الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بحالة نفسية بسبب تعامل أخي السيء، أرجوكم ساعدوني.

السؤال

السلام‏ ‏عليكم‏

‏في‏ ‏البداية‏ ‏اسمحوا‏ ‏لي‏ ‏أن‏ ‏أطرح‏ ‏عليكم‏ ‏مشكلتي‏ ‏التي‏ ‏أرقتني‏ ‏‏بالتفصيل‏، ‏أنا‏ ‏فتاة‏ ‏عمري‏ ‏20 عاماً،‏‏عانيت‏ ‏من‏ ‏معاملة‏ ‏أخي‏ ‏الكبير‏ ‏لي‏ ‏ولأفراد‏ ‏عائلتي،‏ ‏فقد‏ ‏كان‏ ‏سيء ‏الخلق‏‏ ‏عصبي‏ ‏جداً‏ وقاس و‏‏‏متجبر‏ ‏علينا‏ ‏و‏‏متغطرس‏، ‏وكل‏ ‏كلمة‏ ‏تحمل‏ ‏معنى‏ ‏القسوة‏ ‏تطلق‏ ‏عليه‏، فهو‏ ‏منذ‏ ‏صغر‏ي‏ ‏وهو‏‏ ‏يعاملنا‏ ‏أنا‏ ‏وأخواتي‏ ‏‏(‏البنات‏) معاملة ‏سيئة،‏ ‏‏‏فهو‏ ‏‏يضربنا‏ ‏ويسبنا‏ ‏بأسوأ ‏الألفاظ‏ ‏إذا‏ ‏أخطأنا، وأحياناً‏‏‏‏ ‏على‏ ‏أتفه ‏‏الأسباب‏‏‏، فلم‏ ‏يسلم‏ ‏منه‏ ‏أحد‏ ‏من‏ ‏أخواتي‏، فهو‏ ‏يضربنا‏ ‏بحجه‏ ‏أنه‏ ‏أخونا ‏الكبير‏ ‏ومن‏ ‏حقه‏ ‏أنه‏ ‏يضربنا‏ ‏وأن‏ ‏يربينا‏‏ ‏مع‏ ‏العلم‏ ‏أنه‏ ‏حتى‏ ‏إذا‏ طلب‏ ‏شيء ‏منا‏ ‏في‏ ‏غالب‏ ‏الأحيان‏ يكون‏ ‏بالصراخ‏ ‏والإهانة‏‏‏.

أما‏ ‏أمي‏ ‏فلم‏ ‏تسلم‏ ‏من‏ ‏لسانه‏ ‏السيء ‏هو‏ ‏لم‏ يضربها ولكنه‏ ‏يصرخ‏ ‏في‏ ‏وجهها‏ ‏ويتحدث‏ ‏معها‏ ‏بأسلوب‏ ‏وقح، ‏فإذا‏ ‏حصلت ‏مشكلة وتحدثت‏ ‏أمي‏ أو‏ ‏دافعت‏ ‏عنا‏ ‏نحن بناتها،‏ ‏فيبدأ‏ ‏يرفع‏ ‏صوته‏ ‏ويتكلم‏ ‏عليها‏ ‏بأنها‏ ‏غير‏ ‏عادلة ‏ولا‏ ‏تحبه‏ ‏ولا‏ ‏تحب أولادة‏ ‏كما‏ ‏تحب‏ ‏أولاد‏ ‏أخي‏ ‏الأكبر‏ ‏‏- هو‏ ‏يقول‏ ‏ذلك‏- والكثير‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏‏، وأما‏ ‏موقف‏ ‏أبي‏ ‏من‏ ‏تصرفاته‏ ‏أنه‏ يكلمه ويقول‏ ‏له‏ ‏لا‏ ‏تضرب‏ ‏أخواتك،‏ ‏ولكنه‏ ‏لا‏ ‏يستمع‏ ‏له‏‏، فلا‏ ‏أحد‏ ‏يستطيع ردعه‏ ‏أو‏ ‏منعه،‏ ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يحترم‏ ‏أحداً‏ ‏من‏ ‏العائلة.

أما‏ ‏مع‏ ‏أصدقائه‏ ‏فهو‏ ‏ذلك‏ ‏الشخص‏ ‏الكريم‏ ‏الطيب‏ ذو‏ ‏الوجه‏ ‏البشوش‏، قبل‏ ‏فترة‏ ‏ما يقرب‏ ‏الشهرين‏ ‏حصلت‏ مشكلة ‏طويلة‏ ‏لا‏ ‏يسع‏ ‏المجال‏ ‏لذكرها‏‏، المهم‏ ‏أنه‏ ‏ضربني‏ وكان‏ ‏يصرخ‏ ‏في‏ ‏وجهي‏ ‏ويتكلم بأسوأ‏ ‏الكلام‏ ‏معي‏ ويهينني‏ حتى أن‏ ‏أمي‏ ‏حينما‏ ‏جاءت‏ ‏لتدافع‏ ‏عني‏ ‏لكي‏ ‏لا‏ ‏يضربني‏ ‏صرخ‏ ‏في‏ ‏وجهها‏ ‏وتكلم‏ ‏بأسلوب‏ ‏سيء‏ ‏جداً‏، ‏‏وعندما‏ ‏قلت‏ ‏له‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏أمك‏ ‏ضربني‏ ‏‏حتى‏ ‏أنقذتني‏ ‏أمي‏.

بعد‏ ‏هذه‏ ‏الحادثة ‏وأنا‏ ‏لا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أنظر‏ ‏لوجهه‏، ‏بل‏ ‏لا‏ ‏أقابله‏ ‏أبداً‏ ‏وإذا‏ رأيته‏ ‏يبدأ‏ ‏قلبي‏ ‏يرجف‏ ‏بشدة‏ ‏لدرجة‏ ‏أني‏ ‏أسمع‏ ‏دقاته‏، ‏فكنت‏ ‏إذا‏ ‏جاء‏ ‏لمنزلنا‏ ‏هربت‏ ‏لغرفتي‏ ‏وأقفلت الباب‏ ‏علي‏ ‏إلى‏ ‏أن‏ ‏يذهب‏، ‏وأكون‏ ‏طوال‏ ‏الوقت‏ ‏في‏ ‏غرفتي‏ ‏خائفة ‏أن‏ ‏يأتي‏ إلي، وأيضا ‏عندما‏ ‏أنام‏ وأسمع‏ ‏أي‏ ‏صوت‏ ‏أقوم‏ ‏خائفة‏ ‏أخشى‏ ‏أن‏ ‏يكون‏‏ ‏هو‏ ‏عمل‏ ‏مشكلة‏، وكذلك‏ عندما‏ ‏يكون‏ ‏في‏‏ ‏منزلنا‏ ‏أكون‏ ‏في‏ ‏حالة‏ ‏قلق‏ ‏توتر لا ‏يعلم‏ ‏بها‏ ‏إلا ‏الله‏.

موقف‏ ‏والدي‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الحادثة أنه‏ ‏فقط‏‎ ‎قال‏ ‏له:‏ ‏‏‏بناتي‏ ‏ليس‏ ‏لك‏ ‏دخل‏ ‏بهم‏، ‏فأبي كبير‏ ‏في‏ ‏السن‏ ‏لا ‏يحب‏ ‏المشاكل‏ ‏ولا‏ ‏يستطيع‏ ‏فعل‏ ‏أي‏ ‏شيء، ‏وكذلك‏ ‏مريض‏ ‏بارتفاع‏ ‏الضغط، والله‏ ‏ثم‏ ‏والله‏ ‏منذ‏ ‏تلك‏ ‏الحادثة ‏إلى‏ ‏وقتي‏ ‏هذا‏ ‏وأنا‏ ‏أحلم‏ ‏به‏ ‏‎ )‎أخي ) أحلام‏ ‏مفزعة‏‏، وكثيراً ما أتخيل أنه يضربني ضرباً مبرحاً، وكأنه يشوهني أو يحرقني، وكأنني أهرب وأستمر في التفكير هكذا، وأصبحت أخاف وأفزع إذا أحد من العائلة تكلم بصوت عالي فجأة أو صرخ، فيبدأ جسمي يرتجف ونبضات قلبي تزداد، هو‏ ‏الآن‏ ‏مسافر‏، ‏ولكنه‏ ‏سيعود‏ ‏في‏ آخر‏ ‏شهر‏ ‏رمضان‏ ‏و ‏لا ‏أعلم‏ ‏ماذا‏ ‏سيحصل‏، ‏أنا‏ ‏خائفة ‏ومتوترة‏ ‏جداً ‏و لا‏ ‏أعلم‏ كيف‏ ‏أتعامل‏ ‏معه‏؟

أرجوكم‏ ‏ساعدوني‏ ‏أكاد‏ ‏أصاب‏ ‏بالجنون، ولا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أقابله‏ ‏في‏ ‏العيد‏، وأخشى‏ ‏أن‏ ‏تحصل‏ ‏مشكلة ‏أخرى،‏ ‏ماذا‏ ‏أفعل‏؟

‏هو‏ ‏بعمر‏ ‏‏‏30 سنة تقريباً، ‏متزوج،‏ لديه‏ ‏‏3 أطفال‏، مدخن، آسفة‏ ‏على‏ ‏الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sarah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هذا الأخ بالطبع لا نستطيع أن نحكم عليه أحكامًا كاملة من حيث السلوك، ونحن نقدر كل الكلمات التي وردت في رسالتك، لكن التحليل النفسي والسلوكي حين يتعلق بالعلاقات الثنائية - أو العلاقات بين الناس – لا بد أن يتم الاستماع وفحص جميع الأطراف، لكن كما ذكرت لك كل ما ذُكر في الرسالة يجب أن يُقدر ويجب أن يجد الأهمية، وأنا أحس بكل المصداقية فيه، فقط لا أريد أن أظلم الطرف الآخر والذي لم نستمع إليه.

عمومًا التوترات التي تحدث في داخل البيوت - خاصة بين أفراد الأسرة - قد يكون العامل الأساسي فيها شخص واحد، أو قد تكون مشتركة بين عدة أطراف في الأسرة، يعني هناك مساهمات وأخطاء من الأطراف، وبعد ذلك يحدث الاحتقان، وهذا يؤدي إلى ظهور المشكلة.

أنا أريدك أولاً أن تبني في خُلدك وفي فكرك وفي وجدانك صورة جديدة لهذا الأخ، هذا ربما يكون مستغربًا جدًّا، أنا أنصحك بهذا، لكن هو المخرج الحقيقي، بمعنى آخر: إذا حكمت على الشخص دائمًا من خلال تصرفاته السابقة لأنظر إليه مستقبلاً هذا لن يفيد أبدًا، ويجعلني دائمًا أقع في حساسيات معه تؤدي إلى نتائج سلبية.

هذا الأخ ما هو الإيجابي عنه؟ أنا أعتقد الشيء الإيجابي عنه أنه استطاع أن يكوّن أسرة، لديه زوجة ولديه ثلاث أطفال، فما دام استطاع أن يكوّن هذه الأسرة معنى أن هذا الإنسان فيه جوانب إيجابية، حتى وإن كانت سلبياته هي الطاغية.

غيّري نظرتك حياله بقدر المستطاع، لأن في هذا مساعدة لك كبيرة جدّا. أنت من الواضح أنك تعانين من نوع القلق النفسي الاكتئابي يسمى بـ (عصاب ما بعد الصدمة) أنت تعيشي الآن في حالة من الروع والخوف والقهر من المعاملة من جانب هذا الأخ، هذا حسب منظورك. هذه الصورة الداكنة جدًّا بل المظلمة جدًّا لا يمكن أن تتبدل ولا يمكن أن تتغير ولا يمكن أن تحسي بالارتياح إلا إذا حاولت أن تنظري في بعض الإيجابيات التي يتمتع بها هذا الأخ، وهذه النظرة سوف تجعلك أكثر قبولاً للتعامل معه، بمعنى أن تقاطعيه أو لا تتكلمي معه هذا خطأ، لا يقبل شرعًا ولا إنسانيًا، وهذه علاقات مفروضة، العلاقة بين الإخوان والأبوين والأهل علاقة مفروضة، لا مناص منها ولا هروب منها.

إذن كوني عنه فكرة إيجابية، وأنا أعتقد أنك إذا بنيت علاقة طيبة مع زوجته هذا أيضًا ربما يكون نوعًا من مفاتيح التواصل الإيجابية جدًّا معه.

أنت حين تبني صورة إيجابية عنه هو سوف يبدأ أيضًا يبني صورة إيجابية عنك، دون أن تتحدثي معه مباشرة حول أخطائه أو تطلبي منه أن تفتحا صفحة جديدة أو شيء من هذا القبيل. إذا كان هنالك نوع من التقدير والوقار والاحترام بقدر المستطاع وأنت بنيت عنه صورة إيجابية، أعتقد هو تلقائيًا سوف يبني عنك صورة إيجابية، بمعنى أننا حين نكون انتقاديين فقد أصبحنا منتقصين في علاقاتنا.

أرجو ألا تحسبي أنني لم أقتنع بما ذكرتِه، لا، أنا اقتنعت بكل كلمة ذُكرت في رسالتك، لكن ما ذكرته لك من وجهة نظري هو المخرج الوحيد، أن تبني صورة إيجابية، أن تفتحي علاقات جديدة معه، وأن تحاولي ألا تتصيدي كل خطأ يصدر منه، وأنت خذي المبادرات الإيجابية، واحتسبي الأجر عند الله تعالى، وكوني من الكاظمين الغيظ، واعرفي - أيتها الفاضلة الكريمة - أن الناس تتغير بمرور الأيام والزمن.

هذا الأخ - إن شاء الله تعالى - يبني مفاهيم جديدة عن الحياة الأسرية وعن أهمية الأخوة، ومن ثم يبدأ في التغير، وأنا أعتقد أن الفاضلة زوجته قطعًا سوف تكون وسيلة لتحسين العلاقة فيما بينكم، هذا من جانب.

من جانب آخر: أنا أريدك حقيقة أن تتركي جانب العلاقة مع أخيك جانبًا، وتفكري حول نفسك، حول المستقبل، أكثري من القراءة، من الاطلاع، أكدي ذاتك، قوّيها، ابني علاقات طيبة مع الصالحات من النساء، اذهبي إلى مراكز تحفيظ القرآن.

إذن بناء علاقات بديلة جيدة سوف تعوضك كثيرًا عن الشروخ والإساءات التي وقعت عليك، هذا أيضًا منهج علاجي سلوكي أرجو ألا تهمليه.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً