الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس التسمية والنية والطهارة حتى الكلام!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عمري 30 سنة.

منذ تسع سنوات سمعت حديثاً: أن من لم يسم لا يصح وضوئه، فأصابني رعب شديد؛ حيث أصبحت أوسوس في مسألة التسمية قبل الوضوء كثيراً، وتطور الأمر إلى أن أصبح الوسواس في النية، والطهارة، وخوف النجاسة، حتى الكلام صرت أخشى منه أن يكون حراماً فأسكت عنه.

سؤالي: ما تشخيصكم لحالتي؟

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة، وابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله -تعالى- أن يُذهب عنك كل سوء ومكروه.

نحن نتفهم المشقة التي تعانينها، وقد أصبت كل الصواب حين أدركت وفهمت أن هذا كله بسبب الوساوس، ليس بسبب ثقل هذه التكاليف الشرعية أو مشقة القيام بها، فهي عبادات سهلة ويسيرة، كما هو معلوم لكل أحد، فمن السهل جدًّا أن يقول الإنسان: (بسمِ الله)، ومن السهل جدًّا أن يغسل الإنسان أعضاء وضوئه مرة مرة ويتوجه لصلاته، ويقرب جدًّا من المستحيل أن يقوم الإنسان بغسل أعضاء وضوئه، أو أن يقف متوجهًا إلى القبلة يريد الصلاة، ويكبر تكبيرة الإحرام، ويشرع في أعمال الصلاة، دون أن يكون قاصدًا بذلك فعل هذه العبادة، فالنيّة هي القصد، والقصد محله القلب.

فلو وقفت مع نفسك قليلاً وتفكرت في معنى النّية، وأنه باختصار وببساطة أن تفعلي الشيء قاصدة له، فستجدين نفسك أنك لا تفعلين شيئًا إلا بقصد، فأنت تتوضئين وتقصدين هذا الوضوء، وتصلين وتقصدين هذه الصلاة، فكيف يحاول الشيطان بعد ذلك أن يقول لك: بأنك لم تنوي الوضوء، أو لم تنوي الصلاة؟ إنه باختصار أيضًا -أيتها البنت العزيزة– كيدٌ من الشيطان ومكرٌ بك، يحاول من خلاله أن يثقل عليك العبادات، ويصرفك عنها، ليصدك عن ذكر الله وعن الصلاة.

وعلاج هذا كله أن تنتهي عن الاسترسال مع هذه الوساوس والتفكير فيها، فهذا هو العلاج النبوي، في مثل حالتك، كما قال -عليه الصلاة والسلام– لمن أُصيب بشيء من الوسوسة، قال: (فليستعذ بالله ولينتهِ)، فاستعيني بالله واستعيذي به من كيد الشيطان ومكره، وأدي العبادة بالطريقة الطبيعية العادية، التي يؤدي بها الناس عباداتهم.

والبسملة في أول الوضوء سُنَّة عند كثير من الفقهاء وأئمة الإسلام، فلو تركتها لا حرج عليك، ووضوئك صحيح، وهي غير مذكورة في آية الوضوء في سورة المائدة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} فلم تُذكر فيها التسمية، فلو تركت التسمية ولو عمدًا فإن وضوئك صحيح.

ومن أصيب بشيء من الوساوس فإن العلماء يُفتونه بالأخذ بأيسر الأقوال وأسهلها، حتى يمُنَّ الله -عز وجل- عليه بالشفاء.

ولهذا فنصيحتنا لك: أن تُعرضي عن هذه الوساوس، ولا تبني عليها أحكامًا، ولا تسترسلي معها، ومما يعينك على هذا، أن تُدركي تمام الإدراك، وتتيقني كامل اليقين أن الله -تعالى- يرضى لك أن تُخالفي الشيطان، ويُحب منك أن تُعرضي عن اتباع خطوات الشيطان، ولو فرض أنه وقع خلل أو قصور في عباداتك، وأنت في هذا الطريق، فإن الله -عز وجل- يرضى عنك ويريد منك ذلك، ولا يحب أبدًا الاحتياط والتنطع والمبالغة، التي يكون مصدرها وسوسة الشيطان واتباع خطواته.

فإذا أيقنت بهذه الحقيقة تمام اليقين، علمت بأن دين الله -عز وجل- سهل وشريعته سمحة، وأنها لا تحتاج منك إلى كل هذا التكلف والتنطع والعناء.

أما من الناحية الطبية، فإن الأطباء الفضلاء سيصفون لك -بإذن الله تعالى– بعض الأدوية التي قد يكون فيها عون لك على تعديل مزاجك، والتداوي من جملة الأسباب التي تُدفع بها المكروهات، كما قال نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم–: (تداووا) وقال في الحديث الآخر: (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له دواءً).

فنحيلك إلى الإخوة الأطباء ليمدوك ببعض نصائحهم النافعة لك.

نسأل الله -تعالى- أن يأخذ بيدك إلى كل خير.

------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة: الشيخ/ أحمد الفودعي .......... مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة: د. محمد عبدالعليم ........... استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
------------------------------------------------------------------

قطعًا كما أفادك الشيخ أحمد الفودعي -حفظه الله-، فإن الذي تعانين منه هو وساوس قهرية، وفي جُلها وساوس فكرية مستحوذة ومرتبطة بأمر معين، وهو التسمية قبل الوضوء، وأصبحت هذه الوساوس تشمل أيضًا النية والطهارة وكذلك خوف النجاسة، هذه كلها مخاوف وسواسية، والمخاوف الوسواسية، أو الأفكار الوسواسية، أكثر سهولة من حيث العلاج من الفعل الوسواسي، أو ممارسة الطقوس الوسواسية الرتيبة.

من المهم جدًّا أن تحقري هذه الوساوس، وألا تتبعيها، وألا تناقشيها، وكلمة التحقير كلمة مهمة جدًّا، ليس فقط ألا أفعل الشيء أو لا أحاول أن أفعله، هذا جيد، لكن الأجود هو التحقير والتتفيه وعدم مناقشة الفكرة، وأن تقولي: (أعوذ بالله منك، إنك وسواس، اذهب أيها اللعين) وهكذا، لا تسترسلي أكثر من ذلك.

بفضل من الله -تعالى- وجد أن العلاجات الدوائية ممتازة جداً، تساعد في علاج هذا النوع من الوساوس؛ لأن الوسواس يكون مصحوبًا بالقلق، وحين يزول القلق -إن شاء الله تعالى- يتيسر الأمر جدا، وتحسين بحالة استرخائية بعد أن تُنظم كيمياء الدماغ.

أنا أنصحك بأحد الأدوية المجربة والمعروفة، سهلة الاستعمال وسليمة جدًّا: عقار بروزاك والذي يعرف باسم (فلوكستين) قطعًا هو الأفضل، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة (عشرين مليجرامًا)، تناوليها لمدة أسبوعين، بعد ذلك اجعليها كبسولتين في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

الدواء سليم، وكما ذكرت لك فاعل جدًّا، وهو لا يسبب الإدمان أبدًا، وليس له أي تأثير على الهرمونات خاصة عند النساء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • رومانيا خالد

    الله يجزاكم خير

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً