الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي حالته النفسية حرجة وأثرت عليه وعلينا.. فبماذا تنصحونا؟

السؤال

أخي طالب في الصف الثالث الثانوي العام الماضي لم يدخل الامتحانات، كان يقول عنه مدرسوه أثناء العام الدراسي: إنه مشتت ولا يستطيع الإجابة على الأسئلة السهلة، رغم أنه قد حصل في الصف الثاني الثانوي على مجموع 92% علمي.

ترك المنزل، وجلس في شقة لنا مجاورة غير نظيفة وليس بها شيء، وكانت الكهرباء تقطع في الصيف ولا يخرج منها أبدا، وندق عليه الباب ولا يخرج ويظل داخلها حتى مع الحر وانقطاع النور، مع أنها أصلا غير نظيفة ومهملة وقديمة جدا، وكان يقول: إني حلمت بالنبي، ومرة حلمت بالله، ومرة تزوجت ولي ابن اسمه عبد الله، حتى أنه سمى الموبايل أبا عبد الله!

كنا ندور على المشايخ ولكن دون فائدة، ومر عام كامل وهو في تدهور، فذهبنا لطبيب نفسي دون وجوده معنا، فشخص الحالة على أنها فصام، ووصف دواء زبركسا 10 مجم لمدة شهر كامل، وقال الطبيب: إن التحسن سوف يكون خلال أسبوع، ولم يحدث أي تحسن بعد شهر، والحزن شديد على وجهه.

ذهبنا إلى طبيب آخر، ووصف له سيبرالكس واولابكس، وحدث تحسن بعد أسبوعين تقريبا، ترك الشقة، وصلى في المسجد كل الصلوات بعد أن كان يؤديها كلها في الشقة التي يمكث فيها، وحلق شعره عند حلاق بعد أن كان يقوم بحلاقته بنفسه حلقا كاملا على غير عادته طوال حياته، وكان يرتدي قبعة طوال الوقت على شعره فنزعها، واستمر لمدة شهرين يأخذ الدواء في العصير، فحدثت له تحسن جميل، ورجع إلى المذاكرة أيضا.

ثم اكتشف الدواء في العصير فرفض أخذ أي عصائر ولمدة 3 أيام بدون دواء فحدثت له انتكاسه ربما، فرجع إلى الشقة القديمة، وترك المذاكرة، وظهر عليه التعب الشديد، وأصبح يردد جملة (ما خلاص) عندما كنا نقول له: ذاكر كما كنت تذاكر، فوضعنا الدواء في الأكل بعد 3 أيام، واستبدلنا الاولابكس بالاولازين؛ لأنه ليس له رائحة، ولكن دون تحسن مثل الأول.

ثم وصف لنا الطبيب دواء اريبركس يضاف إلى الاولازين والسيبرالكس؛ لتحسين قدراته المعرفية وللمذاكرة، الآن مستمر على الاولازين والسيرالكس والاريبركس لمدة 12 يوما، وحالته مستقرة نسبيا، ولكن ما زال عليه الحزن، ولم يعد يذاكر مثل الأول عندما كان يأخذ (اولابكس + سييرالكس) مع العصير، ويكتب كثيرا أشياء بدون هدف واضح مثل: (جدول الأعمال اليومية) والمتضمن قص أظافر، الصلاة، صلاة النوافل، والذكر والتسبيح، وهكذا، ويخرج أحيانا كثيرة للمشي دون هدف! ولا يذاكر، وحزين فما العمل الآن؟

أفيدونا أفادكم الله، هل ما عنده حقا فصام؟! وكيف نخبره أنه يحتاج للذهاب للطبيب؟ حيث إنه يرفض تناول الدواء، حتى قلنا له: هذا الدواء للتركيز، وبماذا تنصحوننا الآن؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله تعالى الشفاء والعافية لهذا الشاب، وبالفعل مسلكه الذي انتهجه وتصرفاته تدل على وجود مرض، وأكثر الأمراض التي تؤدي إلى مثل هذه التصرفات وهذا السلوك هو مرض الفصام، والأدوية التي وصفها الأطباء تسير في هذا الاتجاه، وقد أفادته كثيرًا، ويظهر أنه أيضًا لديه نوع من الاكتئاب الثانوي، لذا كانت الاستجابة للسبرالكس جيدة وواضحة.

فجوهر الأمر أنه مصاب أعتقد – والله أعلم – بمرض الفصام، وقطعًا مرض الفصام ليس مرضًا صعب التشخيص بالنسبة للأطباء، والطبيب الذي قام بفحصه لن يلزم نفسه بهذا التشخيص أبدًا إذا لم يكن متأكدًا وطبق عليه كل المعايير التشخيصية المعروفة.

وأريد أن أنبه لشيء مهم جدًّا، وهو أن مرض الفصام ليس بالسوء الذي يعتقده الكثير من الناس، نعم هنالك حالات تؤدي إلى تدهور شديد ومريع، لكن معظم حالات الفصام يمكن أن تعالج الآن بصورة جيدة، خاصة إذا كان التدخل الطبي النفسي مبكرًا، وإذا كان هنالك التزام بتناول الدواء، وهذه قطعًا إشكالية كما هو في حالة أخيك هذا -حفظه الله-.

والأمر الآخر هو: أن نساعد المريض على التأهيل، وأقصد بالتأهيل أن يحافظ على مقدراته السابقة، وعلى مهاراته، وأن يسعى لتطويرها.

أن نجعله يُشارك في كل الأنشطة الاجتماعية والمنزلية، وأن يخرج للمناسبات، أو يُستشار، وأن يمارس الرياضة، وأن يزور الناس، هذا كله أخِي الكريم نوع من التأهيل الاجتماعي المهم جدًّا، وأنا متأكد أن هؤلاء المرضى يستجيبون لذلك، الأمر يتطلب بعض الصبر من جانبكم، وإن شاء الله تعالى أنتم مأجورون على ذلك.

أيها الفاضل الكريم: النقطة الأساسية هي عدم اقتناعه بالدواء، وهذا من صميم مرض الفصام، مرضى الفصام لا يقتنعون بأنهم مرضى، ولا يمتلكون البصيرة التي توجه إرادتهم من أجل أخذ الدواء الذي هو بالطبع نافع لهم، لكن توجد طرق كثيرة.

المريض إذا بنيتْ معه علاقة علاجية ممتازة من قبل الطبيب والأسرة يمكن أن يقبل الدواء، إذا أشعرناه بأهميته، وألا نهمشه في الأسرة، هذا أيضًا يفيد ويعطيه اعتبارًا ويثق في الآخرين بصورة أفضل.

الأمر الثاني هو: توجد أدوية الآن في شكل حقن وإبر، وهي موجودة منذ فترة، لكن في الآونة الأخيرة أتت أدوية ممتازة، أعتقد أن هذا الشاب – حفظه الله – قد يحتاج لأن يتناول إبرة كل أسبوعين أو ثلاثة، أو حتى كل أربعة أسابيع، هذه على الأقل سوف تضمن لنا أنه يتناول العلاج بنسبة خمسين بالمائة، وهذه ليست نسبة سيئة، سوف تحافظ عليه، سوف تؤدي إلى تقدم في حالته، وسوف تحسّن من قناعاته بضرورة تناول العلاج عن طريق الفم.

قطعًا حين يتناول هذه الإبرة إذا قررها الطبيب له، الجرعة التي يتناولها عن طريق الفم سوف تكون قليلة جدًّا، فأرجو أيها الفاضل الكريم أن تذهب إلى الطبيب وتشاوره حول هذا الأمر، والذي أوصي به حقيقة أن يكون التدخل العلاجي مبكرًا، يعني هذه الحالات تكون مستعصية بعض الشيء إذا تم تأخير العلاج.

أسأل الله له الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً