الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تطور القلق عندي إلى وساوس حادة لم تنفع معها الأدوية.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية إخواني: أود أن أشكركم وكل القائمين على هذا الموقع المتميز، جعله الله في ميزان حسناتكم.

مشكلتي مع مرض القلق بدأت في عام 2006، حيث بدأت أعراض المرض تنتابني بعد خبرٍ محزن، بعدها قمتُ بقراءة الكثير عن هذا المرض، وكيف يمكن التعايش معه، وفعلاً –والحمدلله- استطعت إلى حدٍ ما أن أتأقلم معه دون اللجوء للدواء الكيمائي، ولكن كما تعلمون أن هذا المرض مباغتٌ، وفي عام 2009 وبالتحديد في شهر رمضان المبارك بدأت معاناتي مرةً أخرى، حيث تعرضت لموجة قلقٍ شديدة الحدة، كانت جديدة علي من شدتها، وفقدت على إثرها نعمة النوم والشهية، وكانت هذه المرة وسواساً شديد الحدة، متعلقاً بالأمور الدينية، وخاصةً فيما يتعلق بالمسائل الخلافية.

قمت بمراجعة طبيبٍ نفسي، فشخص حالتي على أنها قلقٌ عام، ووصف لي عقار سبرالكس، ووصلت في جرعته إلى 15 ملج، ولمدة سنة تقريباً، والحمد لله تحسنت حالتي، واستطعت -والحمد لله- أن أكون شخصاً فعالاً على المستوى الشخصي والعملي، وبعدها قمت بمراجعة الطبيب المعالج، وعرض علي عقار جديد يُسمى فولدكسان، وقال: إن أعراضه الجانبية أفضل من عقارات محفزات السيرتونين، ولكن بعد شهرٍ تقريباً انتكست حالتي، ورجعت للطبيب نفسه، وأرجعني إلى مستوى 20 ملج من السبرالكس، واستمررت عليه مدةً تقارب السنتين، وتحسنت حالتي والحمد لله.

ولكن قبل ثلاثة أشهر قمت بتخفيض الجرعة تدريجياً حتى توقفت عن الدواء، وقرأت عن الإنيستول، واستمررت عليه خلال فترة الثلاثة الأشهر الماضية، ولكن تقريباً منذ فترة شهر انتكست حالتي مرةً أخرى لدرجةٍ شديدة، وقمت بالرجوع للدواء القديم سبرالكس، وأخذت جرعة 10 ملج لمدة ثلاثة أيام، ثم 20 ملج، ولكن زادت حدة القلق والاكتئاب، لدرجةٍ أفقدتني لذة الحياة، فقمت بمراجعة الطبيب المعالج، فقال: استمر على هذا الدواء هذه الفترة حتى نهاية شهر رمضان، ثم ابدأ بزولفت 50 ملج لمدة ثلاثة أيام بعد العيد، ومن ثم ابدأ 100 ملج، وكذلك وصف لي زانكس، ولأن حالتي ساءت جداً أخذت الزانكس بشكل مستمر تقريباً لمدة 3 أسابيع، والجرعة لم تتعد نصف ملج يومياً.

الآن –يا دكتور- الأفكار الوسواسية زادت حدة، وكذا القلق، وقلة النوم تتعبني في هذه الفترة، فبماذا تنصحوني يا دكتور؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سلطان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نحن نُشاركك الشكر والتقدير، وكلماتك الطيبة هذه، وكل عام وأنتم بخير.

حالتك بدأت مباغتة، وهكذا هو القلق، قد يأتي بمسببات، أو قد يكون غير مرتبط بأي أسباب، ورحلة الإنسان مع القلق حين تبدأ تستمر مع وجود ارتفاعات وانخفاضات في الأعراض، وربما تظهر أعراضٌ أخرى، كالمخاوف والوساوس، وكذلك الاكتئاب.

هذا هو الذي حدث لك، والآن أنا أرى أن الأمور تتجه نحو ما هو إيجابي، المهم جدًّا هو أن يكون الإنسان فعّالاً، فليس وجود الأعراض هو المهم، إنما المهم كيف أتعامل مع الأعراض؟ وكيف أكون فعّالاً ولا أعطل حياتي؟

القلق، والوساوس، والمخاوف هي ضروريات في حياتنا، لكن إذا زادت قد تُعيقنا، ولذا نحن ننصح الإخوة الذين يُعانون من هذه الحالات أن لا ينقادوا بمشاعرهم، إنما ينقادوا بأفعالهم، والأفعال تُنجز من خلال التوكل على الله، والعزيمة، والإصرار، ووضع البرامج اليومية ذات الطابع المنسَّق ومحدود المعالم، والإنسان يمكنه قياس إنجازاته، فهذا ليس بالصعب أبدًا، فمن يريد أن يتوقف عن التدخين مثلاً، فإنه يحدد أنه سوف يتوقف عن التدخين في خلال أسبوعين، وخلال هذين الأسبوعين يجب أن تكون هناك جدية قاطعة من جانبه، ويخفض السجائر تدريجيًا، ويجب أن يتوقف بعد أسبوعين، وسوف يحس بالمردود الإيجابي، وهكذا.

إذًا: الحياة هي تصميمٌ وإنجاز، وضوابط قياسية أقيسُ ما سوف أؤديه، وهذا يدفعك دفعًا إيجابيًا.

الذي يظهر لي أن الطابع القلقي والوسواسي الموجود لديك يتطلب تناول جرعة وقائية من دواءٍ لفترة طويلة نسبيًا، وهذا يجب ألا يكون مخيفًا لك؛ لأن هذه الأدية –خاصة محفزات تنظيم السيروتونين– هي أدوية سليمة، وأنا أقول لك: إن عقار (زولفت/لسترال/سيرترالين) هو من أفضل العلاجات التي تعالج قلق المخاوف، وكذلك الوساوس، فأرجو أن تتناوله، وأسأل الله تعالى أن تنعم به، وأن يكون ذا فائدة كبيرة لك.

القلق النومي هذا عرضٌ ثانوي، وتحسين النوم سوف يتم -إن شاء الله- من خلال هذا الدواء، كما أن الصحة النومية تتطلب منك ممارسة الرياضة، والنوم المبكر، وتجنب النوم النهاري، والحرص على الأذكار، وتثبيت وقت النوم، وتجنب تناول الشاي والقهوة في فترة المساء.

جرعة الزولفت هي أن تبدأ بنصف حبة –هذا قد يكون أحوط–، تناولها يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ارفعها إلى حبةٍ كاملة، وبعد أسبوع إلى أسبوعين أعتقد أن جرعة مائة مليجرام ستكون هي المناسبة جدًّا بالنسبة لك، وهذه يتم تناولها ليلاً ساعة إلى ساعتين قبل النوم، ويجب أن تستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم نصف حبة يوميًا لمدة شهرين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

بالنسبة للزاناكس: أنا أقول لك ودون أي مبالغة علمية أو تخويفية هو دواء ممتاز، ودواء قوي الفعالية، لكن قطعًا قد يتعود عليه الإنسان، فأنت تناوله لفترة ثلاثة أسابيع، وهذه فترة غير مخيفة؛ لأن الجرعة التي تتناولها أيضًا صغيرة، لكن بعد ذلك يجب أن تلجأ إلى الفطام منه؛ وذلك بأن تجعل الجرعة ربع مليجرام يوميًا لمدة أسبوع، ثم ربع مليجرام يومًا بعد يوم لمدة أسبوع آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

الوساوس دائمًا تُعالج من خلا التجاهل والتحقير، وأن تستبدلها بفكرٍ أو فعلٍ مخالف، وأن تصرف انتباهك عنها، وأن تسأل الله تعالى أن يزيلها عنك.

أيها الفاضل الكريم، الأمل معقودٌ في أن كل الذي بك سوف يزول بإذن الله تعالى، ومن جانبي أتمنى لك العافية والتعافي، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً