الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قسوة طفولتي أثرت على حياتي .. فكيف أتحرر من قيود الماضي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

موضوعي طويل جدًّا، وسأخبركم عن جميع مشاكلي النفسية والجسدية.

بداية: أنا طالب يدرس في الخارج - أمريكا الشمالية - وأعيش وحيدًا، وبداية حياتي أني عشت طفولة غريبة، فقد كنت أستصغر الأشياء وأكبر في نفسي، وكنت ذكيًا في الدراسة؛ لأن الوالدة – حفظها الله - كانت عنيفة وشديدة في الدراسة، وفي كل شيء، وأبي – حفظه الله - كان طيبًا، وبعد فترة من الزمن تغير أبي وأصبح عنيفًا جدًّا، وأصبح يضرب ويسب أمام الأطفال الصغار، وخفت حدة أمي علينا، وأصبحت الذي يُضرَب؛ لأني أكبر إخواني الذكور، وعندي أخت أكبر مني، وبيتنا كان يعج بالمشاكل بين أمي وأبي، وأبي كانت عنده مشاكل مع أهله، ولا أعرف أعمامي وعماتي وجدتي - أم أبي - منذ ولادتي، وعلاقتي مع أهل أمي فيها مشاكل، لكنها أفضل بكثير من أهل أبي، فمنهم أشخاص طيبون، وقد كنت أُضرَب على كل شيء - بالذات الصلاة - وأصبحت أعاند ولا أصلي، مع أني أعلم أن ما أفعله خطأ.

وبعد أن دخلت الثانوية بدأ مستواي الدراسي بالتدهور من ممتاز لجيد جدًّا، ومرت الأيام وتخرجت من الثانوية، وامتلكت سيارة، وكنت الإنسان المسؤول عن البيت وعن إخواني – أي أني تحملت 90 % تقريبًا من مسؤولية البيت - وقررت أن أسافر.

بعد السفر توقعت أن أكون سعيدًا، وأن أعيش الحياة السعيدة، لكن حياتي تحولت من سيء لأسوأ، مع أن الخيارات التي تجعلني سعيدًا كثيرة، لكني لم أعد أستطيع استغلالها، ومستواي الدراسي تدهور وأصبحت أريد النوم، وتفكيري أصبح سلبيًا دائمًا، وقد أدمنت العادة السرية منذ زمن، ولدي حبوب في وجهي، والشهوة عندي دائمة؛ حتى في أوقات من المفترض ألا أشتهي شيئًا فيها، وقد تعبت نفسيًا.

وقد كنت اجتماعيًا منذ أن كنت في بلدي، لكني تعرفت إلى أصدقاء كثر، وعندما أتعمق في صداقة أغلبهم أصدم، أو تحدث مشاكل، وأصبحت أخاف أن أتعرف على أحد وأصدم فيه، وأصبحت أريد النوم دائمًا، والمشكلة أني أكذب على نفسي، وأقول: أنا ذكي وأحسن شخص، وأصبحت وحيدًا، وأشك في كل الناس، وصار لدي القليل من الأصدقاء في المدن الأخرى وفي بلدي، وخططت ليومي لكني لا أنفذ المخطط، ودائمًا أظن السوء في الناس، وعندما أتكلم مع شخص يأتي في ذهني مباشرة أنه يتكلم عني وتأتي لي أفكار سيئة، أو أنه يستصغرني، وتستطيع القول: إنه ليست عندي ثقة في نفسي.

وأنا حاليًا أعيش في وضع مزرٍ، وأنا أحب ربي، وأحاول أن أواظب على الصلاة لكني لا أستطيع، ويأتيني كسل، ولو صليت فإني أؤخر الصلاة عن وقتها – أستغفر الله - ودراستي بدأت تذهب من يدي، والمستقبل يضيع، وأنا أكبر إخواني، لدي 3 إخوه أصغر مني، ولا بد أن أكون القدوة والإنسان الجيد لهم، وجربت الحشيش والكحوليات لكنها لم تعجبني؛ لأنها حرام، وكانت تجربة من باب الفضول فقط، وأكثر شيء أعمله هو المعسل، وأكلم أمي أسبوعيا تقريبًا، وأكلم أبي في فترات بعيدة، وهو لا يتصل بي، ومنذ سنتين لم أرجع إلى بلدي، وأحس أن حياتي تضيع على لا شيء، لكني قنوع، وأنا إنسان ذكي، لكن كل شيء حولي وفي بالي ضدي، بصراحة شككت في نفسي كثيرًا، ولا أعرف أين الحل.

آسف للإطالة، لكن الكلام سيطول، وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إنسان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هنالك محطات واضحة جدًّا في حياتك: محطة الطفولة واليفاعة، ومن ثم حياتك التي تعيشها الآن في كندا.

أولاً: بالنسبة للطفولة – أيها الفاضل الكريم – أرجو أن تُفسّر وتؤوّل مسلك والديك حيالك التفسير والتأويل الإيجابي والطيب والمفيد، وأنا أعتقد أن المخاشنة – إن جاز التعبير – التي صدرت من والديك حيالك كانت ناتجة من سعيهما لأن تكون أفضل منهما؛ لأنك أنت الولد الكبير، وهم يريدونك أن تكون القدوة الصالحة لإخوتك، وهذه مشكلة الكثير من الآباء، فحبهم الغريزي الفطري الجبلي يدفعهم لأبعاد بعيدة، وتكون آمالهم عريضة في أبنائهم، وسعيهم الحثيث هو أن يجعلوا الابن في أحسن حال من حيث كفاءته التربوية, وكذلك مستواه الأكاديمي, وغيره.

فأرجو ألا تنظر إلى ما حدث في هذه الفترة – أو صعوبات في أيام الطفولة – نظرة خاطئة أو سلبية، بل انظر إليه نظرة إيجابية - كما شرحت لك -.

أنت الآن – أيها الفاضل الكريم –تعاني من حالة عدم استقرار نفسي، فلديك قلق، ولديك توترات، كما أن شكوكك الظنانية البسيطة حيال الآخرين لا أعتقد أنها مرضية، إنما هي وسواسية الطابع، وهذه بالفعل تجعل الإنسان يحس بالكدر، وتقلل الطاقات النفسية والجسدية؛ لذا تجد حتى دافعيتك نحو الصلاة ربما لا تكون كما تريد.

أنا أعتقد أن الأمور يمكن أن تعالج بصورة إيجابية جدًّا, فتوقف مع نفسك، وانظر إلى مصادر القوة في نفسك، وهي كثيرة - إن شاء الله تعالى – وانظر إلى السلبيات، وحاول أن تستفيد من الإيجابيات، وتتعامل مع السلبيات معاملة حازمة، وتتخلص منها واحدة تلو الأخرى، وابدأ بالأهون منها، ثم الأشد فالأشد حتى تتخلص منها.

أنت أدرى بصعوباتك، أنت أدرى بإيجابياتك، وأنت أدرى بإخفاقاتك، وتعامل معها هذا التعامل السلوكي المنهجي الذي ذكرته لك، وسوف تجد أن الأمور - إن شاء الله تعالى – قد تبدلت.

أنا أريدك أن تنظر لنفسك بعد أربع أو خمس سنوات من الآن، أين ستكون؟ ما هو تحصيلك العلمي؟ ما هي شهاداتك؟ ما هي مؤهلاتك؟ فهذا كله يجب أن تتصوره من الآن؛ لأن هذا الهدف - إذا كان واضحًا في مخيلتك - فسوف يمثل دافعًا إيجابيًا لك.

أنا سعيد جدًّا بقناعاتك حول الحشيش والكحوليات، فهي بالفعل رديئة، والعادة السرية أرجو أن تتعامل معها أيضًا بعقلانية، وأن تتصدى لها، وتستبدلها بأشياء أفضل: ممارسة الرياضة – الصيام متى ما استطعت إلى ذلك – وتعدد الأنشطة المختلفة، وتسخير طاقاتك من أجل العلم والتحصيل، وهذا كله يفيدك.

أنا أريدك أيضًا أن تحاول أن ترتب لإجازة، وتذهب لذويك وتلتقي معهم، أنت ذكرت أنك منذ فترة لم تذهب لأهلك، برغم سهولة التواصل الآن، لكن الزيارة العملية والفعلية ستكون مفيدة جدًّا لك، وأنا أعتقد أنك سوف تُجدد طاقاتك الفكرية والذهنية والوجدانية من خلال ترتيب مثل هذه الإجازة.

ربما يكون أيضًا من الأفضل لك أن تتناول أحد الأدوية البسيطة التي لها فعالية - خاصة في علاج القلق، والتوترات، والإحباطات, وكذلك الوساوس - وفي كندا يوجد عقار (باكسيل)، والذي يسمى (باروكستين) – هذا هو اسمه العلمي – فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرامات يوميًا لمدة أسبوعين، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة – أي عشرين مليجرامًا – استمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى عشرة مليجرامات يوميًا لمدة شهرين، ثم عشرة مليجرامات يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذا الدواء من الأدوية الممتازة جدًّا، والسليمة والفاعلة، والتي سوف تفيدك كثيرًا - إن شاء الله تعالى – وإن قابلت الطبيب فأرجو أن تتبع إرشاداته، وتناول الدواء الذي سوف يصفه لك، فالأدوية متشابهة لدرجة كبيرة، وأنا أريدك أن تكون إيجابيًا في تفكيرك، وأن تتخلص من السلبيات، وحالتك - إن شاء الله تعالى – بسيطة، وانظر لتجربة الطفولة والماضي كعبرة إيجابية، وانطلق انطلاقات قوية نحو المستقبل، واحرص في أمور دينك، وكن دائمًا في معية الله.

وللفائدة راجع وسائل المحافظة على الصلاة:( 17395 - 55265 - 2133618 )، وسائل تقوية الإيمان: (240748 - 231202 - 278059 - 278495).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً