الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أتقدم لها الآن أم أنتظر حتى تخرجي؟

السؤال

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: قبل طرح الموضوع أود أن أشكركم على هذه الخدمة الجليلة، جعلها الله في ميزان حسناتكم -إن شاء الله-.

أود استشارتكم فيما يخص الخطبة والزواج، بحيث درست في اختصاص تصميم الألبسة، وتعرفت من خلاله على فتاة، وهي تدرسني، وأريد خطبتها، لكن أردت استشارتكم أولاً عن الطريقة المناسبة والشرعية للتقدم لها، مع العلم أنها بعد العطلة الصيفية لم ترجع لتدرس لحد الآن، بعد مرور أسبوعين من بدأ الدراسة، وهي ذات خلق ودين، وعندها نفس مواهبي وثقافتي تقريباً، وتتوفر فيها جميع الشروط التي أريدها تقريباً، وهي بنفس عمري، مع العلم أني أعرف مقر سكنهم.

أما بالنسبة لي فلم أسو وضعيتي تجاه الخدمة الوطنية، مع وجود أمل بإعفاء منها، سواء عن طريق قوانين الإعفاء أو الملف الطبي الذي عندي، وأحيطكم علماً أنه لدي رغبة كبيرة بالزواج في أقرب وقت، ولكنه في نفس الوقت ينتابني
شعور أحياناً بالقلق والخوف من بدأ هذه المرحلة، سواء من الخطبة والتحدث لأناس جدد ستربطني بهم علاقة مستقبلية، وكذلك من مراسم الزواج إلى إنجاب الولد، فما هي نصيحتكم؟ مع أني أؤمن بالقضاء والقدر، وأطالع الكتب الدينية، واستشاراتكم، ومن الأسئلة التي تراودني هل أقدم على هده المرحلة من الآن وأنا مازلت في بداية التحضير المادي؟

دخلي الشهري الآن 8000 دينار جزائري، مع احتمال وجود فرص أخرى للعمل، أفكر أن أعمل عملاً إضافياً، وتأجيل الدراسة، وأنا متحصل على دبلوم الإعلام الآلي، لكن أريد الدراسة في اختصاص تصميم الألبسة الذي يناسب موهبتي في الرسم، وعندي ميول له منذ الصغر، أو مواصلة الدراسة وتقديم شهادات طبية كل 17 يوماً لمدة عام ونصف لكي لا أطرد، وأتحصل على الشهادة، وأتعلم فيما بعد عند زواجي بهذه الفتاة التي تحمل نفس الشهادة التي أريد الحصول عليها، فما هو رأيكم في ذلك؟ أم أترك الأمر لله حتى تتضح الأمور أكثر وأخبرها بنفسي، وأنا لا أعرف هل ستأتي أم لا، هل خطبت من آخر أم لا، هل تنتظر قدومي مع تساؤلي، مما دفعني بالتفكير بتعجيل التقدم لها، مع أني أرغب في إخبارها بنفسي والتشاور معها في توقيت القدوم لخطبتها من أهلها والزواج بها.

ما رأيته من تلميح أثناء الدراسة وحالة الانسجام والتوافق بيننا، وما رأيته من رؤيا تدل على أنني سأتزوج بها، واستعنت بكتاب ابن سيرين لتفسير الأحلام في ذلك، وأهلي قد أخبروني قبل أن أتعرف على هذه الفتاة بأن هناك فتاة أخرى أعجبوا بها، وعندهم تحفظ على عمر الفتاة التي تعرفت عليها من خلال الدراسة، مع مراعاة سنة الله ورسوله في هذا الأمر.

لقد حرصت على التفصيل أكثر ما يمكن، لا للإطالة عليكم بقدر ما هو حرص مني على تقديم المعلومات الكافية للحصول على الجواب الشافي، وما توفيقي إلا بالله، أملي فيكم كبير بأن تأخذ استشارتي هذه بعين الاعتبار، وأن تقدموا لي الجواب الكافي والدواء الشافي -بإذن الله تعالى- وفي الأخير تقبلوا مني فائق التقدير والاحترام، وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

بداية نشكر لك تواصلك مع موقعك، ونرحب بك فيه، ونبين لك أننا في خدمة شبابنا من أمثالك، ونسأل الله أن ينفع بكم البلاد والعباد، وشرف لنا أن نكون في خدمة الشباب الذين هم أمل الأمة بعد توفيق الله -تبارك وتعالى-، وقد أعجبتني هذه الاستشارة التي تدل على النضج، بل بالعكس أنت لن يكون عندك إشكال في التواصل طالما أنت تعرض قضية بهذه الطريقة، ونسأل الله أن يزيدك قدرة على التواصل، وأن يحقق لك القبول في الدنيا والآخرة، وأن يُعينك على طاعته والبُعد عن معاصيه، فإن هذا مفتاح إلى قلوب الناس، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها -سبحانه وتعالى- كيف شاء.

أما بالنسبة للخطبة فهي من الأمور المهمة جدًّا التي تهتم بها الشريعة ليتحقق بها التعارف والتآلف والتوافق، واعلم أن الزواج ليس بين شاب وفتاة فقط، ولكن بين أسرة وأسرة، فهو رباط سيكون من هؤلاء الأخوال وسيكون من هؤلاء الأعمام، وتكون هناك جدات وأجداد، ولذلك لا بد أن تتريث في هذه الخطوة، ونحن نعتقد أن أنجح صور الزواج هي التي تُشارك فيها الأسرة مع هذا الخاطب، فبعد تعرفك على الفتاة إذا كانت لك أخوات من المناسب جدًّا ومن المهم جدًّا أن يقتربن منها، ويحاولن التعرف عليها، وأيضًا إذا كان هناك والدة تتعرف عليها وتتواصل معها، والنساء أقدر على مثل هذه الأمور كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لخولة بنت حكيم، وكما فعلت نفيسة في خطبة خديجة للنبي -عليه صلوات الله وسلامه-.

فإذا اقتربن منها عرفن أولاً هل هي متزوجة، هل هي مخطوبة، هل هي مرتبطة، هل لها رغبة، هل ستوافق، ينقلون لها المشاعر التي عندك، يتفهمون مشاعرها، ثم بعد ذلك تأتي الخطبة، والخطبة هي أن يطلب الشاب الفتاة من أهلها، فإذا طلبها من أهلها يطلب النظرة الشرعية والجلوس معها والحوار معها، فالخاطب يستطيع أن يجلس مع مخطوبته، لكن ليس في خلوة، يستطيع أن يحاورها، يناقشها، يتعرف على قدراتها العقلية، ولأهمية هذه المسألة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من خطب فقال: (هلا نظرت إليها؟ انظر إليها فإن أعين الأنصار شيئًا) وهذا يدل على أن النظرة تكون فاحصة ومركزة، ومن حقه أيضًا أن يترتب كثيرًا من الأمور معها، ولكننا لا ننصح حتى بعد الخطبة في التوسع، بل نريد للشاب إذا وجد الفتاة المناسبة أن يبدأ في تجهيز نفسه، لأن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج لا تُبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته ولا الخروج بها.

إذن أنا أرى أن هذه الفتاة التي ارتحت إليها تبدأ تربطها بأخواتك وبأسرتك، ثم بعد ذلك إذا وجدوها جاهزة أو ليس عندها ارتباط، بعد ذلك تتقدم رسميًا لخطبتها، والخطبة الهدف منها هو التعارف، وبعد الخطبة وأثنائها وقبلها من حقها أن تسأل عنك، ومن حقك أن تسأل عنها، تسأل عن أسرتها، هي تسأل عن أسرتك، بعد الخطبة أيضًا لابد أن يتأكد الإنسان من كثير من الأمور، والشرع يهتم بهذه الأشياء؛ لأن مشوار الحياة الزوجية طويل، ولا حرج في هذا، بل من الفقهاء تكلموا عن أن الإنسان إذا سُئل عن جارته أو سُئل عن جاره فإنه مستشار مؤتمن، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وإذا استنصحك فانصح له).

ونحن نعتقد أن الزواج لن يكون عائقًا أمام الدراسة، وخير البر عاجله، وإذا كان هذا الدخل مناسبًا والفتاة أيضًا لها تخصص يناسبك، فنرى أن التخصص والعمل في المجال الثاني ينبغي أن يكون بعد الزواج، لأن هذا يُتيح لكم فرصة، وسيتيح لكم انسجامًا أكثر، وقد يفتح لكم أبواب رزق أيضًا، والألبسة طبعًا النساء جمهور كبير فيها.

فإذا دخلت الزوجة معك في هذا العالم أو اتفقتما على تخصص معين واصلتَ فيه الدراسة، أو كانت هواية لك ودراسة لها فإن، هذه الأمور من الأشياء التي تجلب التوافق، بعد أن نؤسس الأسرة على تقوى الله وعلى طاعة الله.

أما ما يفعله بعض الشباب من التعرف على الفتاة والخروج معها والجلوس معها دون أن يكون هناك غطاءً شرعيًا، دون أن يكون هناك رابط شرعي معلن فإن هذا لا ننصح به، وهذا سبب لكثير من الشرور، فإن الشيطان موجود، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، والشيطان الذي يجمعهم في الغفلات التي قد يتوسعوا فيها هو الشيطان الذي يأتي ليقول: (كيف تثق فيها، خرجتْ معك، وضحكت لك، ما المانع أن تكون قد ضحكتْ لآخرين، وخرجتْ مع آخرين) والشيطان يأتيها أيضًا فيقول: (كيف تثقين فيه، إذا كان قد تعرف عليك دون علم أهلك أو أهله، وخرج معك دون خوف من الله تبارك وتعالى، ما المانع أن يكون قد خرج أو سيخرج مع أخريات) فتبدأ الشكوك، ولذلك حتى الغربيين عندهم أن العلاقات العاطفية خارج الأُطر الشرعية أو قبل الدخول في العلاقة الرسمية عندهم هي المسؤولة عن خمسة وثمانين بالمائة من نسبة الفشل في الحياة بعد الزواج، لأنها تأتي بالشكوك، وحتى بعد الخطبة نحن لا نريد أن نكثر الزيارات والجلوس والخروج، لأن هذا في هذه الحالة تبدأ الحياة الزوجية بعاطفة باردة وبشيخوخة مبكرة، وهذا ما لا نريده لشباب من أمثالكم في مقتبل حياتهم الأسرية والزوجية.

فلا يوجد إذن أفضل من هذا الدين، الذي يدعونا إلى أن نأتي البيوت من أبوابها، وإذا حصل الوفاق والتوافق ونظر إليها النظر الشرعية وحصل الارتياح فعند ذلك نستبشر، لأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ثم بعد ذلك يُكمل الإنسان هذا المشوار بمنتهى الهدوء وفي طاعة الله وبالحرص على تآلف القلوب، فإذا دخل عليها يبدأ مشواره بالسجود لله والشكر لله، التعاون على البر والتقوى، وضع دستور للأسرة ومنهاج تسير عليه، فإن الإسلام أراد الحياة الزوجية أن تكون في طاعة رب البرية -سبحانه وتعالى-.

وسوف نكون سعداء في حالة تواصلك مع الموقع، حتى نعطيك إرشادات تناسب كل مرحلة تصل إليها، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً