الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد ملكتي تغيرت معاملة خالتي لي للأسوأ، فكيف أتعامل معها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي: أن خالتي كانت معاملتها معي قبل ملكتي ( خطبتي ) عادية، ولم أكن أشكو منها شرا، ولكن بعد خطبتي؛ شعرت بأنها غيرت معاملتها معي، فأصبحت تنقل عني كلاما لم أقله، عدا عن نظرات الحقد والكره، ولا تطيق أن تراني في بيتهم، مما سبب لي التعب النفسي، ومما زاد ضيقي أنها تعامل أهلي معاملة غير المعاملة التي تعاملني بها، وكأنني أجنبية عنها، حتى أصبحت لا أطيق النظر إليها، لأن مشاكلها تزداد يوما بعد يوم.

أرجوكم! لقد قاطعتها، وأصبحت لا أسلم عليها إلا في الولائم الكبيرة، وإذا رأيتها أمامي؛ أشعر بضيق ورغبة في البكاء، ولا أحب أحدا أن يذكرها أمامي، فبمجرد أن يذكر اسمها؛ فإنني أنفعل، وأشتمها، وأقول كل شيء فعلته معي، وأشكو لخالاتي الباقيات، وبنات أخي، وهم يقولون بأن هذا طبعها، وأنهم يعرفونها، وأنها لم تترك أحدا بحاله، حتى نحن أهلها تأذينا منها، وهذا طبعها، وصرت أشكوها لكل أحد أراه، ونصحوني بأن الأعمال لا ترفع لقاطع رحم، فخفت، وصرت أسلم عليها مجرد سلام بين فترة وفترة وأمشي.

أريد أن توجهوني للصواب، فقد تعبت نفسيتي، كما أن موعد زواجي قد اقترب – بإذن الله -.

أما مشكلتي الأخرى: هي أنني ألبس الفساتين العارية والكاشفة في الأعراس، ولقد رأت أختي رؤيا عني، وقال لها الشيخ: بأنه يجب علي أن أستتر، وأن لا ألبس العاري، وأن أتوب من الذنوب، مع أني ومن غير رياء أصلي، وأوتر، وأستغفر كل يوم ألف مرة، وأحافظ على أذكاري يوميا.

أرجوك أن توجهني للصواب جزيت الجنة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خولة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يرد عنك كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وحقد الحاقدين، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يمنّ عليك بطاعته ورضاه، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة خولة – فإنه وكما تعلمين أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فالإنسان منا لا يستطيع أن يجبر الناس على محبته، كما أنه ليس له أن يجبر الناس على كراهيته، وإنما القلوب بيد الله تعالى كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) بمعنى أن هناك أنفسا لا تحب الخير للناس، فهذه خالتك، كما أنها في منزلة أمك، لأنه ثبت في السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا بقوله: الخالة والدة، وأوصانا بإكرامها والإحسان إليها، بل وجعل دعاءها مستجابًا، وأمرنا ببرها، وهذا يدل على مكانتها لأنها في منزلة الأم، إلا أن النفوس البشرية أحيانًا قد تغلب الإنسان، فخالتك هذه عندما كنت غير مرتبطة أو غير معقود عليك كانت تعاملك معاملة عادية، أما عندما منّ الله عليك بذلك تغيرت نفسيتها، فقد يكون في نفسها شيء من عدم الراحة لبعض الخير الذي يُصيب بعض الناس حتى ولو كانوا أقرب الناس إليها، فهناك نفوس تسعد بالخير للناس سعادتها لنفسها، وهناك نفوس أيضًا تحزن لوجود الخير قد أصاب بعض عباد الله تعالى.

هذه أنفس بعضها مريض، ولذلك لا يفرح لفرح الناس، وإنما يحزن لفرح الناس، ويحزن لاستقرارهم، وهذا نوع من الحسد المقيت الذي قد يُصيب بعض الأنفس، ولذلك بالنسبة لخالتك هذه: أنا أرى ما دامت هذه صفتها وتلك طبيعتها – كما هو رأيك ورأي خالاتك الأخريات – أرى أن تكتفي فقط بإلقاء السلام عليها، والإحسان إليها بهذه الصفة، بمعنى أنه لا مانع من التواصل معها عبر الهاتف والسؤال عنها (السلام عليكم، كيف حالك يا خالتي؟) وإن وجدتها في أي مكان سلمت عليها، ولكن لا تتجاوزي هذا الحد حتى لا تُوقعي نفسك في حرج معها، ولا تتأجج الفتنة فيما بينكما.

فيما يتعلق بمسألة الطاعة والعبادة التي أكرمك الله تعالى بها، فأنا أرى أن هذه نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، وأن الله يحبك، ومن محبة الله تبارك وتعالى لك أنه أعانك على الطاعة، وأعانك على أدائها بصور متعددة ما بين الصلاة، والاستغفار، والأذكار، وغير ذلك، وهذه كلها من محبة الله لك، ومن إكرام الله لك، ولكنك في نفس الوقت أيضًا مقصرة؛ لأنك تقولين بأنك متعرية، وهذا أمر خطر، لأن التعري معصية عظيمة لله تبارك وتعالى، فإن الذي أمرك بالحجاب إنما هو الله جل جلاله، ولا يُعقل أن تكوني في بعض المجالات عابدة راكعة ساجدة؛ وفي بعض المجالات أيضًا عاصية متعرية متبرجة سافرة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ( صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما ) ومن هذين الصنفين قال: ( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ) فأنت الآن من هذا الصنف – عياذًا بالله تعالى – إذا لم تتوبي إلى الله تعالى، ومعنى ذلك أنك الآن تعرضين نفسك لغضب الله وعقابه، والكاسية العارية هي التي تُظهر بعض جسدها وتخفي البعض الآخر، ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، وبيّن أن هؤلاء من أهل النار.

عليك - بارك الله فيك – بالتوبة النصوح إلى الله تبارك وتعالى، ومحاولة تغيير ملابسك بصفة جذرية، لأنك مسلمة تحبين الله ورسوله، فعليك بطاعة الله ورسوله، لأن من علامات المحبة الطاعة، الآن لو أن زوجك طلب منك شيئًا ولم تُجيبيه إلى طلبه لقال: ( إنك لا تحبينني )، ولو أنك طلبت من أبيك أو من أمك شيئًا ولم يستجيبوا لك مرة بعد مرة أيضًا لقلت لهم: بأنكم لا تحبونني.

عليك – ابنتي الكريمة الفاضلة - بضرورة ترك التعري حياء من الله، وطمعًا فيما عند الله، خاصة وأنك الآن قريبة - إن شاء الله - بالزواج والبناء، ولا أعتقد أنك في حاجة إلى التعري لا قبل الزواج ولا بعده، لأن الذي أمرك بالحجاب إنما هو الله، فأتمنى أن تأخذي قرارًا شجاعًا وجريئًا بترك هذه الملابس العارية، وأن تلبسي ملابس مستترة محتشمة، حتى تكوني بذلك من أهل الجنة، وحتى يرضى الله تبارك وتعالى عنك، وحتى يمُنُّ الله عز وجل عليك بالأمن والأمان والاستقرار في حياتك الزوجية القادمة - بإذن الله تعالى -، واعلمي أن شؤم المعصية عظيم، فشؤم معصية التعري هذه قد يؤدي إلى عدم سعادتك مع زوجك، وقد يؤدي إلى أن يكرهك والعياذ بالله تعالى، وقد يؤدي إلى أن ينفر منك، وأنت قد تكونين على قدر من الجمال والأخلاق والطاعة، لأن المعصية لها شؤم عظيم، ولعل من شؤم التعري أن يحرمك الله تعالى من محبة زوجك لك وحرصه عليك.

اتقي الله تبارك وتعالى – يا بُنيتي – وحاولي ترك هذا التعري حياءً من الله، وواصلي الأعمال الرائعة التي تقومين بها من الصلاة والاستغفار والمحافظة على الأذكار، وحاولي أن تتواصلي مع خالتك ولو في أدنى صور التواصل، وذلك بالسلام عليها بين الحين والآخر عبر الهاتف، وكذلك السلام عليها عند المقابلة.

أسأل الله أن يوفقنا وإياك إلى كل خير، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً