الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مرض أختي وانفصالي عن خطيبي أديا بي للاكتئاب والوسواس بالأمراض

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة بعمر 25 سنة، غير متزوجة، مررت بمشاكل غيرت مجرى حياتي 180 درجة، كنت إنسانة طموحة محبة للحياة، وأسعى لأن أكون فاعلة داخل مجتمعي، لكن كل هذا اختفى بين ليلة وضحاها.

بدأت مشكلتي منذ تخرجت، بقيت 3 سنوات وأنا أبحث عن عمل، لكن نظرا للظروف الاقتصادية للبلاد لم أوفق، فقررت الالتحاق بأحد المعاهد لدراسة العلوم الشرعية، وفعلا تعلمت أحكام التجويد وكنت على وشك الحصول على الإجازة فيها، إضافة لأني بدأت في حلقات الحفظ، لكن ظروفي في البيت كانت صعبة جدا، بسبب أختي الكبرى التي تعاني منذ زمن طويل من مرض نفسي.

في فترة الثلاث سنوات الأخيرة أصبحت تصدر أصواتا مزعجة، وعنيدة جدا وتتصرف عكس ما يطلب منها، فأصبحت جدا متوترة بسببها، كل يوم أصحو على صراخ أبي عليها، ويستمر ذلك طول اليوم وحتى آخر الليل إلى أن تنام، وكنت حينها أتحمل وأسكت وأصبر نفسي بحياتي المستقبلية التي سأبنيها مع خطيبي، ولكن للأسف هذا الأخير في الفترة التي كنت فيها في أمس الحاجة للمساعدة تخلى عني وطلب الانفصال، فجأة أحسست حينها أن كل القيود النفسية انفلتت مني وخارت قواي، وكانت بداية تغير حياتي، حينها شعرت بانعدام الأمان وبدأت أشعر بالخوف من الدنيا، ولم أعد أستمتع بشيء على الإطلاق، ولم أعد أشعر بالزمن ولا حتى بنفسي.

كرهت -أختي- وأصبحت أخاف أن أصبح مثلها، فذهبت بحكم معرفتي بكثير من الشيخات الثقات للرقية الشرعية، لكن لم يتغير حالي، كنت أشعر بالراحة الوقتية لكن سرعان ما أعود للخوف والأفكار السلبية، فقررت حينها زيارة دكتور نفسي، فقال أن عندي اكتئاب وصرف لي زولفت 50، حبة واحدة، لكن لم أتحسن عليه، فعدت له بعد شهر فقرر تغيير الدواء وصرف لي افكسر 150، ولي الآن عليه شهرين ولا أنكر أنه أفادني في الآلام النفسية وقل الخوف عندي، لكن ما زلت لا أشعر بالحياة رغم أن مزاجي أصبح أحسن بكثير -ولله الحمد والشكر-.

ما زلت أشعر أن حياتي لم تعد كالسابق، أحيانا أشعر برغبة كبيرة في استئناف حياتي من جديد، لكن عدم شعوري بالحياة والزمن وخاصة في الصباح يرجعني إلى الخلف، وقد حاولت لكن أقضي اليوم الذي أصحو فيه باكرا بمزاج متعكر، وأستغرب نفسي مما يشعرني بالخوف، وقد حاولت كذلك ممارسة الرياضة وسجلت في دروس اليوغا، لكن لم أستطع الاستمرار بسبب ما ذكرته لكم، لذا أرجوكم -بعد الله جل في علاه- أن تمدوا لي يد العون، فقد أصبحت الآن أتساءل عن وجودي، وأسئلة أعرف أنه ليس لها جواب فيتعكر مزاجي رغم أني أتجاهلها أحيانا كثيرة، والأسئلة تتمحور عن سبب وجودي أو استغراب الدنيا وهكذا.

أرجوك يا دكتور ساعدني، علما أني أصبحت لا أحب الخروج ولا أخرج إلا قليلا، لأنني أستغرب من الدنيا، فأعود مسرعة إلى البيت، وهذا الشعور يزداد في الفترة الصباحية، فأصبحت ألجأ إلى النوم في تلك الفترة لكي لا يزيد ارتباكي وخوفي، وقد تزداد هذه الحالة إذا ما استيقظت في غير موعدي المعتاد، إضافة إلى ذلك خوفي حين أقرأ بعض الاستشارات حول الأمراض النفسية المستعصية، رغم أن هذا قد خف قليلا -والحمد لله-، لكن لا أخفيكم أخاف من ظاهرة اضطراب الأنِّية، لأن هناك الناس لم يشفوا منها.

لذلك أود أن تنصحني، هل أستمر على هذا الدواء وأنتظر أم أغيره؟ ولو غيرته ماذا ترشح لي من الأدوية؟ وهل سأعود لنفسي وحياتي الطبيعية كما كنت؟ والله تعبت كثيرا من هذه الحالة، لأني أريد أن أحقق أهدافي في الحياة، وأنفع ديني وأترك بصمة في حياتي.

للتنبيه يا دكتور: قبل سبع سنوات، تحديدا سنة 2007 أصبت بالخوف من الموت، وأخذت العلاج لمدة 6 أشهر وشفيت تماما وتركت العلاج، وخلال السبع سنوات الماضية أمارس حياتي بشكل طبيعي جدا، وقد أخذت حينها دواء اسمه ستابلون.

في النهاية أعتذر على الإطالة، وعدم انتظام الأفكار بسبب قلقي وتشتتي، أتمنى أن تساعدني، وجزاك الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ noussa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً أنا أؤكد لك أن ما اكتسبته من معرفة في العلوم الشرعية وأحكام التجويد، ووصلت إلى قرب الحصول على الإجازة، أنا أؤكد لك أن هذا رصيد عظيم في حياتك، وبالرغم من الظروف التي تمرين بها، وهي ظروف مرض الأخت، أنا أعتقد أنك يمكنك أن تواصلي تعلمك وتجويدك، وحفظك للقرآن بمجهود شخصي. أنت تملكين الثوابت الرئيسية، وجوهر الأمر الآن تمتلكين ناصيته - الحمد لله تعالى -، فأرجو أن تكملي هذا المشوار الجميل والعظيم، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

أختك - شفاها الله – يجب ألا تُترك على هذه الحالة، الرعاية المنزلية مهمة وضرورية، لكن الآن توجد الكثير من العلاجات الدوائية التي تخفف من هذه الأمراض، توجد وسائل علاجية ممتازة لمساعدتها والتحكم في سلوكياتها، وكل ما يبدر منها من تصرف يُسبب لها الضرر وكذلك لكم، فاعرفي أن الأمور يمكن أن تُدار بصورة أفضل، أي موضوع مرض أختك، فتحدثي مع والدك الكريم – جزاه الله خيرًا –، اذهبوا بها إلى الطبيب، وأنا متأكد أنك قد اتخذتم هذه الخطوة، لكن المتابعة مطلوبة، وكثيرًا ما تحتاج العلاجات للتعديل ومن ثم التعديل حتى يصل الناس إلى الجرعة الصحيحة والدواء الصحيح.

تجاربك في الحياة سوف تفيدك، وموضوع تخلي هذا الخطيب عنك، اسألي الله تعالى أن يبدلك خيرًا منه، وأنت - الحمد لله تعالى - بالوعي والإدراك والتوكل سيجعلك تتخطين هذه المرحلة وتتجاوزينها بكل ثبات.

أنا أراك شخصًا نافعًا لنفسه ولغيره، وهذا يجب أن يُشعرك بالرضا، أنا أرى أنه من الضروري أن تتفهمي ذاتك وتُدركيها بصورة أفضل، هذا مهم جدًّا، ووددت أن أنبهك إليه علَّه يساعدك كثيرًا.

بالنسبة للعلاج الدوائي، الإفيكسر دواء جيد ورائع، ومائة وخمسين مليجرامًا جرعة كافية جدًّا، ولا أرى أن هنالك حاجة لزيادتها، لكن يمكن أن يُدعم بعلاج بسيط وخفيف مثل الفلوناكسول، حيث إن تناوله بجرعة حبة واحدة في الصباح يوميًا – وقوة الحبة نصف مليجرام – سيكون علاجًا داعمًا وجيدًا ومفيدًا لك - إن شاء الله تعالى –، ومدة العلاج على الفلوناكسول يمكن أن تكون ثلاثة إلى أربعة أشهر، أما جرعة الإفيكسر – أي مائة وخمسين مليجرامًا – فيجب أن تستمري عليها على الأٌقل لمدة ستة أشهر، ويجب أن تنتظمي انتظامًا قاطعًا على هذا الدواء، وبعد ذلك يمكن أن تخفض الجرعة إلى جرعة وقائية، وهي خمسة وسبعين مليجرامًا في اليوم، وحتى لو طالت مدة الدواء فلا تنزعجي لهذا الأمر أبدًا.

حين يأتي وقت التوقف من الإفيكسر يجب أن يكون ذلك بالتدريج، لأن الإفيكسر في بعض الأحيان يسبب آثار انقطاع إذا توقف عنه الإنسان فجأة.

أنا متفائل جدًّا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً