الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القلق على الأولاد، وكيفية التعامل مع مراهقتهم!

السؤال

السلام عليكم

أنا أرملة والحمد لله من قبل ومن بعد، ولي من الأبناء خمسة. الشيء الذي ينغص علي حياتي خوفي الشديد، وأني غير قادرة على السيطرة على أبنائي الذين هم الآن في سنة المراهقة.

عندما كانوا صغارا كنتُ أخافُ عليهم من العين؛ لأن الله رزقهم جمال الشكل، والآن أخاف عليهم من عيال الحرام والصحبة السيئة في المدارس.

في البداية كنت أقول: إن خوفي مبالغ فيه، والدنيا بخير، لكن المواقف أكدت لي أن خوفي في محله، ولذلك أحاول أن أكون قريبة منهم، ويحكون لي كل شيء، لكني لم أستطع، كل مرة أصدم من بعض التصرفات منهم، وأكتشف أشياء، وإذا واجهتهم بها، فالكبير يصارحني ويبرر لي ويعتذر عن الغلط، والصغير ينكر ولا أصل معه إلى نتيجة، ما لي إلا الله ثم أنتم تشيرون علي وتفيدوني.

في البداية سأعطيكم نبذة عن شخصياتهم حتى تدلوني كيف أتعامل مع كل واحد بحسب شخصيته.

الأول -أكبر الأولاد-: مطيع، وأحن أولادي علي، وذكي جدا، ولا أخاف أن أحدا يلعب عليه، والميزة الجميلة التي فيه أنه ليس اجتماعياً، هو انعزالي ولا يحتك بالناس، ومعرفته محصورة بأقاربه وقلة من أصحابه، وكنت أقول في نفسي: الحمد لله أنه أمام نظري، حتى اكتشفت أن هناك أولادا يراسلونه على البلاك بيري برسائل عشق وحب، وكان يرد على واحد أكثر من غيره، ومن صورته أنه شاب في العشرينات، وعندما واجهته أقر بخطئه، ووعدني أنه لن يكرر هذا الشيء.

والأصغر اتضح أنه مثله في هذه الأشياء، لكن كان يقول لي: كنت "أطقطق" عليهم، لكن لن أعطي أحداً وجهاً، إلا أنه مغفل ويُضحك عليه، ولا أثق فيه أنه سيتصرف تصرفا سليما، ودائما يكسر كلمتي في الوقت الذي هو أكثر أولادي تناله رحمتي!

أنا غير مقصرة معهم بشيء، وأي شيء يطلبونه ألبيه لهم، وأتكلم معهم، ونضحك سويا، وأنزههم، وحتى الكلام الحلو أسمعهم إياه حتى لا يحتاجوه من غيري.

أحياناً أقول لنفسي: سأعطيهم الثقة التامة، لكن أريدهم يحكون لي كل شيء يحدث معهم، الأول كان يحكي لي عندما كان في المتوسطة، وبعد موقف صار معه لم يعد يقول لي شيئا؛ لأني صرت أُخوفه بشدة، وأقلق، وكلما يرجع من المدرسة أفتح معه تحقيقا، صحيح أني لم أعرف كيف أتعامل مع الموقف منذ بدايته، لكني عززت فيه الخوف، وصار خائفاً، وثقته مهزوزة في نفسه، أحسه ضعيفا لا يقدر على مواجهة الحياة والتصرف بشجاعة.

الموقف حدث عندما دخل المتوسطة، في البداية كان يقول لي: هناك أولاد يراقبونه ويمشون وراءه، ويقول لي كأنهم مباحث، فأحزنني؛ لأنه كان يسمع ويرى أباه -الله يرحمه ويعوض صبره الجنة- وكيف كان يتأذى منهم، قلت له: انتبه منهم، ومرة حاصروه في الحمامات، وأطلقه أولاد آخرون، وتعاملت معهم المدرسة، ومن بعد هذا الموقف صرت في رعب من هذه الأشكال المريضة، وكنت أطمئن خوفه وأنا أخوف منه.

خلاصة موضوعي: أريد أن أعرف كيف أكون قريبة منهم، ولا يخفون شيئا علي، حتى أقدر على حل مشاكلهم وأحتويهم؟

ابني الكبير تأتيه أوقات نوبات عصبية شديدة رغم أنه هادئ، فيصبح عصبيا من أتفه شيء، ويجر شعره وملابسه، ويضرب الجدار بيده، ويضرب في الأبواب، أخاف أن يكون هذا الشيء دلالة مرضية.

والأصغر يحب شراء ملابسه بنفسه، لكن اختياره لا يعجبني، يعني مثلا: بنطلون ضيق، وشورت أحمر، وأساور، ويهتم بشعره وشكله بطريقة مبالغة فيها، كيف أقدر على ضبطه من هذه الناحية، وأقنعه بالاعتدال؟

آسفة على الإطالة، وأتمنى أن أجد لديكم ردا شافيا وكافيا لمشكلتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سديم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك، وأعانك الله على هذه المهمة التي أقامك عليها، وهي طبعا صعبة وليست بالسهلة، وأنت مأجورة على كل جهد مبذول.

ومن الصعب أيضا أن نشرح لك في هذا الجواب كل ما يمكن أن يُقال في تربية هؤلاء الأولاد، حفظهم الله لك، وأقرّ بهم عينك.

من الطبيعي جدا أن تتفاوت شخصيات الأبناء من واحد لآخر، ولا يفيد بل يضرّ مقارنة الواحد بالآخر.

بالإضافة إلى رعايتك المتميّزة لأولادك، فأنت هنا أبوهم وأمهم معا، إلا أنهم من أجل النمو السليم في حاجة أيضا لوجود قدوة من الرجال أو الشباب، فالصبي يحتاج لمحاكاة قدوة ذكر مثله، وكذلك تحتاج الفتاة للمحاكاة مع قدوة أنثى؛ ولذلك يفيد إن وجد الخال أو العم، أو المعلم أو الإمام، أو أي رجل آخر نطمئن إليه، ويكون خير قدوة للأبناء.

أن تكوني قريبة من أطفالك هذا أمر ممكن، أما أنهم لن يخفوا عنك شيئا، فليس هذا بالأمر الطبيعي، ولكن ليس معنى هذا أن هناك أشياء خطيرة، وإنما هي طبيعة هذه المرحلة العمرية.

حاولي أن تكوني قريبة منهم عن طريق أهم مهارة وهي الاستماع، أن يشعروا أن أمهم تستمع إليهم، والاستماع لا يعني دوما الموافقة، فقد تستمعي لحديث أحد أبنائك بكل اهتمام وهو يتحدث أفكارا لا توافقيه عليها، إلا أن هذا لا يمنعك من الاستماع، ويأتي التصحيح والتقويم فيما بعد، وبعد أن يكون الابن قد شعر بأنه قد قال ما في جعبته، أما عدم الاستماع أو إصدار الأحكام وقبل أن ينهي حديثه فسيجعله لا يحاول الحديث وإنما سيتجنبه.

ومثال على هذا ما ورد في سؤالك من رغبتك في تغيير طريقة لبس أحد أبنائك، فإذا لم تستمعي له فلن تستطيعي أن تعدّلي من طريقة لبسه هذه، بينما إذا شعر بأنك استمعت وفهمت ما يريد قوله، فهنا فقط يمكنك التأثير عليه، وطبعا ضمن حدود، فالناس فيما يعشقون مذاهب!

وأنصحك أيضا بدراسة كتاب أو كتابين في تربية الأبناء، فالله تعالى يقول: {اقرأ وربك الأكرم}.

وفقك الله، وكتب لك الأجر والثواب، وأقرّ عينك بأولادك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً