الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مزاجي متقلب وأخاف أن أموت وأنا نائم، ما هذه الحالة وعلاجها؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا شابٌ جامعيٌ، أبلغ من العمر 26 سنةً، قبل 6 سنواتٍ استخدمت حبوب (الكبتاجون)، كنت مراهقاً، وأنا ندمانٌ على ذلك، الذي حصل أني استخدمتها في أحد الأيام، وبقيت يومين سهرانا لم أنم، وكان وقتها زواج أحد أقاربي، ثم انخفض عندي الضغط، وشعرت بالموت، شعورٌ رهيبٌ كأني أموت فعلاً، يطول الأمر لو شرحت ما شعرت به.

المهم أنهم أخذوني لمستشفىً خاصٍ، وعملوا لي اللازم، وهدئت وتحسنت حالتي، بعدها بـ 9 أشهرٍ أصبحت أشعر بالخوف من الموت، وبفراغٍ في صدري، وأشعر أني منفصلٌ عن نفسي، وبعض الأحيان أني أحلم، وأن ما أعيشه ليس واقعاً.

وبعض الأحيان أشعر أن يديّ ليستا معي، أو خارج سيطرتي، لذلك أترك أي شيءٍ كنت أعمله، استمرت هذه الحالة لمدة سنتين، ثم أقنعت نفسي بالذهاب لطبيبٍ نفسيٍ، قرر أن الذي معي رهاباً اجتماعيا، وأنا لست مقتنعا! لأن الأعراض التي تأتيني ليست مرتبطة بمكانٍ فيه مجتمعٌ أو أحدٌ، بل تأتيني في غرفتي وأنا لوحدي، ولكن ربما يكون خطأي لأني لم أستطع أن أشرح له.

صرف لي دواء (citalopram 20) حبتين يومياً، وتحسنت حالتي 70٪ تقريباً.

استمررت ثلاث سنواتٍ، ثم حصل لي حادث سيارةٍ، وبعدها بشهرٍ انتكست حالتي، لم يعد الدواء يفيدني، كلمت طبيبي، فقال: أنت تعاني من وسواسٍ، وصرف لي دواء (tegretol 200) نصف حبةٍ ثلاث مراتٍ يومياً، واندرال 10 جرامٍ ثلاث مراتٍ يومياً، والسيتالوبرام بنفس الجرعة السابقة حتى الموعد القادم بعد 10 أيامٍ.

تحسنت قليلاً، لكني أعاني حتى الآن من الخوف من الموت، وأشعر أني ضعيفٌ، وأي شيء يصيبني بالخوف، أخاف أن أنام ربما أموت، وأنا نائمٌ، أخاف أن يموت أحدٌ من أهلي، مع تقلبٍ في المزاج، وأشعر بسعادةٍ ثم بضيقٍ بعدها بنفس الفترة، ودائماً أشعر ببرودةٍ في قدمي.

أرجو أن تسألني أي سؤالٍ إذا لم يتضح لك ما أعانيه، زادكم الله علماً، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هشام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن شرحك واضحٌ جدًّا، وأعتقد أن الذي أُصبت به هو قلق المخاوف، وقلق المخاوف الذي تعاني منه مكونٌ من جزئياتٍ متعددةٍ، هنالك شيءٌ من الرهاب الاجتماعي البسيط، هنالك شيءٌ مما نسميه باضطراب الأنيّة، هنالك ما يمكن أن نسميه نوبات هلعٍ بسيطةٍ، وهذه كلها مخاوفٌ، وكثيرًا ما تكون أمراض المخاوف مختلطة ومتداخلة، ونحن لا نعتبرها في هذه الحالة تشخيصات متعددة، إنما هو تشخيصٌ واحدٌ، وأرى أن تسميته بـ (قلق المخاوف) مقنعٌ جدًّا للمعالِج وللمعالَج، فلا تنزعج حول التشخيص أبدًا.

بالنسبة للعلاج: استجابتك كانت ممتازة بالنسبة للاستالوبرام، لكن بعد ذلك قلّت فعاليته، والذي لفت نظري أن الطبيب قد أعطاك بعد ذلك عقار تجراتول بجرعة ستمائة مليجرامٍ في اليوم، وهذه جرعةٌ محترمةٌ جدًّا، ويعرف عن التجراتول أنه يُعطى في حالات الاضطرابات المزاجية – أو حتى الاضطرابات الوجدانية الشديدة، مثل اضطراب تقلب المزاج الذي يعرف باسم: الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية –.

أما الإندرال فهو دواءٌ مساعدٌ لعلاج القلق والمخاوف، والاستالوبرام يعتبر عقارًا جيدًا.

فيا أخِي الكريم، إن كان لديك أي جزئيةٍ يمكن اعتبارها اضطراباً وجدانياً –وأعني بذلك تقلب المزاج– فهنا يكون التجراتول مثبتاً للمزاج ممتازٌ جدًّا، وإن كان الأمر كله فقط قلق المخاوف المصحوب بأعراضٍ اكتئابيةٍ، فهنا أقول لك: عقار إستالوبرام وليس (ستالوبرام) إستالوبرام – والذي يعرف بالسبرالكس – يعتبر عقارًا ناجعًا وفاعلاً وممتازًا، لكن لا أريدك أن تتخذ أي خطوةٍ في تغيير الدواء إلا بعد أن تتشاور مع طبيبك، لأن التجراتول (مثلاً) يتطلب أن يُسحب تدريجيًا إذا كان ليس هنالك ما يستدعي استعماله.

واستبدال الـ (إستالوبرام) بـ (ستالوبرام) أعتقد أنه سوف يكون أمرًا مقبولاً جدًّا بالنسبة للطبيب.

هذا من ناحية العلاجات الدوائية، وهذا أسهل جزءٍ في العلاج (حقيقة) لأن الدواء إذا وصف من خلال الطبيب الصحيح، وكان التشخيص صحيحًا -فإن شاء الله- يكون العائد العلاجي ممتازًا.

التحدي الحقيقي يأتي في الجوانب العلاجية الأخرى، والتي هي مسؤولية المريض لدرجةٍ كبيرةٍ، وأعني بها العلاجات السلوكية من تفكيرٍ إيجابيٍ، وتغييرٍ في نمط الحياة، والإكثار من التواصل الاجتماعي، وتنمية الشخصية، وممارسة الرياضة، والحرص على الصلاة في الجماعة، وأن يكون الإنسان دائمًا ساعيًا لأن يكون مفيدًا لنفسه ولغيره، هذا هو الذي يعطي دفعةً علاجيةً نفسيةً حقيقيةً، فكن حريصًا على ذلك.

وأنا على ثقةٍ تامةٍ أن حالتك يمكن احتوائها تمامًا، من خلال ما ذكرته لك من إرشادٍ، وكذلك التعديلات التي قد يتطلبها العلاج الدوائي، وأنا على أتم الاستعداد لأسمع منك مرةً أخرى، بعد أن تقابل طبيبك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً