الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بحثي الجامعي عن الفتن وطرق علاجها.. ساعدوني في الخطة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود المساعدة في إعداد خطة بحث عن "الأسباب العلمية والعملية لرد الفتن "، وتوجيهي لطريقة البحث في الدراسات السابقة في موضوعي، وهل أتحدث عن الفتن التي ذكرت في الكتاب والسنة أم أناقش الفتن المعاصرة، أيهما أنفع؟

وجزاكم الله خيراً، وثقل ميزان حسناتكم ورفع قدركم في الدارين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فتاة العقيدة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..

بداية نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونسأل الله أن ينفع بك البلاد والعباد، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، ونشكر لك حسن اختيار هذا الموضوع، الحديث عن الفتن، ويسعدنا أن نخبرك بأن الفتن لا تنفصل القديمة منها عن الحديثة، وكتاب الله تبارك وتعالى وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم – فيها عرض ونماذج للفتن التي حدثت، والفتن في كل زمان ومكان تتصل بأسبابها، وتتشابه في أحوالها، والمؤمن ينبغي أن يلوذ عند الفتن وقبل الفتن بإيمانه بالله تبارك وتعالى، بتوكله على الله تبارك وتعالى، بسلامة المنهج ووضوح الرؤيا، أن يتذكر عند المحن وعند الفتن، أن لهذا الكون إله مدبر سبحانه وتعالى، فعال لما يريد، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.

وليس معنى ذلك أنه يستسلم ويتوقف ولا يفكر في رد الفتن أو لا يحاول، لا، بالعكس فالفقيه هو الذي يرد أقدار الله بأقدار الله تبارك وتعالى، والذي يمنع حصول الفتن هو طاعة الناس لله تبارك وتعالى بالدرجة الأولى، حرص الناس على إرضاء الله، حرص الناس على اتباع النبي - عليه الصلاة والسلام – حرص الناس على السير على خطى وهدى السلف – عليهم من الله الرضوان – الذين فهموا هذه الشريعة، فهموا دين الله تبارك وتعالى.

ومع ذلك فإن الفتن والمحن يبتلي الله تبارك وتعالى بها العباد، فالله هو القائل: {أخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} والناس أمام الفتن ينقسموا إلى طوائف ثلاث: طائفة أصلاً كانت على الخير فنزلت الفتنة فيزدادوا ثباتًا وصبرًا ويقينًا وثقة في الله تبارك وتعالى، يرددوا كما فعل الصحابة: {هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا}، إذن هذه طائفة كانت على الخير والإيمان ازدادت بهذه الفتنة ثباتًا لتنال ما عند الله منازل ما كانتْ لتبلغها إلا بالصبر على البلاء.

وطائفة أخرى كانت غافلة مقصرة – كحالنا – لكن لما تأتِ الفتن ولما تأتِ المحن يأتِ العود إلى الله تبارك وتعالى، ولعل هذا من الأهداف العظيمة جدًّا، لأن الله قال: {أخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} ثم قال: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} من المفترض ذلك، لعلهم يرجعون، فالطائفة الثانية تتعظ وتعتبر، وعند الفتن تلجأ إلى الله وتتضرع إليه سبحانه وتعالى، وترد المظالم إلى أهلها، وتخرج من تقصيرها، وتُكثر من الاستغفار واللجوء إلى الواحد القهار سبحانه وتعالى، وتلجأ إلى قيام الليل والعبادات التي تعمق معاني الإيمان في النفوس، وهذا استنباط جميل للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى – لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم – وقد استيقظ ليلاً: (لا إله إلا الله ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟! أيقظوا صويحبات الحجرات) قال: " في هذا دليل على أن قيام الليل وعلى أن الناس في الإحن والمحن ينبغي أن يلجئوا إلى قيام الليل وإلى التوجه إلى الله تبارك وتعالى. (أيقظوا صويحبات الحجرات) وكيف وقد قال الله تبارك وتعالى أيضًا: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} وكان السلف إذا حزبهم أمر أو اشتد بهم الحال فزعوا إلى الصلاة، فكانوا يجدون فيها راحتهم، ويجدون فيها طمأنينتهم، ويجدون فيها سعادتهم.

إذن الطائفة الثانية كان فيها تقصير لكن ردّها البلاء، فصححتْ مسيرها إلى الله، وتوجهتْ إلى من يُجيب المضطر إذا دعاه سبحانه وتعالى، فانقلبت المحنة إلى منحة، واستفادوا من هذا البلاء الذي ردهم إلى طاعة الله تبارك وتعالى.

وعند البلاء أيضًا ينبغي أن نراجع أنفسنا، قال تعالى: {أوَلمَّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليْها قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} فيستفيدوا فيراجعوا أنفسهم، والمؤمن دائمًا شديد الاتعاظ بهذه المواعظ، والنبي - عليه الصلاة والسلام – كان يتغير إذا جاءت الريح، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يعلمنا أن الإنسان ينبغي أن يكون عنده هذه الروح، اللجوء إلى الله، وقفة للمحاسبة، المراجعة، لأنه يوقن أنه ما من مصيبة يُصاب بها المؤمن – الشوكة فما فوقها – إلا بذنب أصابه، والمؤمن شديد الاعتبار بالمحن والفتن، لكن المنافق - كما قال الحسن البصري - مثل الحمار، لا يدري فيما ربطه أهله، ولا فيما أرسلوه.

أما الطائفة الثالثة والعياذ بالله فهي التي كانت على غفلة وشر، فلما جاءت الفتن لم يفهموا الدرس، ولم يتعظوا، ولم يعتبروا، ودائمًا المؤمن – كما قال ابن مسعود – لما يُذنب أو يُقصِّر يرى أن هذا كأن جبلاً يريد أن يقع ويسقط عليه، بخلاف المنافق الذي يرى هذا الذنب العظيم الذي فعله كأنها ذبابة جلست على أنفه يُوشك أن يُشير لها هكذا بيده فتطير.

فالطائفة الثالثة والعياذ بالله هم الذين لم يستفيدوا من الدرس، قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} لكن قابلوا ذلك بقسوة القلب، قابلوا ذلك بالانصياع إلى وساوس الشيطان الذي يُزين لهم أعمالهم ويُخرجهم من هذه الإحن والمحن، قال تعالى: {ولكن قستْ قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون}.

والإنسان دائمًا ينبغي أن يتعظ بما يحدث لمن حوله، لأن السعيد هو الذي يوعظ بغيره، والشقي في الناس من يجعله الله تبارك وتعالى موعظة لغيره، {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى}، {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.

إذن لكي نتفادى الفتن علينا أن نطيع الله، عند حصول الفتن، علينا أن نتذكر توحيدنا، الدعاء، الصبر، فعل الأسباب في دفع الفتن، فإن الفقيه هو الذي يرد أقدار الله بأقدار الله، المصيبة قدر نردها بما نستطيع من وسائل وأسباب مشروعة، ومنها الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى.

فما أحوجنا إذن إلى أمثال هذه البحوث، ونريد أن نقول: الفتن الجديدة أيضًا على صلة بما قبلها، لذلك لا يستطيع الإنسان أن يفصل بينهما، فنسأل الله أن يعينك على إكمال هذا البحث، وأرجو أن تتواصلي مع أساتذة الجامعة والداعيات، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً