثة قاطعة ومباشرة تخضع لقوانين الإرث.

الأطباء النفسيون نسأل الله تعالى أن يسخر لك ويقيض لك طبيبًا نفسيًا صادقًا وأمينًا تستفيد منه - إن شاء الله تعالى -.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً