الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخشى من تسلط القلق والمخاوف عليّ.. فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بدايةً أشكر الله على أن من علينا بمثل هذا الموقع المعطاء، ثم الشكر لك د. محمد على ما تبذله، رفع الله قدرك وأسعدك والقارئين دنيا وآخرة.

فلنبدأ من البداية: أنا شخص عمري 24 سنة، ويظهر علي التدين بفضل الله، الأوسط من الذكور والإناث في العائلة، -الحمد لله- أملك من المواهب والقدرات الكثير، ولدي طموح وأهداف أود أن أحققها قبل الرحيل لأترك أثرا لي على وجه هذه البسيطة.

وراثياً: أبي تظهر عليه علامات القلق والشك والوساوس، ولكنه بحالة طيبة -بحمد الله- وكذلك جدي رحمه الله، بدأت معاناتي يا د. محمد في آخر المرحلة المتوسطة بقليل من الاكتئاب ووسواس الموت، ولكنها لم تطل، أتى بعدها بفترة وسواس الطهارة الذي بصراحة لم آبه له حتى مل مني، وولى، ثم زارتني وساوس تمس الذات الإلهية، وقد تعبت منها وأنهكتني ولازمتني لفترة، ثم سافرت من غير عودة.

في المرحلة الجامعية أتتني نوبات اكتئاب متقطعة ووساوس وقلق حتى قررت الذهاب إلى دكتور نفسي، وذكر أنني مصاب بالوسواس القهري، وصرف لي " الفافرين" الذي قطعته بعد شهرين تقريباً، ثم عدت إلى حياتي الطبيعية لفترة طويلة كانت تتخللها مشاكسات مع الوساوس والقلق، كدت أن أنسى نوبات الهلع، والتي تتركز عند السفر، أو خروجي لمكان بعيد عن المنزل، وقد لازمتني لفترة طويلة حتى رحلت.

الآن دكتوري الفاضل لدي أعراض تنكزني بقوة أصابتني بعد وفاة أخي الصغير رحمه الله، وذلك قبل رمضان الذي قضى، علما بأني ألهمت الصبر على المصيبة، ولكن كانت هناك أمور صاحبت إجراءات الوفاة سببت لي ضغوطا وحملتني مسؤوليات، الأعراض كالتالي:

- أصابني قلق مستمر ومخاوف غير منطقية أخشى من تسلطها.

- الخوف من الجنون، ومن أن أكون مثل المريض فلان وفلان.

- أفكار سلبية متكررة.

- وساوس ودوافع غريبة منطقيا ملحة أرفضها، ولكن أخشى من تصديقها.

- أشعر أحيانا بغربة الذات.

- صداع نصفي أتعبني كثيراً، وصداع أعلى الرأس.

- أشعر بأني لا أفهم ما أسمع، ولكني بخلاف ذلك.

- أشعر أحيانا بأن الماضي مجرد أحلام.

- أسئلة فلسفية عن التفكير وتفاصيله.

- نومي غالبا أصبح نهاريا، وأكثر أوقاتي على الآيباد متصفحا الاستشارات والمواضيع النفسية.

حالياً يا دكتور لم أعد أصلي في المسجد، واعتذرت من الجامعة هذا الفصل الدراسي وانحسرت علاقاتي الاجتماعية، علما بأني اجتماعي وعلاقاتي مع الآخرين عال العال، والآن أصبحت رفيقاً للمنزل، أخشى من الخروج، وهذا لا يعني البقاء مطلقاً فأنا أخرج أحيانا لقضاء حاجيات أهلي، حينما أتذكر يا دكتور محمد أن مسؤولية التغيير الذاتي تكون على عاتقي يصيبني الإحباط، وأتساءل هل سأعود كما كنت أم أصنع إنسانا آخر يلائم الحال الذي أنا عليه.


هل هذا عصاب أم شيء آخر؟ هل التجاهل للوساوس وتناسي المرض يجدي أم الاعتراف به أولى ؟ ما هي الخطوات التي ينبغي أن أخطوها بدايةً، علما بأني متواصل مع الدكتور ميسرة طاهر معرفيا وسلوكياً، ولكني أردت سماع نصيحتك ومشورتك؟ هل هناك نماذج مشابهة نجحت وتجاوزت هذه العقبات؟ وللفائدة هل هناك علاقة بين العصاب والذكاء؟

هذا والحمد لله أولا وآخراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسين محمد الزبيدي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا والكتابة إلينا، وشكرا لتوجيه الرسالة للفاضل العزيز د. محمد عبد العليم، إلا أنه في سفر حاليا.

ليس من الغريب أن يكون للعصاب العديد من الأعراض، والتي قد تختلف من شخص لآخر بحسب العمر، وطبيعة الشخصية، وخبرات الحياة وغيرها.

يبدو من خلال الوصف الجيد لما مرّ وتمرّ به حاليا، أن الأصل عندك هو الوسواس القهري بأشكاله المختلفة من الموت والطهارة والذات الإلهية، والآن الأسئلة الفلسفية...، والتي تمكنت من تجاوز معظمها، وإن كان من الطبيعي أن تعود بين الحين والآخر، وخاصة عندما تمرّ في مرحلة صعبة من حياتك، وكما حدث عند وفاة الأخ الأصغر رحمه الله.

وبعض الأعراض التي عددت في رسالتك من القلق العام، والتفكير في الماضي والمستقبل، والمخاوف غير المنطقية.

وللعلم فمعظم المخاوف غير منطقية، كل هذه الأعراض ربما لها علاقة بفقدان الأخ الأصغر، ولا شك أن وفاته كان صدمة كبيرة لك ولكل الأسرة، والمرجح أنك ما زلت تمرّ في مرحلة التكيّف مع هذه الوفاة، الأمر الذي يأخذ بعض الوقت، والذي قد يمتد من ستة أشهر إلى السنة في بعض الحالات.

إن فكرة الخوف من "الجنون" كثيرة الانتشار عند الذي يعاني من العصاب وخاصة الأفكار القهرية، وبحيث يسأل الإنسان نفسه "هل بدأت أفقد عقلي"؟

نعم هناك الكثر ممن أصيب بالكثير من آلام أعراض العصاب المختلفة، واستطاع التعافي والخروج مما هو فيه، إلا أن هذا لن يحدث أو يتأخر كثيرا إذا استمرررت بالتجنّب وقلة الخروج من البيت؛ لأن هذا التجنب يزيد المشكلة تعقيدا، وقد يُعرضك للإصابة بالاكتئاب بسبب فقدان الحياة الاجتماعية، والانسحاب من المجتمع، وخاصة لشاب طموح مثلك عنده آمال كبيرة في تقدير ما ينفع البشرية.

والذي أنصح به هو المتابعة بالعلاج المعرفي السلوكي مع الأخ العزيز د. ميسرة طاهر، والذي سيتضمن لا شك موضوع الخروج من البيت، وعدم التجنب، وأن تعطي نفسك فرصة للتعافي مما ابتلى الله به من فقدان الأخ الأصغر، ونحن البشر وبالرغم من إيماننا بقضاء الله تعالى وما يختاره لنا، إلا أننا نبقى نشعر بآلام الفقدان والفراق، ونحن نذكر حزن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في فقد أحبابه، وفي الحزن الطويل ليعقوب عليه السلام، ولعل هذا الموضوع أيضا يمكنك مناقشته مع د. ميسرة طاهر.

وأخيرا فبشكل عام لا توجد تلك العلاقة بين العصاب والذكاء من جانب أن يؤثر الواحد على الآخر، إلا من باب أن الذي يدرك أحيانا أبعاد الأمور وبشئ من العمق يمكن أن يكون أكثر عرضة من غيره لبعض أعراض العصاب بسبب أنه يحاول أن يحلل ويربط ويستنتج.

وفقك الله، وكتب لك العافية، وراحة البال، وجعلك من المتفوقين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً