الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بخوف من الموت في الثانوية وعاد لي في الجامعة.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله
جزيتم عنا أجل الخير فيما تقدمون.

أنا فتاة عمري 21 عاما، في العام الثالث الجامعي، في مرحلة الثانوية العامة دخلت في دوامة نفسية بأني سأموت وأصبح كل شيء يؤكد لي ذلك، فأفتح التلفاز أو أستمع إلى شخص أو حتى إلى القرآن، فأجده يتكلم عن الموت، ولا أعلم حتى الآن كيف خرجت من تلك الدوامة؟ فهي كانت تنغص علي حياتي ومنامي.

قبل أسبوع في فصل دراسي وجهت لي المحاضرة سؤال: ماذا لو أمامك 24 ساعة تعيشينها، كيف ستقضينها؟ برغم أني استقبلت السؤال بروح مرحة إلا أني وجدته ترك في نفسي بالغ الأثر كما حدث لي في الثانوية، شعرت باكتئاب لكني حاولت ولا زلت أحاول المواجهة، فأنا أستغفر كثيرا، وعندما يشتد علي الإحساس بالكآبة والموت أقول: والله لن يخذلني الله، وأردد بعض من الأذكار وأدعو في صلاتي.

ظننت أنه اكتئاب الشتاء أو اكتئاب فترة الحيض، ولكن لماذا عندما تأتيني تلك الأفكار تكون مصاحبة لأخبار كثيرة عن وفاة، ومصاحبة لمشاهد عن الموت؟ أعلم أن هناك ما يدعى قانون الجذب، أشعر بغصة في نفسي وعدم استمتاع بالحياة، وخوف دائم داخلي، أنا أضحك وأحاول جاهدة ألا أبين ولكن في بعض الأوقات لا أستطيع.

في بداية حالتي كنت أنام كثيرا هروبا من التفكير، برغم أني لا أحب النوم كثيرا، وأكتفي بثمان ساعات، وأصحو باكرا للفجر.

أنا شخص قلق نوعا ما، ودائما قلقي يمنعني من إخراج أفضل ما لدي، قبل شهرين أصيب أبي بحادثة وأجرى عملية ولم يقف بجانبي الكثير من الأصدقاء، مما أشعرني بعدم وجود داعم، علمت بعدها أن أبي أخفى علينا أمرا جللا، أمر ظاهره كاد يصيبني بانهيار عصبي من قلقي وخوفي عليه، واتضح أن لا شيء حدث مما اختلقه لنا.

اعتدت أن أفرغ غضبي وحزني بالبكاء، أنا شخصية حساسة نوعا ما، ولكن منذ حادثة أبي وما فعله وأصدقائي لم أبك تقريبا - والحمد لله - مواظبة على الصلاة، وأدعو كثيرا ولكني حقيقة أشعر بفتور ووهن وحزن ناحية الحياة، قبل فترة كنت أفكر ماذا أفعل بشبابي عندما يسألني عنه الله؟ وهذا أحزنني ولم يدفعني، لا أنفك أفكر في كل ذلك حتى لم أعد أستطيع أن أتلمس شيئا جميلا.

أرجو أن يفيدني يا دكتور محمد عبد العليم، وجزيتم عنا جميعا كل الخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

رسالتك واضحة وبيّنة المعالم، وأسأل الله تعالى أن يحفظك وأن يعافيك.

من الواضح جدًّا أن العمق الوسواسي في التفكير لديك هو المهيمن والمسيطر، وانقياد فكرك في هذا المنحى هو الذي سبب لك المتاعب الاكتئابية الثانوية التي حدثت لك.

ما ذكرته: ماذا لو كان أمامك أربعٍة وعشرين ساعة كيف ستقضينها؟ سؤال فلسفي وسواسي عميق، يتعب كل من يمر به، وهذا التوجه الوسواسي يمكن من وجهة نظري أن يتحول إلى نوع من الفكر الإيجابي جدًّا، بشرط ألا تدخلي في التحليلات الوسواسية، ولا تكوني حساسة نحو الأمور.

إذًا من حيث التشخيص فأنت لديك قلق وسواسي سبب لك ما يمكن أن نسميه بالاكتئاب النفسي الثانوي البسيط، لذا تأتيك مشاعر الإحباط هذه، وعسر المزاج، وأصبحت حساسة جدًّا خاصة بعد حادثة والدك –عافاه الله– ولم تجدي من يقف بجانبك من الأصدقاء، هذا قطعًا تعبير عن حساسيتك الداخلية، وقطعًا معك حق أن تسألي هذا السؤال؛ لأنك طيبة وفاضلة، وتسعين دائمًا للوقوف بجانب الآخرين.

أنا سعيد أن أعرف أنك محافظة على صلواتك، وذاكرة وعابدة لله تعالى، فنسأل الله تعالى أن يزيدك خيرًا وحرصًا.

أنت -أيتها الفاضلة الكريمة بخير -إن شاء الله تعالى-، تجنبي التفكير الوسواسي بقدر المستطاع، انظري إلى الجوانب الحياتية الإيجابية، أنت في سن يتمناها جميع الناس، حيث الطاقات النفسية والجسدية والوجدانية، انظري إلى المستقبل بأمل ورجاء، عليك بالاستفادة من إدارة الوقت بصورة ممتازة، وأنا متأكد من خلال إنجازاتك سوف تدركين ذاتك بصورة أفضل.

التواصل الاجتماعي أيضًا يعتبرًا أمرًا مهمًّا ومفيدًا للإنسان، حتى تُقللي من حساسيتك حيال الآخرين أرجو أن تقرئي كتاب (الذكاء العاطفي) لمؤلفه دانييل جولمان، من الكتب الجيدة التي أنصح بها حقيقة، حتى يُدرك الإنسان مشاعره بصورة إيجابية، وكذلك مشاعر الآخرين يتفهمها ويتعامل معها بإيجابية أيضًا.

أنا أرى -أيتها الفاضلة الكريمة- أن تناول أحد الأدوية المضادة للوساوس والمحسنة للمزاج سيكون أمرًا جيدًا، وجرعة العلاج هي صغيرة ومدته قصيرة، وأنا أرى أن عقار (فلوكستين) ويعرف تجاريًا باسم (بروزاك)، ويسمى (فلوزاك) في مصر، سيكون مناسبًا جدًّا بالنسبة لك، خاصة أنه غير إدماني ولا يؤثر على الهرمونات عند النساء.

الجرعة هي كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة عشرين مليجرامًا، تناوليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك اجعليها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناول هذا الدواء.

أسأل الله لك التوفيق والسداد والصحة والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر Nahed Kamel

    انا حالتى تشبه لحالتك انا فى اولى جامعة وفى النص التانى من تانية ثانوى حصلى زى الهام انى هموت وكانت فترة صعبة جدا بس الحمد لله كنت على هدى من ربى وحاليا بعانى برضو من الخوف من الموت ومن الخوف من المرض ربنا يهدينا كلنا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً