الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما نصائحكم لتقوية العزيمة والصبر ورفع معنويات الشخصية الحساسة؟

السؤال

ترددت كثيرًا وأنا أكتب لكم مشكلتي, ولكن من خلال ما شاهدته من مساعدتكم للكثير تشجعت.

أنا منذ ست سنوات كنت أعاني من مشكلة الخجل - الخجل الشديد فقط - ثم ظهرت لي مشاكل نفسية أخرى سنة تلو أخرى, ومنذ سنتين بدأ الخوف يسيطر على حياتي, فصرت أخاف من كل شيء: أخاف من الناس, وأخاف من الأماكن المرتفعة, وأخاف أن أدخل في مشاجرة أو مشادة كلامية, وأخاف من نظرات الناس, وأخاف من قيادة السيارة, ولم تكن لديّ بعض هذه المخاوف في الصغر, ولكن مخاوفي في الحياة زادت الآن.

أنا خجول جدًّا, فأنا أخجل أن آكل أمام الناس, وأخجل أن أتسوق أمام الناس, أو أن أحلق شعري, وأشعر أن الناس يراقبوني, وأخجل من أهلي ومن أصدقائي, ولا أستطيع أن أطلب خدمة أو مساعدة إلا من أبي وأمي, ومن الصعب أن أطلب شيئًا من إخوتي, ومن المستحيل أن أطلب شيئًا من أصدقائي أو أقاربي؛ إلى أن أصبحت منعزلًا ووحيدًا, وأصبح عدد أصدقائي لا يتجاوز الخمسة, ولا أستطيع أن أعتمد عليهم, ولا تجمعني بأقاربي أي علاقة - مجرد سلام فقط - وأصبحت قاطعًا للرحم, انطوائيًا, لا أذهب للمناسبات والأفراح - ولا حتى العزاء - ودائمًا أكذب لكي لا أذهب لمثل هذه المناسبات, مثل أن أدَّعي أني مريض أو مشغول.

بسبب قلة اختلاطي بالناس أصبحت جاهلًا لكثير من أمور الحياة, ولا أحسن التصرف في كثير من الأمور, ولا أدري ماذا أفعل في بعض المشاكل.

كنت في الصغر أتكلم بطلاقة لسان, وكنت جريئًا, - بشهادة أهلي ومعلميّ وزملائي - ولكني الآن لا أستطيع أن أتحدث مع الناس, ولا أن أعبر عما في داخلي, ولا أن أجيب عن أسئلة الناس, وأتلعثم في الكلام.

شخصيتي ضعيفة جدًّا, ولم يعد لي رأي خاص بي, وأصبحت متناقضًا ومترددًا جدًّا, وأتبع آراء الناس وكلامهم, ودائمًا أضع نفسي في مقارنات مع الآخرين.
أصبحت قلقًا متوترًا طول الوقت, وتفكيري لا يتوقف أبدًا, فأقلق من المستقبل, وأقلق من أشياء تافهة, فإن كان عندي موعد عند طبيب الأسنان في اليوم التالي فإني أفكر يومي كله في هذا الموعد, وأفكر لصلاة الجمعة من يوم الخميس, وأقلق إذا حدثت مشكلة لأحد أصدقائي, أو أحد أفراد عائلتي, فإن كان صديقي يعاني من مشكلة في الدراسة أو كان أحد عائلتي مريضًا فإني أقلق بشكل كبير, ولا أرتاح أبدًا, وأتأثر كثيرًا حين أسمع خبر وفاة, أو حادث سير خطير, أو كارثة طبيعية - حريق, أو زلزال -.


أنا حساس بشكل غير معقول, وأضيق إذا تعرضت للسب أو الغلط, وأغضب من أبسط الكلمات, وأتحطم - حتى لو كانت على سبيل المزاح - ولكن لا يظهر عليّ ذلك, وإذا تعرضت لمثل هذه المواقف فأظل ليلي أفكر فيها, ولا أنام, ولا أنساها لأيام.

لم تعد لديّ ذكريات جميلة, فكل ما أتذكره من الماضي هو الأشياء السيئة التي حدثت, وخيالي واسع, ودائمًا أتهرب من الواقع بالخيال, فقد أصبح متعتي الوحيدة في الحياة, إلا أنني لم أعد أسيطر على خيالي, فأنا الآن أتخيل أشياء سيئة سلبية, فأتخيل – مثلًا - أني في مشاجرة مع شخص, وأتخيل أني تعرضت للطعن أو الضرب, وأحيانًا أتخيل أني أتناول المخدرات - والعياذ بالله -.

أنا طيب جدًّا, ومتسامح - صحيح أن هذه الأخلاق من تعاليم ديننا الإسلامي, إلا أنها أثرت على حياتي؛ فأنا متسامح وطيب جدًّا - لدرجة أنني أصبحت ضعيفًا, وأتخلى عن حقوقي, وأسامح في مواقف من المفترض ألّا أسامح فيها, وأبكي حين أرى مريضًا أو فقيرًا, وأبكي في مواقف من المفترض ألّا يبكي فيها الرجال.

أجَّلت دراستي لمدة سنة بسبب هذه المشاكل, ويعلم الله أنني لم أكتب لكم هنا إلا بعد أن ضاقت عليّ الدنيا, ولم أعد أطيق الحياة, ولكن أملي في الله كبير ثم فيكم, والعذر إن لم أكتب بشكل مرتب, فهذه أول مرة أشكو فيها حالتي.

أنا - بإذن الله - مقبل على تحقيق أهداف من أهداف حياتي, وأحلام كنت أحلم بها, ولكنها تحتاج إلى قوة عزيمة وإصرار, فما نصائحكم لتقوية العزيمة والصبر؟

أحب أن أخبركم أني لا أستطيع زيارة طبيب نفسي في الوقت الحالي, فهل هناك أدوية مفيدة لحالتي؟ وإذا كانت هناك أدوية, فأتمنى ألّا تسبب زيادة الوزن؛ فأنا أعمل الآن على تخفيف وزني.

أعاهد الله ثم أعاهد نفسي وأعاهدكم أن ألتزم بنصائحكم قدر الإمكان - جزاكم الله خيرًا -.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فالذي تعاني منه ناتج من سمات وصفات قد تكون ملازمة للشخصية – كما ذكرت وتفضلت – فأنت تتميز بشخصية مرهفة حساسة، وربما تكون قلقة أيضًا، ولديك بعض السمات الوسواسية، وهذه كلها تجعل الإنسان قلقًا, ويحاسب نفسه كثيرًا، وتكون المنظومة القيمية منضبطة جدًّا؛ مما تجعل الإنسان يتحسس من الأمور البسيطة، ويكون في تسابق مع نفسه، وقد يعظم الصغائر بشكل مزعج جدًّا.

كل هذه السمات ينتج عنها قطعًا شيء من الرهبة، واهتزاز الثقة بالنفس، وخوف الفشل، وأعتقد أن هذا هو الذي تعاني منه.

فإذن أنت مطالب بأن تصحح مفاهيمك، فلديك مقدرات، ولديك إمكانات، ووصفت نفسك أنك طيب ومتسامح، وهذه ميزة عظيمة ورصيد كبير يجب أن تنطلق من خلاله.

أعتقد أن تنظيم وقتك بصورة أفضل سيكون له عائد إيجابي عليك، وحاول دائمًا أن تقبل الناس كما هم، لا كما تريد، وحاول أن تكون رفقتك من الصالحين الطيبين النافعين، والإنسان في مثل حالتك هذه يحتاج لمن يأخذ بيده من أجل الدفع الإيجابي المفيد.

أكثر من اطلاعاتك، خاصة الاطلاعات غير الأكاديمية، فالمعرفة أيضًا سلاح قوي لإعداد الإنسان, والمساهمة في نضجه الفكري والاجتماعي.

بر الوالدين له أهمية عظيمة في تعافي النفس, وبناء الطمأنينة فيها.

نصيحة مهمة: حاول أن تعبر عما بذاتك، فالكتمان - حتى للأشياء البسيطة - يؤدي إلى احتقانات داخلية، وأنا أعرف أن شخصيتك الحساسة واللطيفة لا تحاول أن تؤذي الآخرين، وربما تُكثر من التحمل والتحامل على نفسك، لكن هذا له عائد سلبي عليك، فحاول أن تعبر عن ذاتك أولًا بأول؛ لأن التنفيس والتفريغ النفسي مهم، والرياضة لها دور إيجابي جدًّا في هذا السياق.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أعتقد أن عقار (سيرترالين) سيكون جيدًا بالنسبة لك، والسيرترالين يسمى تجاريًا (زولفت) لكن يعاب عليه أنه قد يؤدي إلى زيادة في الوزن، وأنت حذِر من هذه الناحية، فيمكن أن نجرب الخيار الثاني, وهو عقار (بروزاك) - والذي يعرف باسم (فلوكستين) - فهو أيضًا جيد، لكن ليس بفعالية الزولفت في علاج الرهاب الاجتماعي والخوف، لكنه قطعًا سوف يحسن من مزاجك كثيرًا, ويقلل من الحساسية والوسوسة، وأعتقد أننا إذا وصلنا إلى جرعة كبسولتين في اليوم من البروزاك فهذا أيضًا سوف يحتوي مخاوفك الاجتماعية، فابدأ على بركة الله بتناول الفلوكستين بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وتناوله بعد الأكل، واستمر على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم بعد ذلك اجعلها كبسولتين في اليوم، وهذه الجرعة استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول هذا الدواء.

بارك الله فيك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر انا ايضا اعاني من الحساسية

    لدي نفس الاعراض التي ذكرتها و اعاني منها و هذا ماجعلني اتوقف عن دراساتي العليا بسبب مشكلة الحساسية الزائدة فحياتي صعبة و تعيسة جدا بسبب هاته الحساسية الزائدة انها اعتبرها ابتلاء من الله سبحانه و تعالى و أسأل الله ان يخفف عنا و عنك

  • اليمن الشاعر **محمد يسلم ثوبان

    الصبرودكر الله اول شي ثم عليك باممارسة الرياضةفانها تعطيك قوى وعزيمةاخوك الشاعر محمديسلم ثوبان **الملقب بالشاعر الحر ابو يسلم

  • الجزائر بلال

    مررت بمرحلة مشابهة انصحك بقراءة الكتب حول تقوية الشخصية مثل كتاب : الثقة التامة بالنفس تجده بصيغة الكترونية في الويب

  • السعودية ابوبكر الاحمر

    اخي العزيز انت انسان ذات شخصية حساسة جدا تتاثر بمن حولها سلبا وايجابا لذا اولا لو اردت التغيير علييك ان تبداء بنفسك ان تعزم وان تصر على التغيير وان تثق بانك الافضل والاحسن وان الناس كلهم سواسية وكلهم لديهم عيوب ونواقص ولكنهم ليسوا حساسين ومركزين عليها مثل ما انت الان
    العالج الدوائي ينفع ولكن استخدامة منفرد دوت تعديل السلوك والافكار القدسمة التي غرست في عقلك الباطن والتي جعلتك شخصية منهزمة قلقة
    لذا سنبدا العلاج معاك من نا حيتين ناحية دوائية مقننة ومحددة وناحية سلوكية لتعديل السلوك وزيادة الثقة بلنفس
    كلم نفسك ان الناس سواسية مثل اسنان المشط
    الحالة التي تمر بها تشعرك وكانك مراقب من الناس ووان اي غلطة ستعرضك اما للتوبيخ او للاسكات او للعقاب وكل هاذا من مواقف سابقة اما في الاسرة اوة المجتمع ومشكلاتهما اليومية خاصة اننا في مجتمع عربي لا يعرف سوى النقد الاذع
    لابد ان تعرف ان هاذة المشاعر القلقة من مراقبة الناس غير حقيقية وهي وهم لا توجد سوى في راسم انت فقط
    هاذاة الحالة ترافق حالات اخرى من الخوف الاحتماعي والانعزال خوف من الخطا لذا ستجد انك لاتتكلم وان تكلمت تلعثمت واحمر وجهك وبدئت بلارتعاش وتحس بان النظرات موجهة اليك وان الناس يراقبوك ويضحكوا عليك وهاذة كلها اوهام غير موجودة ثق بهاذا تكلم اخطا ماذا يعني فلناس كلهم يخطئون ومن ثم يصحكون ليبرروا خطائهم ولا يتحسسوا منة
    لذالك كلم نفسك دائما انا بخير انا لا اخاف انا قوي انا مثقف انا اجتماعي انا محبوب من العبارات التي تقويك وتشجعك
    تاكد انكم في البداية راح تجد نفس الصعوبة السابقة ولكن باستمرار راح تصل الى نتيجة انك تغيرت واصبحت انسانا اخر ولا تخشى الفشل اخطاء وايش يعني هل ستنتهي الدنيا
    خذ دواء سيبرالكس وحاول ان تكثر من الاطعمة التي تزيد البوتاسيوم في الجسم ومن السيستيرون حالتك مقرونة بنقص في السيستيروت والبوتاسيوم في الجسم

  • الجزائر طالب الجنان

    كانت لدي حالة مشابهة لحالتك كنت حساسا من كل شيئ ولا أذهب لاي عرس او عزاء متحججا بالمرض او اي سبب تافه اخر او انني اختفي حتى تمر المناسبة فقط لكي لا التقي باقاربي لانني كنت خجولا جدا جدا كنت لما أريد قصد محل لشراء أي شيئ فانني ابدا التفكير من على بعد 10 كلم كيف سادخل وكيف ساكلم صاحب المحل وماذا ان اخطات زد الى ذلك الاحراج من اي شيئ يقوله الناس اي ملاحظة واي تعليق احسب لها 2000 حساب ولا انام الليل بل ابكي على حظي التعيس لماذا انا انا ولم اكن شخصا اخرلكنني الان والحمد لله بدات اتحسن تدريجيا وبدات تزول مخاوفي وبدون ادوية والحمد لله ولم استشر اي طبيب فقط كل ما احتجته هو جلسة صادقة مع نفسي قررت فيها ان ازيل هذا الخجل بالاندفاع نحو اي شيئ وصدقني ان الناس ليست ابهة بك ابدا فلا تابه بها انا كنت لما اشتري ملابس جديدة كنت أمشي واظن ان كل الناس تنظر الي وان في احدى اللحظات سيضحك احدهم علي ولكنني اكتششفت العكس نصيحتي لك اخي بان تبادر ولا تدع مجالا للخوف بل املاه بطاعة الله واعلم انه لن يخيبك كذلك حاول الانضمام لجمعيات تقوم بانشطة خيرية ستجعلك تحتك بالناس وتخسر قليلا ممن خوفك منهم وكذلك اوصيك بالسفر فانه معلم للنفس يقوي شخصيتك بشكل رهيب وحدك او مع اصدقائك وانا اوصيك ان تكون مع اصدقائك لتتعلم اشياء جديدة وضع في بالك جيدا ان تطرد كلام الناس ومع الوقت ستتعود ونراك باذن الله من الشخصيات الكبيرة الفاعلة

  • المملكة المتحدة أمل

    من الامور المفيدة : ومجربة يوميا
    • الصلاة واذكار الصباح والمساء والقران
    • الرياضة والاغتسال يوميا والمشي خارجا ويفضل مع اشعة الشمس لافراز هرمون السعادة سيروتونين
    • الاكل المغذي حتى لو اكلت شي غير صحي معه
    • تمارين الاسترخاء سهلة وشم العطور
    • تنظيم الوقت لكل يوم من عبادة وعمل واكل وراحة وعناية وترفيه
    • ضم النفس ووضع اليد على القلب لافراز هرمون الاكسيتوسين وضم شخص محبب صديق او قريب اذا لم يوجد زوج
    • الابتسامة
    • لاللقلق والتوتر الاجتماعي من الغرباء تذكر هذا قبل الخروج مع حسن الخلق
    • العزيمة والصبر والهوايات والتواصل المحبب

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً