الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يكلم نفسه ويتوهم أن الناس يتكلمون عنه، فما علاجه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعرض عليكم هذه المشكلة راجياً من الله أن أجد علاجاً لها، وأسأل الله أن يبارك في جهودكم، وألا يريكم مكروهاً بعزيز.

أخي يشرد كثيراً، ويكلم نفسه، وإذا ناديناه أو خاطبناه لا يجيبنا، ولديه شعور أن الناس يتكلمون فيه بسوء، ويذكر أسماء كثيرة لأشخاص يعرفهم، ويقول: إنهم قالوا فيه كذا وكذا..كلاماً كثيراً لا يحصى، وفي غاية السخف، ويحلف بالغيب أن هذا يحدث، وأننا نعرف ونكتم عنه.

كلمناه مراراً من جهة عقلانية، وقلنا له أن يستعيذ بالله، وينتهي، وقلنا له: إن هذا الكلام لا معنى له، وسواءً حصل أم لم يحصل فلا يهمك في شيء، ولا يضرك في شيء، فلم ينفع معه الكلام!

المشكلة بدأت معه عندما سافر للدراسة إلى مصر وسط الأحداث المضطربة فيها، وكان يُقيم وحيداً في الشقة، وقليلاً ما يزوره أحد أو يكلمه، أضف إلى ذلك تعطل الدراسة هناك، مما جعله لا يذهب للجامعة سوى للامتحانات، ونظن أن جلوسه بمفرده عوده على أن يكلم نفسه، وأن هذا سبب المشكلة.

قبل أن يحدث هذا معه كان فتىً نشيطاً، موفور العقل، بعيد النظر، صادق النبوءات، مجتهداً في العبادة، خصوصاً في رمضان، يختم القرآن مراراً، ويعتكف العشر جميعهن، أما الآن فصار شديد الخمول، كثيرَ الفكر في هذا الكلام الفارغ، وينامُ عن الصلوات، وفي رمضان الماضي لم يقرأ شيئاً، وفرط في كثيرٍ من الصلوات.

نحن نخشى الذهاب به إلى طبيبٍ نفسي خوفاً على مستقبله المهني، ولكنه أصبح يكلم نفسه، ويضحك أمام الآخرين والضيوف، ونخشى عليه من قالة السوء.

أفيدونا أفادكم الله، وبارك في علمكم وجهودكم، ولا أراكم مكروهاً في الدنيا ولا الآخرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فلان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نشكرك على الثقة في إسلام ويب، وعلى اهتمامك بأمر أخيك الذي نسأل الله تعالى أن يشفيه، وأن يعافيه، اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا.

أنت أعطيت وصفًا وصورة إكلينيكية جميلة، بمعنى أنك قد أبرزت الأعراض والتصرفات، والسلوكيات، والتاريخ المرضي الذي مرَّ به أخوك –عافاه الله–، ومن خلال ما هو بين يديَّ من معلومات أستطيع أن أقول لك -وأنا على درجةٍ عاليةٍ جدًّا من اليقين-: أن أخاك -شفاه الله- يُعاني من مرض ذهاني يُعرف بالفصام الباروني، وهو نوع من المرض الذي قد يأتي فجأة أو ببطء، ويظهر في شكل اضطرابٍ في الأفكار، وشكوك، وظنان، وسوء تأويل، وعدم ثقة بالناس، وهلاوس، واضطراب في الوجدان، وتدهور عام في شخصية الإنسان وفي أدائه، وهنالك أعراض أخرى كثيرة.

إذًا: الذي يجب أن نتفق عليه أن هذا الأخ مريضٌ -عافاه وشفاه الله تعالى-.

الخطوة الثانية والمهمة هي: العلاج، وأنا أتفق معك أن معظم هؤلاء المرضى لا يقبلون أن يذهبوا إلى الأطباء، لكن بشيء من الحصافة والفطنة، وبناء جسور وجدانية معهم يستطيع الإنسان أن يقنعهم بالذهاب إلى الطبيب.

أولاً: أهم شيء: لا تجادلوه في أفكاره، لا أقول لكم ثبتوها أو أيدوها، لكن لا تُكثروا من جداله، ولا تتحدوا أفكاره، فالفكر الظناني الضلالي الباروني الاضطهادي من النوع الذي يُعاني منه أخوك إذا كثر جداله تزيد قناعته بأفكاره المرضية، وحتى الذين يجادلونه سوف يُدخلهم كجزء أصيل في ظنانه، ويعتقد أنه مستهدفٌ من قبلهم. هذا الصباح أتاني أحدُ المرضى يحكي عن أسرته، وعمن حوله، وأنهم يتآمرون عليه، للدرجة التي قال لي حين سألته: هل أنت تحس أنك مستهدفٌ من قبلهم؟ قال لي: (نعم، بل أحس أني هدفًا سهلاً) وقطعًا ثبتوا ظناناته وأفكاره المرضية من خلال الجدال، ومن خلال أنه متوهم، وشيء من هذا القبيل، نعم هو متوهم، وهذا مرض، لكن سلطان المرض قوي جدًّا.

إذًا: بشيءٍ من الود واللطف يُقنع هذا الأخ، ونقول له: (لماذا لا نذهب إلى الطبيب لتُجري بعض الفحوصات؟ أنت الحمد لله بخير، لكن نرى عليك بعض الإجهاد الجسدي وربما النفسي) وشيءٍ من هذا القبيل.

ويتحدث معه شخصٌ واحد فقط، ويكون صاحبَ تأثير عليه، ليس من الضروري أن يكون كبير الأسرة مثلاً، إنما أي شخص له علاقة به، ويستمع إليه، ولديه الفطنة في التواصل معه، يمكن أن يقنعه.

هذا الأخ لا شك أنه محتاجٌ لمضادات الذهان، وهي كثيرةٌ وكثيرة جدًّا، وهي متوفرة الآن، فهنالك الزبركسا، وهو من الأدوية المتميزة، وتوجد له أنواع تذوب ذوبانًا كاملاً في الماء أو في العصائر، حتى المريض الذي يرفض الأدوية لا مانع من أن تُعطى له بهذه الكيفية، فهذا أمر أخلاقي جدًّا.

وهنالك الرزبريادون، وهنالك الإنفيجا، وهنالك الكواتبين..مجموعة طويلة جدًّا من الأدوية الفعالة، وبفضل الله تعالى هؤلاء المرضى بعد أن تتحسن أحوالهم ويستبصرون، ويحدث لهم ارتباطٌ فعلي بالواقع تجدهم يتعاونون جدًّا في تلقي العلاج إذا وجدوا الطبيب الأمين، والطبيب الثقة الذي يبني معهم علاقاتٍ علاجية.

وفئة أخرى من المرضى نضطر أن نعطيهم إبراً وحقناً، وهنالك -والحمد لله تعالى- أنواعٌ متعددةٌ من الإبر طويلة المدى، تعطى الإبرة مثلاً مرةً واحدة في الأسبوع، أو مرة واحدة كل أسبوعين، أو حتى مرة واحدة كل شهر، والحمد لله تعالى الآن هناك متسع في الأمر.

وهنالك حقيقة أريد أن أنصحك بها –أيها الفاضل الكريم – وهي: أن الأبحاث كلها أشارت أن نتائج العلاج تكون رائعة إذا كان هنالك تدخل مبكر، يعني أن لا نهمل المريض، ويجب أن نقدمه لمرافق العلاج، والنقطة الثانية هي: تناول الدواء بجرعته الصحيحة، وللمدة المطلوبة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله أن يكون ما ذكرته لك من معلوماتٍ مفيدًا، ويمكن أن تعرضها على ذويك وأهلك من أجل أن تصلوا إلى قناعة تامة بعلاج هذا الأخ، وأنا أقول لك: إن نسبة نجاح العلاج عالية جدًّا، تصل إلى ثمانين أو تسعين بالمائة.

نسأل الله لكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا محبه ربها

    الله يشفيه ويشفي كل مريض

  • مصر على

    علاجه ليس عند الطبيب

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً