الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن يكون لي سكن مع زوجي بمفردي... فهل أترك له البيت؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

متزوجة منذ عام ونصف، مشكلتي إن لي بدل الضرة ثلاث ضرائر، أم زوجي وأخوته البنات، فهم متعلقون به جداً؛ لأن والدهم توفي وهم صغار، وزوجي هو الذي قام بتربية أخوته وتزويجهم، أشعر أني غريبة بينهم ولا يهتموا بمشاعري، وخصوصا أخته الصغيرة التي تزوجت منذ 6 أشهر، فهي دلوعة جداً ودائمة المزح والضحك مع زوجي، تتدلع عليه بصورة مستفزة كالطفلة الصغيرة، وأنا لا أطيق هذا، قلت عندما تتزوج وتترك المنزل سأرتاح، ولكن لم يتغير الأمر، لأنها تسكن بجوارنا، ودائمة الزيارة لنا، ولا تتوقف عن مزحها السخيف مع زوجي، كلمت زوجي أكثر من مرة بأنه لا يجوز ما تفعله أختك يقول هذه مثل ابنتي ويتيمة، ولا أستطيع أن أصدها في أي شي ولا أرد لها طلبا.

أخته الكبرى نفس الشيء ولكن -الحمد لله- أنها متزوجة في بلد آخر، وقليلة الزيارة، يكثر مزاحهم في وجودي، ولا يبالون بمشاعري، حتى عندما يطلب زوجي مني قهوة قبل أن أنهض تسبقني أمه وأخته إلى المطبخ كأنه متزوجهن وليس أنا، حتى أمه ترفض تدخلي في شئون البيت من الطعام والشراب وخلافه، وتقول طول ما أنا موجودة لن يأكل ابني إلا من يدي، طلبت منه إن نسكن بمفردنا ولكنه رفضن، أنا امرأة شديدة الغيرة وأحب زوجي بجنون ولا أستطيع تحمل مثل هذه التصرفات.

أليس من حقي شرعاً أن يكون لي سكن بمفردي، أنا أفكر أن أترك له البيت ولن أعود حتى يوفر لي سكنا مستقلا أو ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك هذا السؤال، ونشكر لك التواصل مع الموقع، ونسأل الله أن يعيننا على خدمة إخواننا وأخواتنا وبناتنا وأبنائنا، وهذا شرف لنا، ونسأل الله أن يعينكم على إظهار معاني هذا الدين في تلك البلاد حتى يتأثر الناس بكم، وأرجو أن تعلمي أن مثل هذه الحالة حالة طبيعية في الوضع الذي ذكرتِ، فإن الولد عندما يكون الوحيد أو المحبوب أو النافع المفيد أو الذي قام بتربية أخواته، فهذه مناظر طبيعية، وينبغي أن تتفهمي هذا الوضع، ولا أعتقد أن هذا خصم على سعادتك، لأن الغيرة دائمًا موجودة في مثل هذه الأحوال من أم الزوج أو أخوات الزوج.

ولكن ينبغي أن تدركي أنك زوجة الرجل، وأنه من الخير أن يُحسن لأمه ولأخواته، وتعاملي مع الأمور بهدوء، فإن الغيرة في غير مكانها، لأنها ليست غيرة على امرأة لا تحل له يمكن أن يتزوجها، ولكنه نوع من الاهتمام بهنَّ، وحُق لهنَّ أن يهتموا به، فهو الذي قام على تربيتهنَّ وأحسن إليهنَّ، وأنت أيضًا تذللي مع زوجك وامزحي معه وصادقيه واقتربي منه أكثر وأكثر، ولا تحاولي ألا ترفضي هذه التصرفات جهرًا؛ لأن هذا سيحمل أخواته على العناد والاستمرار في إغاظتك.

ولا أعتقد أن هناك مشكلة إذا عملتْ الأم القهوة أو عملتِ أنت القهوة أو عملتْ الشقيقة القهوة، فنحن نتمنى أن تتعاملي مع الوضع بمنتهى الهدوء، لأن هذا جزء من العلاج، فلا تحملي نفسك فوق طاقتها، ولا أظن أنك تستطيعين أن تغيري هذا الوضع الذي عاش عليه الرجل، ودائمًا الغيرة متوقعة منهم، لأن زوجة الابن جاءت تشاركهم في جيبه وفي حبه، ولكن ينبغي أن تدركي أن هذا الرجل اختارك من بين سائر النساء، والذي يهمك هو زوجك ولسن أخواته، والشريعة التي تأمره أن يحسن إليك هي الشريعة التي تأمره بأن يبالغ في رعاية إخوانه، بل هذا نوع من البر لأبيه، بر الرجل لأبيه بأن يُحسن لأخواته وإخوانه وأقربائه، يشرف على تربية إخوانه وأخواته، ويجتهد في رعايتهم، هذا هو الواجب الذي تُمليه هذه الشريعة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها.

بالعكس نتمنى أن تشجعي زوجك على الوفاء لأهله، ولن يكون هذا على حسابك، والحمد لله إذا كانت قد تزوجت الكبيرة فإن الأمور في تحسن مستمر، ولن يطول وجود هؤلاء معك، فالحياة ظروف، والدنيا تتقلب بأهلها، وهناك الموت الذي يفرق الأحبة، فلا تستعجلي في طلب الطلاق، ولا الخروج من البيت، ولا تعلني رفضك علنًا أنك لا تريدين أن تكوني معهم، لأن في مثل هذه الأحوال ليس في مصلحتك، أولاً هذا يؤدي عندهم مشاعر الغيرة أكثر، ويتعمدوا إغاظتك، والرجل أيضًا سيختار هذا الخيار، لأنك وضعته في اختيار صعب جدًّا، والإنسان قد يجد زوجات لكنه لن يجد أُمًّا ولن يجد أخوات، فلابد أن تدركي هذه المسألة.

وإذا كنت ولله الحمد تحبين زوجك فهو أيضًا يبادلك المشاعر، لكن الرجل يستطيع أن يُحسن أهله ويحب أهله ويحب زوجته، لا تصادم في هذا، فهنَّ ليسوا ضرائر لك بمعنى الكلمة؛ لذلك هذه الغيرة ينبغي أن تُحكم بضوابط الشرع، فالغيرة ما هو محمود منها ومنها ما هو مذموم، والمذموم منها ما كان في ريبة، والمحمود منها ما كان في غير ريبة.

ولستُ أدري ما هي طبيعة المزاح الذي بينهم، ولكن أعتقد أن المزاح بين الأخ وأخواته مختلف عن المزاح الذي يجلب الغيرة، وإن كنت تقصدين الاهتمام فأنا أعتقد أن اهتمامهم بأخيهم، يعني هم الذين يهتمون به، فما ذنب هذا الزوج المحسن إذا اهتم به أهله واحتفت به الوالدة وأحبته أخواته، بل هذا بالعكس سيكون رصيدًا لك وسيكون هذا سبب في إنجاب ذرية وفية لتقوم بواجباتها، وهذا ينبغي أن تفرحي له، فلا تحملي نفسك فوق طاقتها، واقتربي من زوجك، وحاولي أن تكوني راقية في التعامل مع أم الزوج وأخواته؛ لأن هذا هو الحل، ولعلهم لاحظوا أنك تغارين وأنك تتضايقين، فهم يتعمدون هذا، فلا تعطي لهم هذه الفرصة، وحاولي عامليهم بنقيض قصدهم، بل اجعلي الإحسان هدفا لك في مثل هذه الأحوال، إذا كان الرجل يُحب أهله فإن الطريق إلى قلب الرجل يأتي باحترام أهله وبرعايتهم وباعتبار أمه أمًّا لك، وأخواته أخواتٍ لك، وسيبادلك الوفاء بالوفاء، والمشاعر بالمشاعر، ويهتم بك وبأسرتك.

فإذن لا تحملي نفسك فوق طاقتها، ونعتقد أن هذا ليس عذرًا في ترك البيت، وليس عذرًا في طلب الطلاق، فتعوذي بالله تبارك وتعالى من الشيطان، واعلمي أنك في وضع لا بأس به، وماذا لو كانت الغيرة من زوجة أخرى؟ هذا هو الوضع الذي يصعب على المرأة، أما غيرة الزوجة من أخوات وأم الزوج فالعكس هو الذي ينبغي أن يحدث، خاصة في مثل هذا الرجل الذي كان نافعًا لهم وقام بتربيتهم وقام برعايتهم، وأحسن إليهم وزوّج هؤلاء، وهذا له بشارات عظيمة عند الله تبارك وتعالى.

فنتمنى أن تغيري طريقتك في التعامل، وتعاملي مع الأمور بهدوء، وسوف نكون سعداء إذا كتبتِ إلينا؛ لأنك أنت التي تواصلتِ مع الموقع، وهذا يدل على أن فيك خير، وعلى أن تطلبي أحكام الشرع، نحن نتمنى أن تغيري أسلوبك، وستلاحظين التغير الإيجابي تجاه زوجك وتجاه أهله، وبذلك ستكسبين الجولة، والمهم هو علاقتك بالزوج، فأنت غير متزوجة بأخواته أو بأمه، بل متزوجة بالرجل، وأحسبُ أن الرجل يقوم بواجباته فيما يتعلق بالأسرة، فشجعيه على ذلك، واقتربي منه أكثر وأكثر، فإن اقترابك منه وتفهمك لنفسياته وتفهمك معهم هو الذي يُبعد الآخرين ويُبعد الأخريات من الطريق.

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك للخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، ومرة أخرى: نرفض جعل هذا الموضوع مشكلة وتضخيم هذا الموضوع؛ لأن هذا ليس في مصلحتك.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يؤلف على الخير قلوبكم وأن يصلح ذات بينكم، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر نصيرة

    شكرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً