الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من سرعة دقات القلب أثناء إمامة المصلين جهرًا، ما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

مشكلتي: أنني عندما أصلي بشخص في البيت، أو بجماعة صغيرة من الأصدقاء جهرًا، تتسارع دقات قلبي ويتغير صوتي إلى صوت فيه ارتجاف، فيغيب التركيز والخشوع، وأضطر أحيانًا أن أسلم في الصلاة مخافة أن يسكت قلبي.

سؤالي: هل سأحاسب على هذا لأنني أشعر بتقصير في حق الله وواجبي الديني؟ ولا يجب أن أخشى الناس بل يجب أن أخشى الله سبحانه، وهذا ما يجعلني أشعر بالذنب؛ لأن إمام المسجد قال: بأن هذا النوع من الخوف في أداء الواجب الديني يعتبر مذمومًا؛ بالرغم من أنني أواظب على الصلاة مع الجماعة، وأذكار الصباح والمساء.

أفيدوني جزاكم الله خيرًا، وهل من علاج لهذه المشكلة؟

للإشارة فقط: كنت أعاني من هذه المشكلة منذ الصغر، فكنت لا أقدر على المشاركة في المسرحيات المدرسية أو غيرها، ولم أفكر يومًا في العلاج، وأنا عمري الآن 33 سنة.

نشكركم على هذا الموقع الجميل، والسلام عليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرًا لك على التواصل معنا وعلى شكرك لخدمات الموقع، فهذا مما يزيدنا حماسًا للتفاعل مع القراء.

بعض الناس ليس عندهم شيء من الخوف أو الخجل والارتباك في الظروف العادية وأمام من يعرفون، إلا أنهم يشعرون بالحرج والارتباك وربما ضعف القدرة على الردّ والمواجهة أمام الغرباء والأماكن العامة، كما يحصل معك –ربما- عندما تصلي مع شخص أو مجموعة من الناس، فتشعر بتسارع ضربات القلب والارتباك...

يبدو من خلال الوصف في سؤالك أن هذه حالة معروفة من الخجل الاجتماعي، ولاشك أن لهذا علاقة وثيقة مع تجارب الحياة التي مررت بها، وليس مجرد خلل أو مرض في الشخصية أو ما شابه ذلك، فتجارب الحياة هي التي أوصلتك لهذا الحال حيث تشعر بالخجل أو الانطوائية والارتباك مع الناس.

هل يستطيع الإنسان تجاوز تجارب الطفولة؟ الجواب: نعم، ليس بالسهل أحيانًا؛ إلا أنه ممكن، فما هو الحلّ؟

مما يفيد هنا أن تدرك طبيعة ما يجري أنها حالة من الانفعال العاطفي، ومن أهم علاجات الخجل الاجتماعي والذي قد يصل لحد الرهاب والخوف، والعلاج الأكثر فاعلية هو: العلاج السلوكي، والذي يقوم على إعادة تعليم الشخص بعض السلوكيات والتصرفات الصحيّة، كبديل عن السلوكيات السلبية، فبدل تجنب الأماكن والمواقف المربكة أو المزعجة، أو تجنب اللقاء والحديث مع الناس، فإنه يقوم بالتعرض والإقدام على هذه المواقف والأماكن حتى "تتعلم" من جديد كيف أن هذه المواقف والأماكن ليست بالمخيفة أو الخطيرة كما تتصور حاليًا.

ويشرف عادة على هذه المعالجة الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي، والذي يحتاج أن يكرر جلسات العلاج عدة مرات.

ولكن ليس بالضرورة على كل من يعاني من شيء من الخجل الاجتماعي أن يذهب للأخصائي النفسي، فكثير منهم يعالج نفسه بنفسه، والمطلوب منك الآن العمل على اقتحام مواقف الاختلاط بالناس والحرص على الصلاة معهم، وعدم التجنب، فالتجنب لا يزيد المشكلة إلا تعقيدًا، وسترى وخلال فترة قصيرة كيف أن ما كنت تخشاه من بعض المواقف في الصلاة مع الناس ليست مخيفة كما كنت تعتقد، وسيزداد اختلاطك بالناس من حولك.

وأنصحك أيضًا بقراءة كتاب عن حالات الخجل والرهاب، فمعرفتك بهذا يمكن أن تزيد من احتمال تعافيك، وهناك على هذا الموقع الكثير من الأسئلة والأجوبة المتعلقة بهذا الموضوع، مما يشير إلى مدى انتشار مثل هذه الحالات، وإن كان معظم الناس يتجنبون الحديث في هذا الموضوع.

وبشيء من التدريب والتدرّج ستجد نفسك أكثر جرأة وأقل ارتباكًا في مواجهة الناس، والحديث أمامهم والصلاة معهم، ولكن حاول أن تتحلى ببعض الصبر، وستجد تغيّرًا كبيرًا وفي وقت قصير بعون الله، وستلاحظ أيضًا زيادة ثقتك في نفسك، مما يعينك على تجاوز هذه المرحلة.

وأدعو الله تعالى لك بالتوفيق والنجاح في أقرب فرصة.

__________________________________________
انتهت إجابة د. مأمون مبيض استشاري الطب النفسي
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية __________________________________________

مرحبًا بك -أيها الأخ الحبيب– في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقك لكل خير، ونشكر لك تواصلك معنا وحرصك على أن تكون نافعًا لدينك ولأمتك.

وما ذكرته -أيها الحبيب– من الخجل والخوف حين تمارس عملاً ما كالإمامة ونحوها أمام الآخرين أمرٌ قد يكون خارجًا عن قدرتك، والله لا يكلف نفسًا إلا ما آتاها، ولن يحاسبك الله تعالى على ما لا تقدر عليه، فإذا ما كان هذا الظرف بغير إرادة منك فإن الله تعالى لا يؤاخذك به، ولكن إن كان هذا الحياء يحول بينك وبين ما ينبغي أن تفعله من خدمة لدينك ومجتمعك فإنه أمر مذموم؛ نعم ينبغي ألا تقصّر في محاولة الخروج منه ومداواته بما أرشدك إليه الأخ الطبيب، وقد أفادك بفوائد مهمة ينبغي أن تأخذها مأخذ الجد، وتحاول التغلب على هذه الظروف التي تعيشها؛ لأن الحياء إن كان يمنع من حق فهو مذموم، وقد جاءت النصوص الكثيرة في مدح الحياء إن كان في الخير.

وفي المقابل جاءت النصوص بأن الحياء في غير الحق غير مطلوب من الإنسان بل قد يكون مذمومًا، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} وقالت أم سلمة -رضي الله تعالى عنها-: (إن الله لا يستحي من الحق) وسألت سؤالها المشهور في احتلام المرأة، وقالت أم المؤمنين عائشة –رضي الله تعالى عنها-: (رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهنَّ الحياء من أن يتفقهن في الدين) أو كما قالت رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

فالخلاصة -أيها الحبيب– أن هذا الخجل وهذا الحياء الذي يحول بينك وبين القيام بوظائف دينية لك فيها مزيد أجر وعلو درجة ينبغي أن تتخلص منه وألا تستسلم له، ولكن لا تأثم على ما لا يكون بكسبك، فما يكون خارجًا عن قدرتك لا إثم عليك فيه، وهذا كله فيما إذا كان حائلاً بينك ويبن أداء واجب من الواجبات، أما مجرد ترك الإمامة فإن هذا ليس فيه إثم سواء تركه الإنسان تحت تأثير الحياء أو غير ذلك، ما لم يتعين عليه هذا –أي بأن لا يوجد أحد يصلح للإمامة غيره-.

فالخلاصة أنك في فسحة من دينك، ولم تقع في إثم، ولكن ينبغي أن تسارع لمحاولة التخلص من هذه الأحوال التي تعتريك حتى لا تكون عائقًا بينك وبين سبل الخير الكثيرة.

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يأخذ بيدك إلى كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر يوسف

    عندما اصلي اشعر بقدمي لاتستطيع حملي من التوتر وقلبي يدق

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً