الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس قهري، وخوف من الأمراض والجراثيم

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لقد سبق وأرسلت استشارة من قبل، وأجابني عليها الدكتور/ محمد عبد العليم، جزاه الله خيرا، ورقمها هو:
2147578.

ولكن - يا أستاذي الفاضل -: أشعر بأن علاجي ليس نفسيا، وإنما علاجي هو التقرب إلى الله والتوكل عليه، فأنا في معاناة لا يعلمها إلا الله من الوسواس القهري، ومن الفطريات، والجراثيم، والأمراض، فأنا أخاف من أي شيء ألمسه بأن يحتوي على الجراثيم التي قد تصيبني بمرض أو عاهة.

فإذا أمسكت مثلا مقبض الباب في الجامعة، فلا أستطيع أن أمسك أي شيء بعده حتى أغسل يدي، خوفا من انتقال الجراثيم، وبالتالي الإصابة بالمرض، فأنا أفكر بمن أمسك الباب قبلي؟ وماذا في يده؟ وهل هو مصاب بمرض معدي؟ وهكذا أي شيء ألمسه، حتى ملابسي أغسلها بعد كل استخدام، حتى ولو كانت نظيفة.

لا أريد مصافحة الناس خوفا من انتقال الجراثيم إلي، ومثل ما ذكرت في استشارتي السابقة، أخاف من الصلاة في المسجد، لاعتقادي بأن السجاد يحتوي على الفطريات والجراثيم.

أصبحت كثيرة التفكير بالجراثيم، وأصبحت مشوشة وضعيفة، وأي شيء يزعجني.

أرجو منك يا أستاذي الفاضل: أن تجيبني بما يعينني على مقاومة هذه الأفكار الوسواسية من الناحية الدينية، وتحدثني عن حسن الظن والتوكل على الله, وأيضا الفرق بين التوكل والتواكل، فعندما تأتيني الوساوس، وأقرر مقاومتها، تحدثني نفسي بأنني قد دخلت في التواكل، ولم أبذل الأسباب، فأدخل في دوامة لا أستطيع الخروج منها.

أشكركم جزيل الشكر، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ helpseeker حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن عافيتك من كل بلاء، وأن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يُذهب عنك هذا الوسواس الذي بدأ يدمر حياتك، ويُقعدك عن كثير من أعمال الخير والبر، ويسبب لك كثيرًا من الإزعاجات، ويضيق عليك ظروفك اليومية والحياتية، كما أسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنا نعتذر بداية أن شيخنا الشيخ/ أحمد الهنداوي لا يُجيب الآن، وسوف أتولى الإجابة نيابة عنه، عسى الله تبارك وتعالى أن يوفقني لقول الحق الذي يوافق حاجتك، والذي يكون فيه نفعًا لك بإذنه تعالى.

فيما يتعلق بالوسواس القهري: فهو مرض – يا بُنيتي – من شقين: شق نفسي كما لو كان عضويًا، وشق شيطاني، فالشق النفسي: وهو الذي يبدو من حالتك الآن – ولابد فيه من اتباع أقوال أهل الاختصاص من الأطباء والاستشاريين النفسانيين، وأعتقد أن ما ذكره الدكتور/ محمد عبد العليم قطعًا سيكون فيه الشفاء الناجع، والعلاج الشافي - بإذن الله تعالى –، وذلك لخبرته الطويلة في التعامل مع مثل هذه الحالات عبر موقعنا هذا، وعبر المستشفى التي يراجعه فيها العشرات من المرضى يوميًا، فأنا أتمنى ألا تُغفلي هذا الجانب لأنه في غاية الأهمية.

أما فيما يتعلق بالجانب الشرعي، فأنا أقول لك – ابنتي الكريمة الفاضلة -: إن الشيطان – لعنه الله – عدو الإنسان الأول كما لا يخفى عليك، ولقد بين الله لنا عداوته صريحة في القرآن، وحذرنا من ذلك، ومن ذلك قوله تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأنِ اعبدوني هذا صراط مستقيم}، وقال سبحانه وتعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}، وقال سبحانه وتعالى: {إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدوًّا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}.

فالله تبارك وتعالى ما بيّن لنا عداوة أحد كما بيّن لنا عداوة الشيطان، وذكر لنا صورًا منها في كلامه، لا يتسع المقام لذكرها.

إذن أنت أمام عدو، مارد، خطير، مدمر، حاقد، حاسد، استطاع بكيده ودهائه أن يكون سببًا في حرمان أبيك آدم عليه السلام وذريته من الاستقرار في الجنة، بل وبعد أن خرج منها ، كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكلام الذي قاله إبليس – لعنه الله – حيث قال: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين}، فأقسم بعزة الله أن يضل بني آدم جميعًا، { إلا عبادك منهم المخلصين}، وها أنا وأنت وسائر المسلمين، بل وسائر بني آدم في هذه المعركة منذ الأزل، منذ أن كان هذا الأمر في السماء، وأصبحت الأرض مسرحًا وميدانًا لتلك المعركة الضارية، الضروس، الشديدة، والفتاكة، والمدمرة، ونظرًا لأن معظم أهل الأرض من غير المسلمين، فهو قد ركز جهوده كلها حقيقة على إفساد المسلمين، ولأن بعض المسلمين مفرط في دينه، فلقد ركز كل تفكيره وكل أسلحته تجاه المسلمين، الصالحين، الصادقين، الذين يحرصون على تنفيذ أوامر الله، وترك ما حرم الله، وأحسبُك كذلك من الصالحات، والله حسيبك، ولا أزكي على الله أحدًا.

والشيطان يمارس علينا نوعًا من الحرب الظاهرة والباطنة، فالحرب الظاهرة: إنما هو إغواء الناس في الوقوع في المعاصي، أما الظاهرة: فهي كالكذب، والغش، وأكل الربا، والقتل، والزنى، والفُحش، وغير ذلك من المعاصي التي تمارس عن طريق الجوارح.

وهناك نوع آخر من الحرب القذرة التي يشنها الشيطان على أولياء الله تعالى، وهي الحرب على القلب، والإغارة عليه، وذلك عن طريق الشبهات التي يُثيرها في قلب العبد المؤمن، وكذلك أيضًا عن طريق الوسوسة التي يقذف بها في قلب المؤمن ليشغله بهذه الاشياء البسيطة عن الشيء العظيم، حتى إنه قد يصل به الحال أن يتمنى الموت من شدة الألم، وقد يرى في الصلاة عقوبة ما بعدها من عقوبة، وأما الوضوء فحدث ولا حرج، وكل هذه إنما هي صور من صور كيد الشيطان.

فلابد أن تعلمي – حفظك الله – أنك مستهدفة من قِبل الشيطان، لما فيك من طاعة، وعبادة، واستقامة على منهج الله تعالى، والعلاج يكمن – كما ذكرتُ بداية – أولاً في الأخذ بأسباب الطب العضوي – أو النفسي – التي ترد في كلام الاستشاريين والأخصائيين، وأبشرك بأن هذا الوسواس أصبح له دواء نافعا ومفيدا، وكم من الحالات الآن تم شفاؤها تمامًا بعد توفيق الله تعالى، وتناول هذا الدواء.

فعليك بداية بذلك، وأرجو ألا تفرطي فيه، لأنه من باب التوكل على الله، وتركه نوع من التواكل.

ثانيًا: عليك أن تذكري أمام نفسك هذه المعادلة: هل كل الذين يُمسكون مقابض الأبواب مصابون بأمراض جلدية مثلاً؟ هل أنت تنظرين يمينًا ويسارًا كم واحدًا من الرجال والنساء مصابون بأمراض جلدية أو بدنية في أجسادهم؟

أعتقد أنك لو نظرت في أسرتك وحدها لما وجدتِ واحدًا من الرجال أو النساء مصابٌ بأي مرض، رغم أنهم يمسكون هذه المقابض عشرات المرات يوميًا، إذن هذا نوع من الوهم الذي قذفه الشيطان في قلبك.

فأنا أتمنى أن تنظري في الواقع - بارك الله فيكِ – وأن تعلمي أن هذا ليس له أساس من الصحة، وحكّمي عقلك – بارك الله فيكِ – فهؤلاء لماذا ليسوا مثلي؟ لماذا ليسوا مرضى؟ لماذا أنا وحدي التي إنْ أمسكتُ بالمقبض فإني سوف أصاب بكذا، أو أغسل ملابسي أو غير ذلك؟

عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يعافيك من ذلك، كما أنه يجب عليك أيضا بالإكثار من الاستغفار، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، كما عليك بعدم الانتباه لهذه المسائل، والاستخفاف بها، وعليك بالصلاة على النبي محمد - عليه الصلاة والسلام – بنية الشفاء، وعليك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء – يا بنيتي – فإنها في غاية الأهمية.

وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره وكيده، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.


__________________________________________

انتهت إجابة الشيخ/ موافي عزب، وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم.
__________________________________________

فأؤكد لك أنني أتعاطف معك كثيرًا، لأني أعرف أن الوساوس مؤلمة المحتوى، ومزعجة جدًّا لصاحبها، وفي بعض الأحيان قد يوسوس الشيطان وتوسوس النفس للإنسان بألا يطرق مجالات العلاج كلها، ويتخذ على ضوء ذلك موقفًا يحرمه من هذه النعمة العظيمة – أي نعمة العلاج - .

أيتها الفاضلة الكريمة: لا يمكن أن تعالجي وساوسك باتباع نهج التخير في أنواع معينة من العلاج، فالعلاج حزمة ورزمة ومجموعة واحدة متكاملة.

التفسير للوساوس لا يُجدي ولا يُوصل صاحبها إلى أي نتيجة، لأن تحليل الوساوس، والدخول في تفاصيلها الدقيقة، ومحاورتها، ومحاولة الرد عليها، تعمّق من هذه الوساوس، وحين وصل علماء السلوك – وكذلك علماء الدين جزاهم الله خيرًا – أن أفضل وسيلة للوسواس هي أن تُغلق الباب أمامه إغلاقًا تامًا، وألا تناقشه، وأن تحقره، وألا تحاول أبدًا التعمق في تفسيره وتشريحه. وهذه مبادئ لا يمكن للإنسان أن يحيد عنها أبدًا.

وأنا فصّلت لك بوضوح الخطوات السلوكية التي يجب أن تُتبع، وأريد أن أحتم مرة أخرى أن الدواء يعتبر شقًّا رئيسيًا جدًّا في العلاج، لأن العلماء – وبفضل من الله تعالى – توصلوا – وبما لا يدع مجالاً للشك – أن بعض المواد الموجودة في الدماغ – والتي تسمى بالموصلات العصبية – يلعب اضطرابها دورًا كبيرًا في الإصابة بالوساوس.

فأرجو أن تقدمي وتقابلي طبيبًا نفسيًا، لأنه من الواضح من خلال إرشادنا لك لم تصلي إلى نتيجة، فالعلاج متكامل، والعلاج الدوائي متوفر - والحمد لله تعالى -، والوساوس الآن أصبحت تُعالج بنجاح كبير، وذلك بعد ظهور هذه الأدوية الفاعلة، ونسبة النجاح الآن حوالي ثمانين إلى تسعين بالمائة، بينما في السابق حين كان الاعتماد فقط على العلاجات التحليلية والسلوكية، فنسبة النجاح لم تتعدى الثلاثين بالمائة أبدًا.

لا شك أنك على قناعة تامة بأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، وهذا يقتضي أن تكوني كيِّسة وفطنة، ولا تضيعي على نفسك الفرصة، ولا تعيشي مع آلام الوساوس، وخذي بالأسباب، وخذي بالعلاج، واعلمي أن الرقية والدواء والمرض كلها من قدر الله، فلا تحرمي نفسك أبدًا نعمة العلاج، الدواء مهم ومهم جدًّا في حالتك، وأنا دائمًا أحس بالأسى والألم حين تكون هنالك حالة يمكن علاجها، ولكن كثيرًا ما نحرم أنفسنا من الوسائل الصحيحة للعلاج، فلا تحرمي نفسك – أيتها الفاضلة الكريمة –، وأنا أثق تمامًا أنك في هذه المرة سوف تتخذين القرار الصحيح، والشيطان قد يطاردك ويمنعك من العلاج، أو يُدخلك في النفق المظلم الذي من خلاله ترفضين الأدوية وما شابهها من علاجات مفيدة.

أرجو أن تأخذي بما ذكره لك الشيخ موافي – جزاه الله خيرًا –، كما أرجو أن تعيدي النظر فيما ذكرته لك، ولا تتخذي قرارًا سلبيًا فيما يخص تناول الدواء.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مجهول توفيق

    بارك الله فيكم على هذا العمل الرائع

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً