الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل محبتي لمعلمتي شركية أم عشق؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الله أن يفتح عليكم فتوح العارفين، وأن يغفر لنا ولكم، وأن يجعل ما تقدمونه في ميزان حسناتكم.

رسالتي مهمة جداً لي لأني أرى نفسي مشتتة، لا أعلم ماذا يجب علي فعله، وأطلب منكم الإسراع وإنقاذي.

أنا فتاة أبلغ من العمر 15 عاماً، والداي لا يهتمان بشيء أكثر من الأمور المادية، والدراسة وتلك الاهتمامات، وقليل أن تجد من تبث له همومك، كانت هناك داعية تكبرني سناَ -بعمر والدتي-، إنسانة أخلاقها وكلامها جميل، وشخصيتها قوية، وهي معلمة لنا، أغلب الفتيات كانوا يحبونها محبة شديدة.

أما أنا، فقد بدأ الأمر بتعلق غريب لا أدري ما هو، تعلق قلبي بها جداً، لدرجة أني أصبحت إذا نمت بالعصر مثلاً واستيقظت، أبدأ بالبكاء لأني أتذكرها، كنت بعيدة عن الله، لاهية لا أحافظ على صلاتي، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي قذف الله فيه نور الهداية في قلبي، فأصبحت أحافظ على الصلوات، وقيام الليل والقرآن وغيره -والحمد لله-، فقلت في نفسي دام أنها كانت سبب هدايتي، وأنا أحبها فسأخبرها، فقلت لها وأخبرتني أنها هي كذلك، فبدأ الأمر جميلاً، أعينها وتعينني على الطاعة، ويدفع بعضنا بعضا، إذا دعوت الله لا بد أن يكون لها نصيب.

ودائماً يؤثر كلامها في، كنت متهاونة في الحجاب، واقتديت بها فهي لا يخرج من بدنها شعرة عند خروجها -حفظها الله-، وعلمتنا الالتزام بالنوافل والأذكار، وما زلت على تواصل معها، لكن العجيب أنه إذا أرسلت لي رسالة، أو ردت على رسالتي، أقسم بالله ينقبض قلبي انقباضاً شديداً، أكره هذا الانقباض، وأتوتر عند الحديث معها، أخاف أن أغضبها رغم أني لم أفعل قط، أطمئن إليها أكثر من والدي طبعاً، فهما لا يعيرانني انتباها، وكنت أتذكرها دائماً لكني عرفت حرمة ذلك، فلم أعد أفكر فيها بكثرة، خفت أنه ربما ذلك عشق، وربما هي محبة شركية، وما زلت خائفة، علماً بأنه والله ما أعنا بعضنا على منكر أبداً!

وهي لديها الكثير من الأخوات الداعيات والأحبة، أما أنا فأعيش في وسط بيئي اعتاد المعاصي والفجور إلا من رحم ربي منهم، سألت إحدى الأخوات فقالت ربما يكون حسداً أو عيناً، وقالت: اقطعي كل تواصل معها. خفت وانتابني الحزن، لكني مسحت حساب التواصل معها ومسحت رقمها، وأخذت أبكي، وبقي لدي رقمها في جهاز آخر فقلت أستشيركم، ثم أرى ماذا أفعل، لأنني مشتتة، لا أعلم هل أحبها محبة شركية؟ أم أن ذلك العشق؟ أم أنها محبة في الله ولكنها مع تعلق؟

أنقذوني حفظكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ جميلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

بداية نرحب بك -ابنتنا الفاضلة-، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يعينك على طاعته، وأن يصلح لنا ولك الأحوال، وهنيئًا لك بهذه التوبة، وهنيئًا لك بهذه الداعية التي كانت سببًا في أن تعودي إلى الله تبارك وتعالى، ونوصيك بمواصلة التواصل معها، والتناصح معها، والاستفادة منها، وتعوذي بالله من هذه الخواطر السيئة، وليس لك أن تقطعي العلاقة بها طالما كانت العلاقة كما وصفت، فإن العلاقة المطلوبة هي ما كانت لله، وفي الله وبالله وعلى مراد الله، -والحمد لله- يجمع بينك وبينها على الدين والتقى، والتعلق الممنوع هو التعلق الذي يُعيق عن الله تبارك وتعالى، فإذا كنت أنت -ولله الحمد- تطيعين الله في السر وفي العلن، في وجودها وفي غيابها، فهذا دليل على أنك عابدة لله مطيعة لله تبارك وتعالى.

أما ما يحصل معك من انقباض، أو من رغبة في عدم إغضابها، فلا حرج في هذا، فإن الإنسان أيضًا يستحي من الناس، ويستحي من أصحاب الوجاهات، وكثير من الناس يستحي من العلماء ومن الكبراء، وهذا فيه درس عظيم جدًّا، لأنه دليل على الحياء، لكن إذا كنا نستحي من هؤلاء فالله أولى بالحياء، وأولى بأن نخافه في السر والعلن، ونتجنب ذنوب الخلوات.

فاستمري على ما أنت عليه، ولا تمسحي رقمها، وتواصلي معها من حين إلى آخر، واسأليها عن أحكام الدين، واسألي عن أخبارها وأحوالها، ووزعي هذه المشاعر لأخوات أخريات، فالمؤمنة لا تكتفي بشيخة أو داعية أو صديقة واحدة، وإنما تبحث عن صالحات فتوزع بينهنَّ المشاعر، وإذا كنت تحبين هذه الداعية فإن الداعيات كثر، إذا كنت تحبين الفتاة الصالحة فإن الفتيات الصالحات -ولله الحمد- يملأن المدارس والساحات، فالإنسان يوزع مشاعره، ولا تربطي نفسك بشخص واحد فقط، ولكن استفيدي من علمها، وتناصحي معها، ولا تقطعي العلاقة، فإن هذا الذي يحدث يحتاج إلى شيء بسيط من التصحيح والتصويب، وطالما كنت أنت -ولله الحمد- لم تعشقيها عشقًا لأنها جميلة أو لأنها كذا، بل أنت تقولين (هي في سن الأم)، والممنوع هو أن تتحرك المشاعر السالبة، المشاعر الجنسية أو العاطفية، لكن إذا كانت هناك مشاعر حب لإيمانها، لصلاحها، لطاعتها لله، لأنها قدوة، لأنها أثرت فيك، فهذه كلها معاني مطلوبة، ولا مانع منها من الناحية الشرعية، والإنسان إذا أحب إنسانًا فهذا فعلاً لا يستطيع أن ينظر إليه، قد يأخذه الحياء، والصحابة كانوا يتكلمون أنهم ما كانوا يستطيعون أن ينظروا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم– كما حصل من عمرو بن العاص حياء واحترامًا وتوقيرًا للنبي -عليه صلاة الله وسلامه-.

ولا يزال الناس وطلاب العلم يحترمون مشايخهم ويحترمون دعاة الإسلام، وربما فعلاً يُظهر الحياء والانكسار أمام الشيخ، لأنه يستحي من الشيخ ويقدره ويعظمه، فطالما كان هذا التعظيم لله لا لشخصها، لدينها لا لأموالها، لا لوجاهتها، لا لجمال شكلها، فهذه هي الأشياء الممنوعة، أما إذا كان التعظيم أو الاحتفاء بها والاهتمام بها لأنها مطيعة لله تبارك وتعالى، فهذا -إن شاء الله تعالى– لا غبار عليه، فلا تحملي نفسك فوق طاقتها، وحاولي أن تتواصلي معها، وتستمعي إلى دروسها وتنتفعي منها، واجعلي ذلك عونًا لك على طاعة الله تبارك وتعالى، واحرصي على أن تُطيعي الله في وجودها وفي عدمه، واجعلي هناك عبادات في السر بينك وبين الله تبارك وتعالى.

ونشكر لك هذا التواصل، ونتمنى إذا كان هناك مزيد من التوضيحات أو مزيد من التطورات أن تتواصلي معنا قبل أن تتخذي أي قرار، حتى نتعاون جميعًا في فهم ما يحصل، وفي التوجيه السديد النافع.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً