الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعلقي بشقيقتي التي أعاملها كأمي، يثير الشكوك لدى أبي!

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب أبلغ من العمر (15) عاماً، وقد بلغت حديثاً، ولدي مشكلة كبيرة جداً مع والدي.

أنا متعلق بأختي الكبرى بشدة، والتي تبلغ (25) عاماً، وعلاقتي بها منذ الطفولة كما لو كانت أمي، بحكم أنني فقدت والدتي في سن صغيرة.

لكنني لاحظت مؤخراً وبعد بلوغي، أن أبي ينظر إليّ باحتقار كلّما اقتربت منها، أو سلمت عليها، وقبلتها -قبلة على خدها أو رأسها-، أو حين أقوم بإسناد رأسي على كتفها مثلاً، بغرض التدلل عليها، كما كنت أفعل في صغري، وليس لأي شيء آخر، فأنا -بفضل الله- نظرتي لأختي سليمة تماماً، وسوية ولا أراها سوى أختي الكبرى، التي أحبها حبا أخويا خالصا.

كما أنّها لا تلبس أمامي ما هو مثير أو فيه فتنة، بل على العكس أختي بطبيعتها لا تحب لبس القصير أو الفاضح، حتّى أمام الفتيات مثلها؛ لأنها خجولة بطبعها، وهي كذلك لا تراني أكثر من كوني أخاها الأصغر، وأنا واثق من هذا بنسبة (100%).

والمشكلة الأكبر أن هذا لا يتم إلا معي أنا، فأخي الذي يكبرني بخمس سنوات لا يتم هذا معه بأي شكل، وأنا متأكد أن فطرة أخي سليمة، ولا ينظر لأختي بأي شكل منحرف، لكنّي فقط أتمنى أن أعامل مثله.

أسوأ ما في الأمر أن أبي قالها لي صراحة منذ أيام ألا ألمس أختي، ولا أخلو بها أبداً، وأنا معتاد على أن أجلس معها بمفردنا، لنتناقش بشيء ما، أو أخبرها عما يزعجني والعكس صحيح، أو نتسلى معاً أحياناً بألعاب الكمبيوتر، أو الكوتشينة، وكل هذا يريد أن يحرمني أبي منه.

حاولت أن أسأله وأقول له: أن ما أفعله مع أختي جائز شرعاً، ولكنّه تجاهلني ورفض أن يجيبني، وهددني بأن يطردني من البيت لو خالفت أوامره، وقد حاولت أختي وأخي التدخل في الأمر وإقناعه، لكنّه مصر على رأيه.

أعلم بأن ما أفعله لا يدخل ضمن المخالفات الشرعية بين المحارم، ويستبعد أن أفكر بهذا الشكل أبداً، بل إنني أشعر بالاشمئزاز بمجرد التفكير في أن البعض قد ينظر لشقيقته هكذا.

أعاني بشدة من شيء كهذا، فلا يمكنني أن أمتنع عن السلام على أختي، أو تقبيلها، أو مجالستها بمفردنا، فهذا حق مشروع لنا.

سؤالي: ماذا أفعل؟

وجزاك الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ MADIMA حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك أن ما يحصل منك ليس عليه إشكال من الناحية الشرعية، وإن كنا نرى أن طاعة الوالد مقدمة في هذه الحالة، فلو أن الوالد نهى الولد عن أمر مباح، فإنه ينبغي أن ينتهي ويستجيب لأمره، وعليه أن يستجيب ويسعى في تنفيذ أوامر والده، ويقترب من والده، ويكون إلى جواره، وبعد ذلك لا مانع من أن يناقشه ويحاوره حتى تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي، فيجلس مع أخته الشقيقة التي هي بالنسبة له أم وأخت في نفس الوقت؛ لأنها قامت على رعايته منذ الصغر.

ونحب أن نؤكد لك أن هذه المسائل لا ينبغي أن يحصل فيها خصام، فمن مصلحتك أن تطيع والدك، ومن مصلحتك أن تقترب من والدك حتى يشبع الجانب الرجولي في شخصيتك، ولعل والدك يخاف من هذه الناحية، فإن الارتباط الزائد حتى بالأم يؤثر على حياة الإنسان المستقبلية، ولذلك من حكمة الشريعة أن الطفل يرضع سنتين ثم يُفطم، حتى نمنع هذا النوع الزائد الذي هو خصم على حياة الإنسان عاطفيًا، وخصم على الإنسان على حياته بعد الزواج.

إن هذا التعلق حتى ولو كان بالأم –ليس بالأخت– ينبغي أن يُنهى عنه؛ لأنه ليس فيه مصلحة لك، وقد يكون هذا عائقا في نجاحاتك في حياتك، فلن تستطيع أن تذهب بعيدًا للدراسة، ولن تستطيع أن تكون مع زوجتك؛ لأنك ستشتاق إلى أمك أو أختك، هذا الاشتياق العاطفي، وإن كان هو حلالا من الناحية الشرعية على الأسس التي ذكرتها، طالما كانت القبلة في الخد وعلى الرأس –يعني هذه الأشياء– أما أكثر من ذلك؛ فإنه لا يمكن أن يقبل من الناحية الشرعية.

على كل حال نحن نريد لك أن تطيع والدك، أن تقترب من والدك، أن تدخل في حياة والدك، لأنك بحاجة إلى جرعات من هذا النوع، وبحاجة إلى أن تعيش مع والدك الذي هو أقرب لك من أختك، تعيش مع والدك، وتجلس مع والدك، وتخرج مع والدك، هذه جرعات تعيد لك التوازن في حياتك، فإن التوازن مطلوب، بين أن يتوازن الإنسان في هذه العلاقة فيكون مع الرجال، إلى جوار الرجال، يشاور والده، يصادق والده، وهذا سيُقنع الوالد، وهو بحاجة إليه، بحاجة إلى أن يقترب إلى والده، وبحاجة إلى أن يقترب من إخوانه الذكور، بحاجة إلى أن يكون مع أعمامه والفضلاء والأصدقاء والرجال، يعني يستشيرهم ويحاورهم ويكون معهم، حتى يكتمل عنده هذا الجانب ويخرج من هذه العاطفة الزائدة تجاه هذه الأخت.

فإذًا ليس كل شيء حلالا يُفعل فيه هذه الطريقة، وإنما الأمور ينبغي أن يُقام فيها التوازن، وهذا شيء لا شك أنه مباح على الشروط التي ذكرتها، من أن العلاقة أكثر من طبيعية، ولأنها ربَّتك، ولأنك لا تشعر نحوها إلا بالشعور الأخوي، الشعور بالأمومة، يعني هذه المشاعر وهذا الحب الفطري الذي غرسه الله في نفس الإنسان لوالديه، لأخواته، لإخوانه، لكل من أحسن إليه.

لذلك نتمنى أن تدير هذه المسألة بحكمة، وليس هناك داعي للانزعاج، وطاعة الوالد مقدمة إذا أمر بأمر مباح، ويرفع درجته فيُصبح واجبا؛ لأن طاعة الوالدين وبر الوالدين من المطالب وفيه مصلحة، الاستجابة لهذا الأمر فيه مصلحة كبرى، ومصلحة للأخت كذلك، فإن التعلق الزائد بك أيضًا من قبلها سيكون خصمًا على حياتها، فهي ينبغي أن تتعلق بزوجها مستقبلاً وتعطيه كل عواطفها، وهذه العواطف لا تقبل القسمة بهذه الطريقة.

فنحن نريد أن نقول: التعلق بالأم سواء كان من البنت أو الولد، التعلق الزائد هو خصم على سعادتنا المستقبلية، وعلى سعادتنا الأسرية مستقبلاً، فأرجو أن ينظر لهذه الأبعاد، وتتذكر أن والدك عندما يأمر ينبغي أن يُطاع، وكما قلنا: ليس معنى هذا أن نسكت، ولكن نطيع، مثل ما يقولون في العسكرية: (نفذ التعليمات ثم تعترض) فينفذ التعليمات ثم بعد ذلك يسعى في توضيح الأمور التي تحتاج إلى توضيح.

نسأل الله -تبارك وتعالى- لنا ولك ولصديقك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً